لقد ظللنا نتابع الاحداث في اقليم دارفور بصفة عامة وولاية شمال دارفور بصفة خاصة، والتي خرجت عن السيطرة والاطر المعروفة لدى الجميع، حكومة ومواطنين مما حرك في دواخلنا من مشاعر الحزن والاسى والخذلان في كبح جماح التفلتات الامنية والاعتداءات المتكررة الآثمة التي يتعرض لها المواطنون وبعض القبائل، واستهدافهم في معاشهم وممتلكاتهم وارثهم الذي توارثوه أب عن جد منذ ان اوجدهم الله في تلك المناطق. لقد طالعتنا الصحف بتاريخ 21 يناير 2013م، بخبر مفاده مقتل واصابة 28 شخصا في تجدد القتال بين الرزيقات وبني حسين في منطقة «سللي» في ام دخن شرق (صحيفة الصحافة)، وبتاريخ 22فبراير 2013م، مقتل وجرح 39 شخصا في اشتباك بين الرزيقات (الابالة) والبني حسين اثر هجوم نفذه الابالة على مورد للمياه بمنطقة الحجير، وتم الهجوم بعدد 26 عربة لاندكروزر محملة بمدافع الدوشكا و 500 شخص على ظهور الخيول والجمال (صحيفة المجهر) وقبلها كانت المعارك التي اندلعت في جبل عامر بمحلية السريف وراح ضحيتها قرابة الستمائة شخص ما بين قتيل وجريح وتشريد للآلاف من المواطين وانطبق عليهم قطع الارزاق والاعناق معا قولا وفعلا.. هذا ما حدث وسوف يحدث ما لم يكن هنالك امن وأمان وفرض هيبة الدولة خاصة في المناطق التي يخلو منها التمرد المسلح في دارفور اذن اين المسئولين في الولاية، واخص بالذكر هنا والي شمال دارفور اعضاء حكومته وامن الولاية، لو حدث هذا من قبل الحركات الحاملة لسلاح في دارفور لوجدنا لهم العذر لماذا؟ لأنها حركات خرجت عن شرعية الدولة وقانونها الى ان يرد الله غربتهم.. اما ان تصدر مثل هذه الاعمال والاقتتال بين المواطنين كقبائل وافراد، هذا شيء لا يسكت عليه!! ولا حتى من باب الاستعداد ومراجعة الخطط والاستراتيجيات والتكتيكات السياسية والامنية. هذه ارواح مواطنين، كيف تسمح الحكومة المركزية والولائية بأن تتعدى قبيلة مسلحة بكل هذه الاسلحة في مواجهة قبيلة اخرى، وللحق اوضح للقاريء الكريم بأن كاتب هذا المقال من ابناء دارفور ولا ينتمي الى اي من هذه القبائل المتنازعة حتى لا تنطوي عليه صفة الموالاة.. والتزم الحياد في تناولي لهذا الموضوع من منظور علمي ومنهجي وقومي. وفي هذا لسنا بصدد الدفاع عن قبيلة بعينها وتبرئتها دون معرفة الاسباب والدوافع المباشرة التي ادت الى النزاع، ومن الباديء والمبتديء بالحرب على الاخرى.. ولكن نقرن الواقع بالدلائل والبراهين من خلال تاريخ النزاعات في دارفور، وتعددها وتصدر بعض القبائل لتلك النزاعات، حيث نجد ان بعض القبائل تأتي في صدارة عدد النزاعات ومؤتمرات الصلح، ونؤكد من خلال هذه السطور في تناولنا لهذه الوقائع ان تسلط الضوء على القصور ووجوب تركيز تقوية نقاط القوة لتلافي مثل هذه النزاعات وعدم تكرارها.. والتي سوف لن تتم الا بتحقيق التنمية المستدامة في جميع ارجاء الاقليم لمواجهة التنامي في عدد السكان والحيوان والضعف في الموارد الشحيحة اصلا. في الفترة من عام 1924م، حتى عام 2003م، عقد 39 مؤتمرا للصلح في دارفور شاركت فيها 22 قبيلة، وتتفاوت اسباب النزاع ما بين الموارد الطبيعية والتبعية