تحدثنا في الحلقتين السابقتين عن السودان« أرض الإيمان والحضارة» وقلنا بأن جميع أسماء الأنبياء أسماء كوشية من لدن آدم إلى موسى وشعيب وشرحنا هذه الأسماء ومدلولاتها، وقلنا إن اللغة الكوشية السودانية هي لغة قديمة تفرعت منها بقية اللغات من لغات عربية وغيرها ، وأشرنا إلى أن سكان منطقتي النيل ما هم إلا أقوام قدامى من الكوشيين الكنعانيين الياميين أجداد العرب وكذلك الحاميين ، وأن نوح كان هنا على الأرجح كما قال حسن الفاتح قريب الله وان هذا الاختلاط هو الذي خلق اللون الذهبي المميز للسودانيين في الشمال الذي أطلق عليهم صفة«نوبيين» «نوب تا» « أي» سكان جهة الذهب، وقلنا انه ليس هناك جنس يسمى نوبيين أو دنقالة وهذه صفات لمناطق وألوان بشرة وأن المحس هم على الأرجح أصل سكان السودان « النيلي» وتعني كلمة محسي« ما» « حث» أي بنو« حث» أو الإنسان من « حث» الذي خالطهم وعاشرهم وتزوج منهم سيدنا إبراهيم، وهم خليط « بين» العرب والكنعانيين وأشرنا إلى أن يام هو جد العرب، سكن منطقة قرب النيل جهات كردفان وأن الأقوام هنا في هذه المنطقة هم أقوام سيدنا« هود» وتشتتوا وفر معظمهم من هذه المنطقة بعد ذلك بل خرج الكثير من هذه المنطقة إلى مناطق أخرى في العالم بعد ما حدث لقوم هود وذهبوا إلى بقية الجزيرة العربية واليمن وغيرها، وأن الذين آمنوا مع هود هم البقايا من العرب« العاربة» الذين ما زالوا حتى اليوم يتكلمون العربية القديمة في كردفان وبعضهم انتقل إلى النيل مع ابناء عمومتهم أحفاد نوح قائلين ان أجدادهم مدفونون في « كردفان» أو « كردمان» بل هم أحفاد « إرم» جد العرب وهم ابناء« إرم مان» وليس عرمان، وقلنا ان منطقة الأحقاف« التلال الرملية» هي منطقة شمال كردفان وليس هناك منطقة ينطبق عليها لفظ الأحقاف مثل هذه المنطقة وأن أهل كردفان حتى اليوم يقولون لهذه المنطقة « دار الريح»، « وريح صرصر عاتية»، ونعود اليوم ونقول لا بد من اكتشافات أثرية حول هذه المنطقة، والغريب هناك اكتشافات كثيرة غير مهتم بها وغير معلنة في منطقة كردفان، بل لا أذهب بعيداً إن قلت ان تسمية كردفان تعني« النبي الكبير المقدس» وربما يكون إبراهيم عليه السلام أو هود أو يعقوب أو غيرهم لأن كلمة كردفان كلمة كوشية تعني « الكا» مقدس و«را» نبي و« أد» رباني و«فاء» كبير و«نا» تعني روحاني إذا كردفان هي بلاد النبي المقدس الروحاني الكبير، ولا بد أن نعرف لماذا سمي وادي الملك بوادي« الملك» وعند أهل دارفور بوادي« هور» وهو أيضاً وادي « الملك» «وهور» هي أيضاً « أور» بلغة الدناقلة وتعني« ملك». إن هناك اختلاطا كبيرا قد حدث بين أجزاء السودان وبين منطقة كردفان وشمال السودان ما زالت آثاره باقية، وهناك عدد من قبائل دارفور وجنوب كردفان يتحدثون لغة النوبيين أو الكوشيين بوضوح، ويذكر بعض أهل شمال السودان أن قرارات الحرب كانت تؤخذ بالتشاور مع رئاسة القبيلة التي توجد دائماً في منطقة « كردفان»، مثال ذلك قبيلة البديرية، وهذا الأمر يعني أن الأصل لهذه القبيلة وغيرها من القبائل الجعلية أجداد العرب هي « كردفان» وليس النيل على أرجح الفروض. إذا لا بد من قراءة جديدة لتاريخ السودان ونترك تأثيرات نعوم شقير وعبد المجيد عابدين وآخرين قليلاً ولننظر إلى تاريخنا بصورة تزيل اللبس والغموض وتفتح الأذهان للبحث العلمي والتقصي التاريخي السليم، بهدف المعرفة الإنسانية حتى لا تضيع حقوق السودان وأهله ويستفيد منها الغير ولا بد من تدوين الأحداث وعدم نسيانها وإهمالها، وعندما قلنا في المبحثين السابقين ان سيدنا إبراهيم عليه أفضل السلام« سوداني» كنعاني كوشي فإننا