بعينين جميلتين خرجتا للتعرف على القادم الذي طرق الباب قبيل حلول المغيب، سبقتا ابيهما لترحبا بالزوار كما علمهما.. لم يكن طارق الباب ضيوفا ينشدون مبيتاً، وانما صحافيون يتقصون حال المنشآت التي شيدها صندوق بناء وتعمير الشرق في قرية «مأروب» بمحلية حلايب.. وظن الجميع ان خروج الرجل وبنتيه يعني وجود خفير يحرس المركز الصحي الذي قصدوه او انه تلقي العلاج، وقبل ان نسأل الرجل الخمسيني عن خدمات المركز الصحي، اجاب الرجل باريحية تامة كاشفاً عن انه ليس حارس المكان ولم يأت لتلقي العلاج.. وتحسس الرجل ذقنه قبل ان يواصل حديثه: «لقد وجدت المكان خالياً وسكنت فيه».. لافتاً الى انه يسكن في المركز الصحي منذ عامين.. وتمتم بكلمات غير مفهومة واشار الى ان المركز الصحي لا يعمل، مبيناً ان المساعد الطبي هجر المكان نتيجة عدم توفر المعدات الطبية والادوية، وابدى الرجل شجاعة نادرة عندما قال: «تأكدوا تماماً انني ساغادر المركز الطبي عند وصول الساعد الطبي».. غادرنا المكان وعلامات التعجب والدهشة تتملكنا والاسئلة الحائرة تجول في خواطرنا، واسترجعنا شريط زيارتنا للمرافق الصحية بولاية البحر الاحمر التي شيدها صندوق اعمار الشرق ووجدنا ان 95% غير مستفاد منها ومغلقة الابواب، وسألنا ما هي الاسباب التي حرمت المواطن وحالت بينه وبين الاستفادة من هذه المرافق الصحية. مشروعات وقبل معرفة الأسباب التي حالت دون استفادة المواطن من المرافق التي قام بتشييدها صندوق اعادة بناء وتنمية الشرق، نستعرض مشروعاته التي قام بتنفيذها في ولاية البحر الاحمر، حيث بلغت في محلية هيا «15» مشروعاً، منها عشرة في محور التعليم واربعة في الصحة، وقام الصندوق بتوريد وتشييد شبكة كهرباء هيا، اما محلية سنكات فقد حظيت باربعة مشروعات فقط وهي مدارس بمناطق هليلياب، تنقلاي، تموساي وبهروتي، وفي محلية حلايب تم تنفيذ خمسة مشروعات منها تأهيل مدرستين وانشاء مركز ووحدتين صحيتين، وفي محلية سواكن تم تنفيذ سبعة مشروعات منها أربع مدارس وهي الرشايدة، المهندسون، الشجرة وتوبين، وحظيت محلية طوكر بتسعة مشروعات خمسة منها في محور التعليم واثنان في الصحة، وبلغت المشروعات التي تم تنفيذها بمحلية دورديب تسعة مشروعات منها ثلاثة مرافق صحية، أما في محلية عقيق فقد بلغت المرافق والمشروعات التي قام الصندوق بتنفيذها أحد عشر مشروعاً، منها خمسة مرافق صحية، وتم تنفيذ سبعة مشروعات بمحلية بورتسودان، و «12» مشروعاً بجبيت المعادن، ومثلها بمحلية القنب والاوليب، ومن المنحة الكويتية يجري تنفيذ تسعة مشروعات بعدد من محليات الولاية. مرافق خارج الخدمة في عدد من ولايات السودان خاصة دارفور وكردفان يشكو المواطنون من عدم اهتمام حكومات ولاياتهم بمحور الصحة، حيث تنحصر المستشفيات التي تقدم خدمات طبية جيدة في حواضر الولايات والمحليات، اما في الوحدات الادارية والقرى الكبرى فلا توجد وحدات ومرافق صحية، وفي ولاية البحر الاحمر تبدو الصورية