الادارية والقيادة الادارية والقيادة السياسية والمعاداة الثأرية والحواكير.. وهناك احصائية تشير الى تكرار اشتراك القبائل في مؤتمرات الصلح، مما تؤكد نزاعاتها المتكررة (الدراسة المقدمة من زهير محمد بشارة 2003م). لقد شاركت قبيلة الرزيقات (البقارة في 9 مؤتمرات، والرزيقات الابالة، الزيادية، الميدوب 7 مؤتمرات، والزغاوة 11 مؤتمرا والبرتي 5 مؤتمرات والفور والقمر 4 مؤتمرات والبني هلبة والمعاليا والبرقد 3 مؤتمرات والمراريت والتعايشة والبديات والمساليت مؤتمرين. بقراءة سريعة لهذه المؤتمرات نخرج بنتيجة مفادها ان هناك بعض القبائل تتكرر نزاعاتها مع القبائل الاخرى وتتصدرها قبيلة الرزيقات (البقارة والابالة) وتليها قبيلة الزغاوة، مما يستدعي نظرة فاحصة ووقفة تأمل لدراسة هذه الظاهرة من عدة نواحي، ديموغرافيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا وجيواستراتيجيا من قبل عدة جهات علمية كالجامعات ومراكز الدراسات والبحوث المتخصصة والخبراء الاكاديميين في هذا المجال، للوصول الى نتائج وتوصيات تفضي الى حلول جذرية لهذه النزاعات بكل ابعادها. ويعزى ذلك الى ضعف الادارات الاهلية في اداء مهامها وخاصة فض النزاعات عن طريق آلية الجودية والآليات الاهلية الاخرى، وذلك نسبة لتسييسها من قبل الحكومة المركزية والولائية والمحلية، كذلك نجد ان مؤتمرات الصلح اصبحت لا تثمن ولا تغني عن جوع ولا تحقق اي نجاحات في رأب الصدع وتحقيق المصالحات وفض النزاعات بسبب عدم وجود الطرف الثالث المقنع والمقبول لدى اطراف النزاع دون حياد وايضا لتمثيل لجانها بوجهاء قوم يمثلون واجهات سياسية واعلامية وعلاقات عامة، اكثر من انها تعمل كوسيط مقبول ومحايد وملم بقضايا اطراف النزاع مما يؤكد عدم فاعليتها، والدليل على ذلك، هو الكم الهائل من مؤتمرات الصلح التي عقدت طيلة العقود الماضية ، في عهد الحكومات السابقة ولا سيما ما بعد فترة حكومة الانقاذ، ولكن بكل اسف ناصبتها الفشل الذريع والنقض الواضح لها، مما اجج نيران الصراع والنزاع المتكرر دون هوادة، ما ا ن تخبو حتى تطل برأسها من جديد. والسبب في ذلك هو ضعف ثقافة وعلم فض النزاعات الذي اصبح الهم الاكبر لجميع دول العالم من اجل تحقيق السلم والامن الدوليين. وهناك مثال للاستقرار والسلم بين مختلف قبائل دارفور حيث لم تحدث نزاعات تصل الى مرحلة تدخل الدولة والادارات الاهلية، سوى ثلاث مؤتمرات عقدت في الفترة من عام 1916م حتى عام 1956م مقارنة بعدد 36 مؤتمرا عقدت في الفترة من عام 1956م حتى عام 2003م اي ما بعد الاستقلال، مما يؤكد على قدرة وفاعلية الادارة لدى المستعمر في تحقيق امن المجتمع وسلامة المواطن، والحفاظ على ممتلكاته، علما بأننا الآن نعيش في ظل دولة المؤسسات ان صح التعبير، ولكن بكل اسف اصبح في دارفور كانتونات ولوبيات وقبائل لها من القوة والمنعة ما يجعلها تفرض رأيها على الآخرين ولا تلتزم بمبدأ الحوار والتعايش السلمي، بل وتحاول الاعتداء بقصد التغول والهيمنة وفرض السيطرة والامر الواقع في اطار تحقيق اهدافها، للاستحواذ على حقوق الآخرين من اراض وموارد وحواكير