استلهمنا الكثير من المسائل التي تحترم العقل وتزيل الغشاوة فاسم سيدنا إبراهيم « ابرا» أو « ابرام» اسم كوشي، وتعني الكبير وإن اسم ابائه وأجداده كذلك فإبراهيم بن « تارح» أو ترح ابن « ناحور» أو ناصور بن ساروق بن أرعو هذه الاسماء كوشية وتحورت لتصبح اسماء سودانية عربية، « فتارح» و « ترح» تحولا إلى فرح وستجد هذا الاسم بكثرة في منطقة شمال السودان وكردفان وبعض مناطق دارفور، وتحول ناحور أو ناصور إلى ناصر وسنجده أيضاً اسماً في الثقافة « العربية السودانية» الكوشية، وتحول « ساروج» إلى ساروق وسروق وسرور وسورج في بعض المناطق، أما ارعو فهو ليس سوى« ارقو» هذه المنطقة شمال السودان وهي المنطقة الأصلية التي عاش فيها أجداد الخليل الذي يتكرر اسمه بكثرة في هذه المنطقة عند الحلفاويين وما جاورها من مناطق الزغاوة وغيرها، كما إن إبراهيم الذي كان عدوه الأول النمرود بن كوش، لن تكون الأحداث التي وقعت بينهما في العراق وإنما ستكون في أرض« كوش» أرض النمرود نفسه، ولم ولن يهرب إبراهيم أبو الأنبياء من رسالته ولا من شعبه المرسل إليه ليذهب إلى شعب آخر في النيل قادماً إليه من الفرات إنما ظل إبراهيم في هذا النطاق الكوشي على الدوام وذهب إلى مناطق جبل « مارا» في دارفور وغيرها أي جبل النبي« ما» انسان«ورا» نبي بدعوته، وإن اسم ابكر الموجود بكثافة في دارفور ما هو إلا اسم لسيدنا إبراهيم ويعني النبي الكبير«أ» وتعني هو و«با» كبير «كا» مقدس«را» نبي أي تعني كلمة «ابكر» النبي الكبير المقدس وهي تماثل كلمة ابكر بمنطقة البديرية في شمال السودان من ناحية المدلول، ثم تزوج إبراهيم من ثلاث زوجات من بنات النيل وسيداته بدءاً بسارة التي يعني اسمها« إسي»«را» ملكة النيل، وهاجر المحسية ثم تزوج من صفورة الحلفاوية النوبية الكنعانية وهو اسم لا زال بين الحلفاويين ولم يتزوج إبراهيم من عراقية أو شامية ولا يمنية أو غيرهم ثم أخيراً فإن إبراهيم ولد بالحلفاء السودانية وليس بالحلفاء العراقية كما قالت كتب تاريخية متوهمة. الآثاريون وجدوا في الكثير من القبور بمناطق شمال السودان عبارات«رب إبراهيم واسحق واسماعيل»الخ.. فظل يتمسك بالوحدانية بإعتباره الشمال الذي عاش فيه أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام وبعض ابنائه. إن الاكتشافات الأثرية الأخيرة التي اكتشفها عالم الآثار النمساوي شارل بونيه حول كرمة ووجود مدن حضارية قبل«2500» قبل الميلاد اكتشاف هائل وكبير، سيبرهن للمؤرخين كيف أن البعض ظلم السودان وغيب حضارته وخلط تاريخه بل «زوره» واربكه و ظل شارل بونيه لأكثر من أربعين عاماً بمنطقة كرمة ينقب ويبحث عن حلقات مفقودة في التاريخ القديم لكرمة ونبته وللحضارة المصرية والفرعونية، وقد وجدها«بونيه» الآن بل وجد خيطاً أصيلاً للتعرف على المفارقات والحقائق ووصل بوني إلى حقيقة بأن الحضارة الفرعونية ما هي إلا حضارة كوشية وسودانية، وإن الكوشيين هم الذين اكتشفوا وبنو «مسر» الأرض الطيبة قبل اكثر من 300 ألف سنة ، وهو ما ذهب إليه أيضاً الكاتب المصري« محمد كامل حتة» في كتابه« صحائف مطوية» حيث أكد أن الشعب المصري« تكون من هجرات نبوية» جاءت من جنوبالوادي« كوش»، قال حتة ان الحضارة المصرية مشتقة من الحضارة الكوشية وأن قدماء المصريين نظموا حياتهم وفقاً للثقافة الكوشية وهو ما وافقه فيه المؤرخ الأوروبي« جون ولسون» في كتابه« حاشية مصر» الذي قال فيه ان اصل الحضارة كوشي وان النوبيين شمال وجنوبالوادي ثقافتهم واحدة ولغتهم واحدة، وأن اسماء ملوك الأسر المصرية تشير إلى التأثير بالكوشيين واللغة الكوشية، كلمة« فرعون» نفسها