سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لم أكن أتوقع الفوز بالجائزة وارتباطها باسم الطيب صالح منحها سمة الإغراء بالمشاركة الفائز بالمركز الثاني في جائزة الطيب صالح للرواية المغربي محمد عز الدين التازي ل «الصحافة»:
٭ شغلت الرواية منذ ظهورها على الساحة الأدبية العديد من النقاد والمنظرين، واجتذبت العديد من المبدعين والكتاب للعمل بها، حتى أصبحت أم الفنون النثرية في العصور الحالية، وهو موقع حازته من انفتاحها على العديد من الفنون الأدبية، فهي بحسب الناقد الروسي ميخائيل باختين ناتجة عن مزج كل الأنواع الأخرى التي كانت موجودة قبلها، ومن هذا الانفتاح وذاك الأفق المتسع لمعالجة القضايا والموضوعات، كان الإقبال عليها من قبل المبدعين، فبرزت العديد من الأسماء عالمياً وعربياً، ونلتقي اليوم بواحد منها وهو الروائي العربي والمغربي محمد عز الدين التازي، الحائز أخيراً على المركز الثاني لجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي في دورتها الثالثة، عن روايته «يوم آخر فوق الأرض»، وهو عمل يضاف إلى العديد من الأعمال الروائية لهذا الكاتب مثل «المباءة، أيها الروائي، فوق القبور تحت القمر، رجل البحر، أبراج المدينة» ومجموعة من القصص القصيرة.. لنتفاكر معه حول العديد من المحطات في مسيرته الروائية التي يسردها بالإجابة عن الأسئلة التالية. ٭ أستاذ التازي، أولاً ألف مبروك فوز روايتك «يوم آخر فوق الأرض» بالمركز الثاني لجائزة الطيب صالح للرواية؟ بارك الله فيك وفي أهل السودان ومثقفيه ومبدعيه. ٭ هل كنت تتوقع فوز هذه الرواية في مسابقة الطيب صالح مع كثرة الأعمال المشاركة؟ لا، أبداً.. ليس على من يترشح لجائزة من الجوائز أن يتوقع فوزه، فكل ترشيح للجوائز هو مغامرة يتم الإقبال عليها والفوز هو الأمل، لكن الآمال لا تتحقق دائماً. وأعتقد أن من يترشح لجائزة من الجوائز عليه أن ينسى ذلك في انتظار أن تأتيه المفاجأة سلباً أو إيجاباً. وعليه حينها أن يقبل بعمل لجان التحكيم، والنتائج التي تترتب عنه، لأن هذه هي أخلاقيات الترشح للجائزة، وأما اللغط الذي يثار حول مصداقية بعض الجوائز فهو لا يخدم المشهد الثقافي في شيء. ٭ ارتبطت هذه المسابقة باسم الروائي الطيب صالح، والحديث عن هذا الأخير يعود بنا إلى علاقة وطيدة ظلت تربطه طوال حياته بالمغرب، وقد تأكد ذلك من حضوره المتكرر للمغرب.. كيف تنظر لهذه العلاقة ؟ وهل كان لها أثر في مشاركتك في هذه الدورة؟ أعتبر أن هذا الروائي العربي والعالمي الكبير قد أحدث بروايته «موسم الهجرة إلى الشمال» رجة كبيرة وتحولاً مهماً في مسار الرواية العربية واتجاهها نحو التحول. وكون الجائزة تحمل اسمه فذلك مفخرة لمن ينالونها، والشكر لشركة «زين» التي التفتت نحو هذا الروائي الكبير لتجمع حول روحه الطاهرة العديد من الباحثين وهم يتداولون قضايا السرد الروائي، والتي أسست جائزة تحمل اسمه. وكان الطيب صالح يحب المغرب ويزوره مرة كل عام خاصة في موسم أصيلة الثقافي، حيث كنت التقي به ونحن معا في ضيافة السيد محمد بن عيسى، وزير الخارجية الأسبق، وقد كان السيد بن عيسى صديقاً حميماً للطيب، وكثيراً ما حدثني عن مناجاتهما وزياراتهما لأولياء الله الصالحين. ولعل الجائزة وهي تحمل اسم الطيب صالح، قد أغرت الكثير من المبدعين من كل الأقطار العربية وبعض بلدان أوربا للترشح لنيلها، وهو ما حدث معي. ٭ دعنا نتجاوز قليلاً، مقولة بارت ب «موت المؤلف» لنطلب منك تعريف القراء بهذا العمل وأبرز السمات فيه؟ أنا شخصياً، لا أميل إلى تلخيص الأعمال الأدبية، لأن ذلك يغتصب قيامها على جمالية اللغة وجمالية الأشكال التعبيرية الأخرى. ولكن الرواية التي فازت بالجائزة تتجه نحو الفانتاسيك، حيث يرى البطل في حلمه كل الأحداث العجيبة والغريبة التي تقع له. ٭ من هو التازي؟ وكيف جاء للكتابة؟ محمد عز الدين التازي أتى إلى الكتابة من القراءة، وقد بدأ يكتب وهو في سن مبكرة، كما نشر أول قصة قصيرة له سنة 1966م وهو تلميذ بالثانوي. وأخلص للكتابة بما جعله صاحب كم روائي وقصصي هائل، فقد بلغ عدد الروايات التي نشرتها اثنتين وعشرين رواية، وعدد المجموعات القصصية تسع مجموعات، عدا ما نشرته من دراسات أدبية وقصص للأطفال. ولعلي أتحدث بضمير الغائب عن شخص آخر ليس هو أنا، وإنما هو أنا الآخر، الذي يوسع من تجارب الحياة وما تحفل به من أفكار ومواقف عبر الكتابة. ٭ المتابع لمسيرتك الحافلة في الكتابة الإبداعية يلاحظ ذاك «التأرجح» بين كتابة القصة والرواية.. أين يجد محمد عز الدين التازي نفسه؟ ولماذا؟ هو ليس تأرجحاً، وإنما استجابة للحظة الكتابة التي تدعوني إلى كتابة قصة قصيرة حتى وأنا في معمعان كتابة رواية. وربما يكون ذلك التغيير نوعاً من التنويع الذي يمنح الكاتب شيئاً من الاستراحة، حتى وهو لا يستريح، وإنما يتنقل بين جنس أدبي وآخر، دون أن أقول إنه ينتقل من أحدهما إلى الآخر. ونفس الوضع يحدث لي مع الكتابة السردية للأطفال، فهي مساحة أخرى من الكتابة تنقل الكاتب إلى عوالم الإحساس بالبداية، بما فيها من براءة واكتشاف للحياة، على خلاف عوالم الرواية التي يظهر فيها الإحساس بالنهاية. ٭ انطلاقاً من تناص الرواية وانفتاحها اللامحدود على الأجناس الأخرى بحسب التعبير الباختيني نلاحظ أن هنالك توظيفاً في أعمالك لأبيات شعرية وقطع نثرية.. تماماً كما بدأت روايتك «المباءة» «بفتح الميم» بمقطع نثري لابن ضربان الشرقاوي، وهو الشيء نفسه عند الطيب صالح عندما يستهل روايته «مريود» بأبيات من شعر أبي نواس.. ما هي دلالة هذه الاقتباسات؟ وما هي وظيفتها في خلق النص الروائي؟ أنا لست شاعراً، لكني أكتب الشعر في الرواية. بمعنى أنني أمارس نوعاً من تعدد مستويات لغة الكتابة، حيث يحضر نوع من التنويع في مستويات اللغة، من السرد الذي يعتمد على اللغة المباشرة إلى النثر الذي يحيل على اللغة التراثية إلى المستوى اللغوي الذي يحفل بالأمثال والحكم إلى ما يسميه النقاد بشعرنة الخطاب، أو إضفاء لغة الشعر على مقاطع معينة من الرواية. وأقول إن باحثاً أكاديمياً حصيفاً قد اشتغل على لغة الشعر في روايتي «رحيل البحر»، فاستخرج منها العديد من المقاطع التي تنتمي إلى الشعر بكل المقاييس. لكن ما أتقصده هو أن تظهر الرواية التي أكتبها بمظهر التنويع، سواء على مستوى المحكيات أو على مستوى اللغة وطرائق تشكيل الأحداث. ومن بين تلافيف رواياتي يمكن أن يُستخرج ديوان شعري ضخم، على غرار ما فعله أحد الباحثين العراقيين ب «ألف ليلة وليلة»، عندما استخرج من المتن السردي كل الأشعار المتضمنة وقام بدراستها وتحليلها. وعلى مستوى الاشتغال بالأشكال، فليس الأمر في كتابة الرواية عجباً، لأن دخول الشعري في النثري يعتبر خاصة متأصلة في الأدب. ٭ كيف تنظر إلى واقع الرواية العربية والمغربية الآن؟ في عجالة هذا الحوار لا أستطيع أن أقدم ملمحاً من ملامح الرواية العربية والمغربية، في سياقي التأسيس والتحول اللذين عرفتهما مسارات الكتابة الروائية. ولكن ما أرغب في الإشارة إليه، هو أن الرواية العربية بشكل عام، قد عرفت العديد من الطفرات النوعية، مما جعل كتابها ينشغلون بقضايا المجتمع العربي في تحوله مثلما انشغلوا ببناء الأشكال التعبيرية الجديدة، من توظيف للتاريخ، وأسطرة للواقع، وتوظيف للبنيات التراثية، وشعرنة للخطاب، وسواء تعلق الأمر بالمضامين أو بالأشكال فإن وعياً اجتماعياً قد تضافر مع الوعي الجمالي من أجل بناء نص روائي تحضر فيه أنماط الوعي التي تحضر في المجتمع العربي، كما تحضر فيه طرائق الصوغ الروائي المتجددة. وقد يكون هذا الملمح هو السمة الغالبة على الرواية العربية اليوم، وهو يستند إلى مظاهر تحديث الخطاب الروائي وتنويع الخطابات. وما الرواية المغربية أو الرواية المغاربية، سوى تَجَلٍّ من تجليات المشهد الروائي العربي، فما يقيم الفرق بين رواية مغربية وأخرى مصرية، ورواية سودانية وأخرى لبنانية، ورواية سعودية وأخرى تونسية، هو الخصوصية المحلية، واعتماد الرواية على أحداث وتفاصيل تبدو لصيقة بمكانها أو بفضائها الخاص. ولا يعني هذا الكلام أن الأعمال الروائية ليس لها من مجال للاختلاف سوى هذا الذي أشرت إليه، بل إن كل رواية تبحث عن خصوصيتها، وهو ما يعني أن كل رواية هي تجربة، والتجربة لا تتكرر في رواية أخرى. ٭ يشكو العديد من الروائيين والأدباء من تهجّم النقد وسطحيته على أعمالهم... كيف تنظر لهذا المجال «النقد» في علاقته بالرواية؟ لم يعد النقد الأدبي العربي يحفل بالمعيارية كما كان في السابق، فقد تراجع النقد التاريخي الذي ظل يحفل بإصدار الأحكام، وظهر على أنقاضه ما جاء مع المد البنيوي والبنيوية التكوينية والنقد السيميائي من اتجاه نحو الوصفية، التي لا هي نقيض للمعيارية. لذلك فتحليل الأعمال الأدبية غدا منشغلاً بأدبيتها أكثر من انشغاله، كما كان الأمر في السابق، بحياة المؤلف وعصره وبيئته ومدى ما يعكسه عمله الأدبي من كل ذلك. لهذا لم يعد الأدباء على شكاويهم القديمة من نقاد يُجرحون العمل ويجرحون صاحبه من أجل أن يمارسوا سلطة الناقد، فالسلطة اليوم أصبحت للنص وليس لغيره. ٭ كلمة أخيرة أستاذ التازي؟ أشكر جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي التي أتاحت لي المناسبة لكي أتعرف على الكثير من الأدباء والنقاد في السودان، وهم من ألفتهم وألفوني بسرعة، فأحسست بالقرب منهم، بما منحوني إياه من محبة صادقة بادلتهم إياها بمحبة أكبر. وإليهم جميعاً أتوجه بعبارات التقدير، والشعور الأخوي، والمشترك الثقافي والاجتماعي.