وقيادة سياسية وادارية دون ان يكون لها وجه حق في ذلك، فقط انها تعتمد وتعتد بقوتها المادية والبشرية واللوجستية والعسكرية التي حصلت عليها من قبل بعض الجهات، بقصد تجهيزها ودعمها من اجل حماية الحدود ومواجهة التمرد المسلح في دارفور في حال الاعتداء عليها من قبلهم، مما اكسبها من القوة التي استغلها بعض ضعاف النفوس من تلك القبائل ، ومهاجمتها لبعض القبائل المسالمة والملتزمة بمباديء حسن الجوار من جيرانها. ان ما حدث في منطقة جبل عامر بمحلية السريف في ولاية شمال دارفور، والقيود التي فرضت مما صعبت الوصول الى تلك المنطقة ، وصعبت من توسيع نطاق عمليات الاغاثة، وتزامن ذلك مع قرار مجلس الامن الدولي الصادر بالاجماع في بيان تمديد ولاية فريق الخبراء المعني بتطبيق العقوبات على السودان حتى 17 فبراير 2014م، واصدار القرار 2091 للتمديد الذي اعتبر الحالة في السودان لا تزال تمثل تهديدا للسلم والامن الدوليين. وقد هددت الاممالمتحدة الحكومة بعدم مقدرتها للاستمرار في تقديم الغذاء ومواد الاغاثة الاخرى، ما لم تسمح السلطات في شمال دارفور للمسئولين الامميين بالسفر الى مناطق النزاع في جبل عامر ومحلية السريف. هذه هي تداعيات النزاع القبلي في دارفور، وليست قيوداً مفروضة على الحكومة بفعل صراعها مع الحركات المتمردة الحاملة للسلاح في دارفور. ان ما يحدث في اقليم دارفور بصفة عامة وشمال دارفور بصفة خاصة من قبل بعض القبائل المستأسدة التي تريد ان تهيمن وتسيطر على كل شيء ابتداء من الحواكير والموارد الطبيعية والقيادة الادارية والسياسية امر لا يسر احداً ولا تقبلها الحكومة المركزية ولا المجتمع السوداني الاعم ولا المجتمع الدارفوري الاخص حتى وان قبلتها الحكومة الولائية والمحلية وسكوتها عن ما حدث ويحدث جريمة لا تغتفر ، مما يستدعي محاسبتها بل المطالبة باقالة والي ولاية شمال دارفور واعضاء حكومته ما لم يتقدموا باستقالتهم جماعة بسبب عدم قدرتهم وتفريطهم في حماية مواطنيهم والحفاظ على ارواحهم وممتلكاتهم، وعليهم الاعتذار للشعب عامة ولمواطني ولاية شمال دارفور بصفة خاصة فيما اخفقوا فيه ولم يتمكنوا من اداء واجبهم الذي كفله لهم الدستور والقانون في حماية مواطنيهم والحفاظ على ارواحهم وممتلكاتهم وتحقيق الامن والاستقرار، لا ان يتعرضوا للتقتيل والبطش والاغتصاب والتشريد والنزوح واللجوء وان تصبح صفة ملازمة لهم. ونوجه رسالة الى الذين يعتدون على الآخرين بغير حق وذنب اقترفوه سوى ان مكنهم الله في ارض فيه خير وبركة ورحمة فيما بينهم وجيرانهم والآخرين «اذا دعتك قدرتك الى ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك».. ورسالة الى الحكومة المركزية ممثلة في الآية الكريمة : «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى امر الله فإن فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا ان الله يحب المقسطين»- صدق الله العظيم (الحجرات 9). نسأل الله ان يجنبنا شر الفتن والإحن والمحن، ويرد كيد الاعداء ويحفظ بلادنا من كل مكروه. خبير استراتيجي - فض النزاعات - ورئيس حزب تحالف الشعب القومي