ما هي إلا كلمة كوشية« الفاء» مثل الباء تعني الكبير و« را» تعني ملك و«أ» تعني هو و« نا» تعني المقدس، إذا فإن كلمة «فرعون» هي « فرأون» وينطقها اللسان العربي« فرعون» وحرف العين لا يوجد في النوبية الكوشية وهي تسمية كوشية وهذا يعني أننا لسنا النماردة فقط وإنما نحن أيضاً « الفراعنة» لكنه في نفس الوقت« يخلق من الفسيخ شربات» فنحن أيضاً ملوك النيل«مارا إسي» أرض المريس وأرضنا مهد الأنبياء من لدن نوح وإبراهيم وإسماعيل وموسى والخضر. إن قيام « تراكا» أو « ترهاقا» الملك النوبي الكوشي الشهير بترميم معبد الكرنك عندما غزا مصر دلالة أكيدة على أن المعبد يحتوي على آثار نوبية كوشية، فعادة الحكام الفاتحين دوماً هي « الهدم» لا « الترميم» فهو يريد أن يحافظ على إرث أجداده من لدن« أحمس» والنطق الصحيح له هو «امس» « A » « أ» تعني النفس أو الروح باللغة الكوشية و«موس» « Moss» تعني جميل أو وسيم وتعني كلمة أحمس« النفس الجميلة» أو « الوسيم». وهناك شكك كبير لدى بعض المورخين بشأن« الهكسوس» وهل هم فعلاً أناس قادمون من « أوروبا» باعتبار اوروبا في ذلك الزمان لا حضارة ولا قوة لها، وكانت جائعة ضعيفة تأكل من النيل من السودان ومن مصر نفسها والهكسوس مجرد تسمية يونانية والأرجح هم سودانيون من قبائل « البجاه» خفاف الحركة ماكرون في الكر والفر واسماء ملوكهم اسماء بيجاويه مائة المائة، مثل « نفرتتي» وهي البنت الجميلة بلغة البجاه الآن و « حبشستوت» تعني الحبشية الصغيرة، والمنطقة كان يطلق عليها الحبشة، إذاً لا بد من إعادة قراءة تاريخ مصر القديمة وتاريخ مصر في عهد الهكسوس « البجاه» على الأخص لنعرف هل هم فعلاً اوربيون أم سودانيون بجاه. إن تأثير « البجاه» في العهود القديمة على الأحداث في البطانة والنيل ووادي النيل داخل النطاق الكوشي« السوداني» تأثير كبير وهم ليس إلا من الكنعانيين الكوشيين الذين آثروا البقاء في موطنهم عندما فر البعض من الكنعانيين لسبب أو لآخر. إن الثقافة السودانية الحالية متأثرة تاثراً كبيراً بالثقافة البيجاوية الكوشية الكنعانية وإن الكلمات المستعملة في الحياة اليومية السودانية من عنقريب ومشلعيب، ومقاطع مثل دروشاب، كمالاب، نافعاب وتكل كلها مقاطع ذات تأثيرات بجاويه، إن الفن السوداني والغناء السوداني والرقص السوداني جميعه رجالاً ونساءً والعرضة والرقبة والسلم الخماسي وغيرها جاءت من هناك وما زالت رقصة الرقبة تتشابه عند البجاه وعند بقية السودانيين، وإن جميع قبائل السودان النيلية وفي البطانة اختلطت وتأثرت بالدم البجاوي الذي تأثر أيضاً بالدم العربي منذ تاريخ قديم وهناك صراعات في المنطقة كانت تحدث بين« البجاه» والنوبيين أولاد العم، وبين المصريين وتأثير هذا الأمر واضح حتى على منطقة مثل سيناء. إن تسمية النطاق الكوشي الشمالي «بمصر» لدى المورخين أحدث خللاً كبيراً وتاهت الكثير من الحقائق التاريخية بسبب أو لآخر بهذه التسمية إن «را» وتعني ملك بالكوشية ما هي إلا«رع» بالفرعونية وتعني نبي و « أحمس» ما هو إلا « أمس» وإن الهكسوس ما هم إلا بجاه شرق السودان الحالي، وأن مصر والسودان تداخلت وتشابكت بينهما الأحداث واختلطت اختلاطاً كبيراً في قديم الزمان وإن شمال السودان وجنوب مصر حقيقة تاريخية واحدة وإن الكوشيين هم بناة الحضارة السودانية المصرية القديمة وإن مصر والسودان عليهما المحافظة على هذا الكنز الإنساني الكبير بإعتبارهما أول حضارة إنسانية وإن توقيع اتفاقيات المعابر الأخير يجب أن تنطلق من هذا الإرث لتعود الفائدة للجميع خاصة في المجالات الاقتصادية والسياحية.