اخي الاكبر ابراهيم لا مانع لديه من ان تمتد يداي الصغيرتان للعبث ببعض متعلقاته الشخصية ومنها كراساته المميزة ذات الخط الجميل هو من معلمي ذلك الزمن الجميل عثرت علي نسخة من رواية موسم الهجرة الي الشمال علي المنضدة الصغيرة التي تفصل بين سريرينا تحت كوخنا الصغير الدافئ عند اطراف الدكة الوادعة دخلت عالم الطيب صالح ومصطفى سعيد قبل ان اتعرف على اولاد كباشي واحداث القرية و حضور مهرجانات المدرسة القديمة فنحن اولاد القيزان البعيدة والقري الصغيرة يبهرنا البندر ويكهربنا نعود لاهلنا في عطلاتنا الصيفية لنحكي الدهشة ليعيشوا هم بقية العام مندهشين الي ان نعود لهم العام القادم باخر انتاج البندر مثلما يفعل اديبنا الطيب ببساطته التي تجذب القارئ البسيط الذي يخيل اليه انه هو من يتحدث عنه الراوي, كثيرون في الدكة هم واولاد كباشي حالة واحدة ومنهم من زعم انه مصطفى سعيد، عالم السرد عالم جميل تفسده محاولات اهل المنطق . شكرا لشركة زين فقد عشنا معها ايام الطيب صالح عبر الجائزة وفعالياتها للدورة الثالثة التي تميزت هذا العام بمشاركة اسماء لامعة، عبدالله ابراهيم من العراق واسماء معيكل ونبيل سليمان من سوريا وجاء رشاد ابوشاور من فلسطين. اما من دولة جنوب السودان النصف الاخر فقد جاء الدكتور شول دينق في افادات مميزة قدم بعضا من تجربته الطويلة عبر محطات ومنعرجات كثيرة بطريقة شيقة و بلغة رفيعة رغم ضيق الزمن كان الحضور يريد منه ان يسترسل وكانوا يقاطعونه بالتصفيق والاعجاب هو ينحدر من عشيرة اجانق التمساح كما ذكر لذلك لا يأكلون لحم التماسيح كما هي الاساطير الافريقية هاجر الي الشمال مبكرا درس في مدارس العباسية والاتحاد والخرطومجنوب والمقرن تذوق اللغة والشعر والادب حب اساتذته هاشم وابوعبيدة واسماعيل غرسوا فيه حب اللغة العربية اعجب برواية موسم الهجرة الي الشمال مبكرا لعب البلي مع اولاد الخرطوم وحضر افلام جنوار المثيرة للخيال والجمال شارك مع الطلاب في كل الانشطة حدث له تحول وتراكم اهله لدخول عوالم الثقافة والصحافة والابداع هو صاحب تجربة ثرة وفريدة. لم يخطر بباله يوم ان هنالك موسم هجرة اخر هو موسم الهجرة الى الجنوب قالها بحسرة عندما قال نحن اليوم في موسم الهجرة الى الجنوب هي هجرة حقيقية وليست في خيال الراوي هجرة غير طوعية كما يقولون. عاد الطيب صالح لاهله ليقول : (عدت الي اهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة كنت خلالها اتعلم في اوروبا تعلمت الكثير وغاب عني الكثير ). تري ماذا يقول شول دينق لاهله في رواية موسم الهجرة الي الجنوب يقول: عدت يا اهلي من الشمال بعد غيبة تعلمت فيها اللغة العربية تفننت في ضروبها حتي انني اليوم اروي لكم بلسان عربي مبين تعلمت لعب البلي رددت اغاني وردي وحفظت نشيد منقو زمبيري وجوبا مالك علي وصدقت كلام الريدة وها انا اعود اليكم بعد ان سحبوا جنسيتي فقدت هويتي بعد ان مازجت بين ثقافتين لم تفصل بينها حدود متوهمة في الاذهان يكذبها واقع علي الارض هي نقاط سوداء متقطعة وسط نقاط بيضاء، احفورة بذيئة هي الحدود تتلوي مثل شيطان جميل ساحر يمد لسانه ساخرا من غوغل ايرث ويضرم النار يولعها في السهول والوديان والتلال وفي الامكنة المستوية من كفن دبي الي كفيا قانجي مرورا بسفاهة وسماحة الي بحر ابيض حدود غاية في الوقاحة انها اقرب الي العورة هذه الحدود لا تشبه بلدينا. من اين اتي هؤلاء يريدون لنا مائة عام من الحرب بين الشمال والجنوب يقولون ترسيم الحدود اولا ثم مصالح الناس ثانيا هؤلاء يريدون خنق الشعبين هؤلاء يا شول لم يقرأوا اخبار البنت مياكايا ولم يشهدوا زواج غانم العربي من ماياكايا بنت رث الشلك او الشولو. بسبب الحدود الحياة صارت قاتمة من البلقان اسيا الوسطي القوقاز القرن الافريقي وصولا الي بلجيكا الهادئة الي لبنان الي اسرائيل نزاعات الحدود افنت العالم حدود الدول حدود المحليات حدود القبائل شكرا لزين التي تجاوزت الحدود الجغرافية لتقول لنا لا توجد حدود ثقافية لان الثقافات لا ترسم في خطوط متقطعة، واذا كان تعريف الشعب بانهم مجموعة من السكان لها حدود من جهة وقصاصون روائيون من جهة ثانية كما يقول ريجس دوبريه (في مديح الحدود) فالجنوب شعب صارت له حدود اليوم ولكن بلا روائيين يظل الطيب صالح وشول دينق روائيي الشمال والجنوب بلاحدود . موسم الهجرة الي الجنوب رواية أبطالها شعبان تفصل ببينهما حدود وهمية تفتح وتغلق مثل الرئتين ذات اتجاهين تشهد علي وجود الاخر واقعا وفعلا تسمح بالذهاب والاياب فالبلد كالفرد كلاهما يموت بطريقتين اما عبر الاختناق والتعرض لتيارات الهواء السامة و اما عن طريق الحبس فلماذا لا تنفتح عقول الساسة في الشمال والجنوب لتترك الشعوب تتنفس وتعيش لتروي كما قال ماركيز صاحب مائة عام من العزلة.؟