عند المقدرة: إن الحب عند المقدرة، والقادرون فقط هم الذين يحبون، وإذا كانت هناك كراهية، فهل تعالج الكراهية بالكراهية؟ ألا يدخل هذا الأمر الإنسان في دائرة كريهة؟ إن الكراهية لا علاج لها سوى المحبة، المحبة فقط هي التي تنقذ الإنسان من السقوط في هوة الكراهية؟ وهذا طبعاً أمر مثالي ولكن نعلم جميعاً أن الله محبة، ونعلم أيضاً أن المحبة لا تسقط أبداً، وأن المحبة تتأتي وترفق، وتصَّدق كل شيء، وتصبر على كل شيء، والمحبة قادرة جداً على تغيير الإنسان، وعلى تغيير نمط الحياة إلى نمط جديد يتسم بالجمال الجميل، والمحبة التي تكبر مع الأيام، والسيول لا تغمرها، مياه كثيرة لا تطفئ جزوتها. وهناك قصة كراهية حدثت في بيت طيب عظيم، وكأن الحدث يطالبه أن يكره من تسبب في هذا الحدث، ففي شهر يناير 2009م، قصفت الدبابات الإسرائيلية منزل الطيب عز الدين أبو العيس بقطاع غزة، وقتلوا أربع بنات، ثلاث بناته والرابعة إبنة أخيه كانت تقضي اليوم رابعة لبناته الثلاث، وهذا الطبيب رأي بأم عينيه دماء البنات الجميلات تنسكب على الأرض، وعاينهن وهن يفارقن الحياة، ولم يتمكن من إنقاذهن، ولكن هذا الطبيب حارب فكرة الإنتقام في داخله، وجعل من التسامح أساساً لرسالته، ودعوته لشعوب المنطقة للإلتقاء تحت مظلة التفاهم والإحترام والحب. وبدأ هذا الرجل يكتب قصته في كتاب عنوانه: "لن أكره!!" كان هذا قراراً قوياً من رجل قوي، رفض أن يضيع حياته كارهاً للناس، حتى بعد أن ذاق منهم مرارات الألم، ولهذا قال من قلبه: لن أكره.. ولن أكره كتاب جديد صدر عن دار بلومزيري من مؤسسة قطر، وكتب عنه علي النويشي في ملحق الدوحة، مايو 2012م قائلاً: إنطلق الدكتور أبو العيس من هذا الحادث الأليم المروع، متخطياً كل الآلام النفسية التي تفصل ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إنه طبيب يعالج ويستأصل الأورام، وقد جعل من قلمه مبضعاً يستأصل الأحقاد، ولأنه طبيب يعالج العقم ويزرع النماء في أرحام الأمهات، ملأ قلبه بالخير لكل الناس الفلسطينيين والإسرائيليين، معاً، وجعل من قلمه وسيلة لزرع الأمل والحب في القلوب، متمنياً أن تكون بناته هن آخر الضحايا على طريق السلام، وكأنه من يلقب بخاتم الشهداء في الكنيسة القبطية، والذي رأى شعبه يقتل، يسفك دمه، ويصرع ميتاً بعد العذابات القاسية، وجاء دوره هو لكي يكون شهيداً مع الشهداء، فصلي من أجل هؤلاء الذين إضطهدوه، وطلب لهم الهداية والخير وخرج من الكنيسة من باب خلفي وطلب من السياف أن يقطع رأسه بعيداً عن الناس حتى لا تشتعل ثورة الناس، وصلى قبل السيف طالباً من الله أن يكون آخر شهيد في عصره، وسمع صوتاً يقول آمين، ومعه سمع الصوت آخرون، وكان هذا يعني قبول السماء لشهادته، وفعلاً كان هو خاتم الشهداء في عصره، وقد لبى نداء الإستشهاد وقلبه نقي طاهر من ناحية مضطهديه، وكأنه يقول لن أكره بل سوف أحب وأحب حتي النفس الأخير. كتاب الحب: لقد أحب هذا الطبيب بناته حباً شديداً، وكان تقديره للمرأة إحتراماً وإكراماً، وكان إيمانه أن الثأر والإنتقام ثمارهما مرة، وأن بذور الحوار والسلام والحب هي لكل الناس، بل هي جنة الدنيا، ونال كتاب "لن أكره!!" تقديراً عالياً، علق عليه الرئيس الأمريكي جيمي كارتر قائلاً: يضرب أبو العيس في هذا الكتاب مثلاً رائعاً للعفو والمصالحة، ويوضح أساساً روحياً دائماً في الأراضي المقدسة. وقال عنه الأديب "إيلي ويزل" صاحب نوبل للسلام إن سيرة أبو العيس درس ضروري ضد الكراهية والإنتقام، ووصفته مجلة يلشرز الأسبوعية بأنه: عمل لا ينسى مشوب بالعاطفة، يكشف لنا عن أن الغضب شيء، والكراهية شيء آخر. أما الأديب أمين معلوف فوصف الكتاب قائلاً: يجعلنا نتأمل شراسة العالم، إلا أنه يرينا في الوقت نفسه لمحة لما هو أثمن شيء في الإنسانية وهو شعلة "الأمل المرتعشة" وإن في إعتقادي أن هذا الأمل ليس مرتعشاً إنما أملاً قوياً في تغيير الغير، وفي تحويل الحقد إلى محبة والكراهية إلى سلام، بل إنه ترجمة فورية لتعاليم السيد المسيح والذي قال، وكان قوله بغير ما قال غيره: «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ \لَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ \لَّذِي فِي \لسَّمَاوَاتِ فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى \لأَشْرَارِ وَ\لصَّالِحِينَ وَيُمْطِرُ عَلَى \لأَبْرَارِ وَ\لظَّالِمِينَ. لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ \لَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ \لْعَشَّارُونَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ فَأَيَّ فَضْلٍ تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ \لْعَشَّارُونَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ هَكَذَا؟ فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ \لَّذِي فِي \لسَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ.(متي5: 43-48). ولقد قرأت كثيراً عن هذا في أدب الشهداء الذين لم يحقدوا على من عذبهم، ولم يكرهوا أولئك الذين إخترعوا آلات التعذيب، ونفذوا فيهم السحل والضرب والقطع والحرق، إنما ركعوا أمام الله يصلون من أجل توبة الجلادين والحكام العتاة الذين كانوا يتلذذون بتعذيبهم، وكانت النتيجة حاسمة عندما تاب بعض هؤلاء. وصل كتاب لن أكره إلى قائمة أعلى الكتب مبيعاً في كندا، وبيعت حقوق ترجمته إلى الفرنسية، والألمانية والأسبانية والإيطالية والبرتغالية، والتركية والأندونيسية، وهكذا أيضاً سوف يترجم إلى العبرية، ويقرأه اليهود، ويكون دافعاً لإقامة سلام دائم في بلاد الحرب وشراسة الكراهية، والكاتب على رأس المرشحين في قائمة جائزة نوبل، والمحبة لا تسقط أبداً. هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته