* السموأل خلف الله ... الفنان المسكون بالثقافة ، المطبوع بحب ثَقُفَ يَثقُفُ ، العامل على أن تقود هى - الثقافة - الحياة ... فأيده بعض الناس . ولم يستمع إليه كثيرون . وسخر منه من سخر ... هكذا أصحاب الرؤى والرسالات .. ولا غرابة أو عجب ! * فقد صرّح السموأل ، وزير الثقافة حينذاك ، وهو يشاهد فرقة الوازا ، تقدم فقرتها بقاعة الصداقة ، ضمن عرض ولاية النيل الأزرق فنونها الثقافية بقاعة الصداقة بالخرطوم فى إحدى ( ليالى السودان الثقافية ) . تلك الملحمة الفنية الوطنية ، التى جمعت ثقافات السودان قاطبة ، وقدمتها عبر القنوات الفضائية ، فيرى أهل الأرض ويسمعوا ما بهرهم وشدهم إلى شاشات التلفزة ، فبدأوا التساؤل ، ماهذا ؟ ومن هؤلاء ؟ وأين كانوا قبل هذا ؟ و... كيف الوصول إليهم ؟ * تصريح الوزير كان : ( سنقيم مهرجانا عالميا للموسيقى السودانية نهاية العام ، نقدم عند افتتاحه لوحة كاملة لفرقة الوازا تضم أكثر من ستين مشاركاً ) إلا أن فكرة الوزير لم يكتب لها التنفيذ . بيد أنه تحدث حديث العارف عن تلك الآلة وقدراتها الفنية ، وتأثيرها على مجتمعها ، قديماً وحديثاً وإمكانية تطويرها ... * إستدعى كل ما قدمت ، ما كتبته صحيفة ( الصحافة ) بتاريخ 11/3/2013م بالعدد رقم (7042) الذى حمل العنوان أعلاه ... ثم عدت بعيداً إلى الوراء حينما وصلت إلىّ تسمية القطعة العاشرة والأخيرة ، التى تسمى ( أفى قوندى) وتعنى المغنية ذات الصوت الجميل ، أو الراقصة الجميلة التى تغنى وترقص فى آن واحد ! * عدت ، القهقرى إلى صيف العام 1976م حيث كنت ضمن بعثة عسكرية مشاركة فى مهرجان الرماية العالمية ( IST) فى مدينة ( تون ) السويسرية . وكان ضمن برنامج التعرف على المنطقة الجميلة ، الصعود إلى نقطة فى جبال الألب تقع دون القمة ، ولكنها مغطاة بالجليد تماماً ، تم إعدادها لتستضيف السواح ليقضوا بعض الوقت داخل كهوف منحوتة فى جبال الثلج ومهيأة بصورة لا تخلو من الإبهار ... فكل شئ عبارة عن ألواح ثلج مغطاة بفراء أو طبقات خشبية خفيفة ، لكن الذى أدهشنى أكثر من غيره ( الفرقة الموسيقية ) فقد كانت مجموعة كبيرة من آلات الوازا مختلفة الأحجام والأطوال ، تعزف ألحاناً حلوة جاذبة ... وأجبرت كل الحضور على الرقص أو التجاوب معها أو الإصغاء العميق إن لم يصل إلى الميل يمنة ويسرى مع اللحن العميق ... وكانت هناك مغنية طغى صوت الآلات على صوتها ، ولكنها استمرت تغنى وترقص متنقلة بين الحضور ... فسعدت مرتين : الاولى : لأن الآلة سودانية تعود إلى البرتا فى جبال الصعيد والثانية : لأنها أطربت وأشجت وأرقصت أهل سويسرا ... أرقى أهل العالم المتحضر . * سعادتى لم تكتمل ... فقد فاجأني أحدهم بتصرف ذهب بحالة السعادة والإبهار التى غمرتنى. فقد أخطرت المرافق أن هذه الآلة موجودة عندنا فى جنوب النيل الأزرق . فجفل !! وأنكر علىّ أن أَصَرّح بذلك . فأوقف العزف الجميل ، وأعلن للمجموعة عن ما قلت ، مستنكراً ومؤكداً أن هذه الآلة غير معروفة الإ فى هذا الموقع . ويسعى الناس إليها هنا من أطراف الدنيا ... يصنعها أصحاب الجبل المعروف بإسم ( يونق فراو يوخ ) ولهم حق إبقاء تلك الآلة هناك فقط وهى سبب وأداة رزقهم مع قليل من المصنوعات الصغيرة السياحية ... هى ملكية فكرية إذَن ! * أثارنى إستنكاره . فأصررت على أن قبائل ( البرتا ) السودانية / الأثيوبية هم أهلها ... وأمعنت فى التدليل على ما أقول بأن التاريخ يقول ( إن الحروب التى دارت منذ أربعمائة عام فى تلك المنطقة لم يُعرَف أنها دارت على أو حول هضبة ( يونق فراو يوخ ) التى لم تكن فيها حياة أصلاً ... وأن بحيرة ( تون TUNE ) كانت متجمدة لنصف العام . وأن الحياة فى جبال الألب جميعاً كانت محصورة فى مناطق السهول والوديان على سفح الهضبة ... وأضفت ( حتى الخشب المصنوعة منه من أخشاب الغابة السوداء فى المانيا ) ! * الحميّة وحدها دفعتنى إلى الإمعان فى مخالفة الرجل المكابر ، لأعلن أن حياة الانسان على الأرض بدأت فى الشرق الأوسط حيث نزل أبونا آدم وأن أبناءه إنتشروا بعد ذلك فى الأرض ... و... * هنا تدخل أحدهم ، لينهى الجدل الذى إتخذ منحى آخر ... ولكنه بُهِتَ حين فتحتُ حقيبة صغيرة وأخرجتُ منها بطاقات بريدية عديدة ، بضمنها بطاقة تحمل صورة ( الوازا ) وخلفها رجل أسمر منتفخ الأوداج ينفخ فى آلة شبيهة ، غير أنه ينقصها التشذيب والألوان ، التى إتصفت بها ( الوازا ) السويسرية ... وسلّمتها له ... وتأملها ... و بُهِتَ الذى أنكر ما قلت . وتناقلتها الأيدى واحدةً بعد أخرى ، دون تعليق . لكن الإستغراب كان باد على الوجوه ، وسؤال يدور دون أن تنبث به شفة ، يدركه المرء ... وهو : ( كيف لهذا الأسود الذى يشبه الغوريلا ، أن يصنع ويعزف تلك الآلة التى هى ملك خاص لأهل ( يونق فراو يوخ ) ... * سؤال لايمكن لأى من الحضور أن يجيب عليه !! * ومع هذا تبقى ( الوازا ) أداة تنثر الفرح فى السودان وفى أى مكان !! لا يدعى أصحابها ملكيتهم الفكرية لها ... ويسعدون إن رأوها تنثر الفرح حيث حلت ... * والي النيل الازرق