كتب مارتن لوثر كنج في كتابه ( قوة المحبة ) - الذي كان من أفضل الكتب مبيعاً في عام 1963 - نقول لمن أساءوا إلينا : ( سنقابل قدرتكم على تعذيبنا بقدرتنا على تحمل المعاناة وسنقابل القوة المادية بقوة النفس فأفعلوا فينا ماتريدون لكننا سنظل نحبكم ولايمكننا ان نطيع قوانينكم بضمير صالح لان عدم التعاون مع الشر ضرورة أخلاقية مثل التعاون مع الخير . ألقوا بنا في السجون ولكن سنظل نحبكم أرسلوا قواتكم إلى مجتمعنا في منتصف الليل أضربونا واتركونا بين الأحياء والاموات ولكن سنظل نحبكم كونوا متأكدين من اننا نرد عليكم بقدرتنا على تحمل الألم ففي يوم ما سنحصل على حريتنا لكن لا لأنفسنا سنحصل عليها حتى نكسبكم وستكون نصرتنا مضاعفة ). لكن هل يمكن ان يكون ماكتبه مارتن لوثر حقيقياً أن نحب أعداءنا ونغفر لهم فكثير من الناس يشعر بأن الممارسة الفعلية لمحبة الأعداء مستحيلة فيقولون : من السهل ان تحب هؤلاء الذين يحبوك ولكن كيف يمكن للمرء أن يحب هؤلاء الذين يسعون بكل عزمهم أن يهزموك ويدمروك .. فالغفران كلمة يصعب على كثير من الناس تطبيقها في واقع حياتهم خصوصاً هؤلاء ممن إكتووا بنيران الحروب ودفعوا ثمنها .. فالغفران كلمة تقع على نقيض ماجاء به المثل الصيني ( من أراد الإنتقام يجب ان يحفر قبرين ) وعنه يقول الكاتب الإنجليزي يوهان كريستوف آرنولد في كتابه (الغفران الفن المفقود ) : (جميعنا يعرف أناساً يشعرون بالمرارة وهؤلاء لديهم ذاكرة مدهشة لأدق التفاصيل وينغمس هؤلاء في الشعور بالشفقة على الذات والكراهية كما انهم يوثقون كل ظلم وقع عليهم ودائماً على إستعداد لأن يظهروا للآخرين إلى أي مدى هم متألمين وقد يبدون هادئين من الداخل لكنهم مملوئين بالكراهية من الداخل . وعادة ما يدافع هؤلاء عن شعورهم بالسخط والنقمة بإستمرار قائلين إنهم تألموا كثيراً وهذا يعفيهم بطريقة ما من حاجتهم إلى الغفران لكن هؤلاء الناس يحتاجون إلى الغفران اكثر من غيرهم فقلوبهم في بعض الأحيان تمتلئ بالضغينة لدرجة انه لم يعد لديهم قدرة على المحبة . فما معنى الغفران : إنه يتعدى العدل الإنساني إذ انه يصفح عن تلك الأمور التى لايمكن الصفح عنها أبداً هو إذاً أكبر من إلتماس الأعذار فإننا عندما نلتمس العذر للإنسان فإننا ننحي أخطاءه جانباً ولانعاقبه عليها ولكن عندما نغفر فإننا لانسامح فقط بل نسمح بتأهيل هذا الشخص الذي هوفي نظرنا المسئول عن الخطأ وقد يكون غفراننا مقبولاً احياناً لكن بمجرد ان يكون في أيدينا فإننا نطهر أنفسنا من الشعور بالكراهية ربما نظل مجروحين لكننا لن نستخدم الألم الذي نشعر به لإحداث مزيد من الألم للآخرين ) . وحتى أتعرف على المزيد حول الغفران ومحبة الأعداء توجهت إلى الكنيسة الخمسينية او كما تعرف بمركز الخرطوم المسيحي وقبل أن ألتقي بالقس سانتينو أجاك إلتقيت بربيكا بيتر ( كما عرفت نفسها ) وسألتها هل يمكن أن تحب أعداءها وتغفر لهم قالت : إنها تستطيع أن تحب أعداءها لأن تعاليم المسيح تحض على ذلك وتذهب إلى ان الكثيرين يرون في التسامح ضعفاً لكن هو عكس ذلك فالذي يستطيع ان يصفح عن الناس وخطاياهم هو الاقوى وتذهب إلى أن الإنسان إذا أراد ان يأخذ حقه بيده فسوف تكون النتائج المترتبة على ذلك هى الأكثر فداحة ويخسر بفعلها الكثير لكن إذا توجه هذا الإنسان إلى ربه وإمتثل بأمره فيما قال ( لاترد الشر بالشر ) فسيجد راحة كبيرة ويعلم ان ما سيكون عنده هو أضعاف ما سيكسبه لو اخذ حقه بيده وترى ان الإنسان يستطيع أن يصبر على أذى عدوه بما لديه من إيمان بان العدالة هي الأصل وان أى إنسان يمكن ان يتحصل على حقه مهما طال الزمن وتذهب إلى أن الإنسان إذا صار ضعيفاً امام مشكلته يجب أن يتوجه إلى الله بالصلاة والدعاء حتى يزيح الضغائن عن نفسه تجاه الآخرين وستكون النتيجة سلاماً وطمأنينه . توجهت إلى آخر (فضل حجب إسمه ) فأجاب قائلاً: المحبة الحقيقية هي التى نظهرها للأعداء قبل الأحباء فالكتاب المقدس يقول بمعناه : ( مانخلي الشر يغلب علينا لكن نغلب الشر بالخير ) ويذهب إلى أن هذا سيكون له أثر كبير على الأعداء وسيظهر هذا الأثر ولو على المدى البعيد ويجب كما قال : ان لانتوقف لحظة واحدة من إظهار محبتنا لعدونا ولو لطمنا على خدنا الأيمن يجب ان ندير له خدنا الأيسر ويضيف : الكثيرون يرون في ذلك ضعفاً لكن الشخص الذي يؤسس فعله على مبدأ لايلتفت لحديث الناس ويشير إلى أن الغفران لاحدود له حتى ولو اخطأ أخي في حقي سبعين مره ويقول : ( ان المسيح يرى في الشخص الذي يلتزم بكلامه انه مثل الحكيم الذي يبني بيته من الصخر فلايتأثر بمطر أو سيل ) ويفسر كلامه بان تعاليم المسيح تجعل الإنسان يحيا بالروح لا بالجسد لان الجسد به ضعف لكن الروح إذا تشربت بالتعاليم وتمكنت من الجسد فتلك قوة الإيمان . وتتفق معلمة مدارس الاحد مارثا بيتر : ( تعاليمنا بتقول لينا لو الزول زعلان من زول ما تغرب الشمس عليهو قبل ما يتصالح معاه لانو صلاتو مابتمشي فالمسيح نفسه بذل روحه تكفيراً لخطايانا ) وتذهب إلى ان الغفران يقوى علاقة الإنسان بربه وفي النهاية يحصد كل الخير وتشير إلى ان الشخص الذي لايستطيع ان يغفر اويسامح مصاب عقدة نفسية وغير واعٍ بتعاليم المسيح فالآيه تقول : ( أغفروا للناس زلاتهم كما أغفر لكم زلاتكم ) فهذه الآيه إذا فهمها أى شخص يستطيع ان يسامح الآخرين بكل سهولة ويسر وتذهب إلى أن المسيح سامح من قتلوه فكيف لايطلب ان نسامح الآخرين ( صلوا لاجل الذين يسيئون إليكم ) . ولايختلف حديث القس سانتينو أجاك بالكنيسة الخمسينية (كي.سي.سي) عن ماذهب إليه السابقين لكنه زاد الامر توضيحاً حين قال : نعم يرى الكثير من الناس في محبة الأعداء مجرد كلام لايمكن ان يكون في الواقع لكن أقول هذا الامر لايتضح للكثيرين لانه أمر يتعلق بدواخل الإنسان وهو امر في غاية الصعوبة فالعدو يكون قد ألحق بك ضرراً فادحاً بنفسك او بأسرتك فمن الصعب أن نحبه ويذهب إلى أن محبة العدو لايمكن أن تتم دون ان يسبقها غفران والذي يشمل نوعين : الأول يكون في أشياء في مقدورنا ان نغفر فيها والثاني في أشياء تحتاج لنعمة إلهيه حتى يتم الغفران ويذهب إلى ما يخص وضعنا الحالي في السودان إلى القول : ان السودانيين سواء في الشمال او الجنوب كثيرون منهم مظلومين ومجروحين من الداخل فهنالك الكثير من الأسر شردت وقتل بعض من أفرادها وهنالك من شاهد بعضاً منهم يموت امام عينه هذه الأشياء تجعل الكثير من الناس لايستطيعون الغفران والمحبة دون الإلتزام بالتعاليم التي تقول : ( أحبوا أعداءكم وباركوا لاعينكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ) ويذهب إلى أن إظهار المحبة يحتاج إلى جانب عملي فمثلاً أبناء الجنوب إذا أرادوا ان يظهروا محبتهم للشماليين هنالك طرق كثيرة مثلاً إذا تشاجر إثنان يجب ان لايتفرج عليهم وكان الأمر لايعنيه بل يتدخل ويصلح بينهم حتى يحسوا انك جزء منهم ويشير إلى أن هنالك الكثير من الأساليب العملية البسيطة التى توضح محبتنا للآخر وفيما يخص الإعتراف بالخطأ يقول اجاك : ان منهجهم في الكنيسة الخمسينية في الإعتراف لايقتضي وسيطاً بين الشخص وربه فالشخص يعترف في منهجهم إلى الله مباشرة وهذا يعني انه أبرم إتفاقاً معه على أنه خالف تعاليمه ويضيف ان الإعتراف بدون أساس ( دم المسيح ) لايؤتي أكله ويفسر دم المسيح بانه مثل الفداء في الإسلام ( وفديناه بذبح سمين ) ويشير إلى أن الخطأ في منهجهم خطأين خطأ في جانب الخلق وهذا يغتفر أما الخطأ إلى الله بمخالفة تعاليمه فهو يحتاج إلى فداء لأن المسيح دفع ثمن كل الاخطاء بتحمل الآلام الصليب ويشير إلى أن الإنسان حتى لو لم يخطئ في حق الآخر يجب أن يبادر لمن اخطأ إليه ويعاتبه ويتسامحه حتى يعم السلام وهذا في رأيه يحتاج إلى نعمة من الله ترسي سلاماً في الدواخل يزيل الضغائن من النفوس حتى يعبد الله كما ينبغي لأن الرد على الكراهية بالكراهية يضاعف منها والقسوة تأتي بمزيد من القسوة في سلسلة الدمار لكن المحبة هي القوة الوحيدة القادرة على تحويل العدو إلى صديق فلايمكن ان نتخلص من أعدائنا عندما نقابل كراهيتهم بكراهية ولكننا نتخلص من العدو بالتخلص من العداوة فالكراهية بطبيعتها تدمر والمحبة بطبيعتها تبني .