مقلوبة، ففي الوقت الذي يعاني فيه المواطن من المرض بداعي الفقر انشأ صندوق اعمار الشرق «32» مرفقاً صحياً، إلا أن المفارقة تكمن في عدم الاستفادة الكاملة من هذا الوحدات الصحية والمراكز، ومن خلال الجولة التي قامت بها «الصحافة» بالولاية وقفت على واقع الوحدات والمرافق الصحية، ووجدت ان 95% منها غير مستفاد منها، بمعني انها ظلت مغلقة الابواب منذ ان تم تشييدها بواسطة الصندوق وتسليمها لحكومة الولاية ممثلة في المحليات ووزراة الصحة، وذلك منذ عام 2008م، علماً بأنها مرافق شيدت على طراز حديث وفي مواقع جيدة. ومن خلال الجولة وقفنا على اوضاع المرافق الصحية، ففي محلية سواكن توجد وحدة صحية سواكن وبها معاون صحي فقط، فالعنبر والمعمل والصيدلية لا توجد بها اثاثات واجهزة، اما وحدة المشيل الصحية فمتوقفة ايضا عن تقديم الخدمات لانه لا يوجد بها شيء سوي المبنى واللافتة، اما بمحلية عقيق فوحدة بعيدب الصحية مغلقة، ودرهيب بها معاون صحي وتربيزة وكرسي وستارة وثلاثة سراير بالعنبر فقط، اما مركز صحي عدوبنا فيبدو احسن حالاً فهو يعمل ولكنه لا يعمل بمعنى ان به مساعداً طبياً ومعاوناً صحياً وثلاثة كراسي بالية، والمعمل مستغل للتغذية، اما الصيدلية فخاوية على عروشها وكذا العنبر، وبمحلية طوكر توجد وحدة صحية بقرية ادوان بها مساعد طبي فقط، ولا توجد اثاثات واجهزة طبية ودواء، ولسوء حظنا لم نجده لأننا كنا نود سؤاله عن الكيفية التي يعمل بها في ظل الظروف التي وجدنا عليها الوحدة الصحية، وبمنطقة ورم الوحدة الصحية مغلقة تماماً ولم يستفد منها منذ تشييدها، اما بمحلية دورديب فيوجد معاون صحي والمعمل تم استغلاله لمكافحة الدرن والايدز، ولا يختلف الوضع بوحدة اندريف الصحية عن سابقه، والمركز الوحيد الذي يقدم خدمات متكامة يقع داخل مدينة بورتسودان وهو مركز صحي هدل، وفي محلية حلايب وجدنا ان الوحدات الصحية بفودوكوان ومأروب وقباتيت وهيبوكوان مغلقة الابواب منذ ان تم تشييدها، والواقع في محلية القنب والاوليب لا يختلف عن المحليات الاخرى، فالوحدات الصحية بمناطق امور تدرباي، كرو بديت، سوتاي واستراحتي الكوادر النسائية والرجالية بكلكوي مغلقة تماماً، وهي مجرد مبانٍ ينظر اليها الموطنون بحسرة وذلك لعدم استفادتهم منها، اما مركز صحي اربعات فيوجد به ثلاثة معاونين الا ان المعمل والصيدلية والعنبر لا توجد بها اجهزة طبية واثاثات، وفي محلية القنب ايضا يوجد مركز آخر مغلق وغير مستفاد منه ويقع بمنطقة تهيم كونيت، وكذلك الوحدة الصحية بكرباسيت مغلقة، وذات الواقع بمراكز كلكوي بالقنب وتوبجاي بهيا وابراهيب واركاي والوحدة الصحية بجبيت المعادن. حسرة وبصفة عامة لم يستفد المواطن وطوال السنوات الخمس الماضية من المرافق الصحية التي قام بتشييدها صندوق اعمار الشرق بولاية البحر الاحمر، ولعل حسرة المواطنين على هذا الواقع جسدها مواطن التقيناه بمنطقة ادوان بطوكر، وذلك حينما اشار إلى عدم استفادتهم من المركز، وقال الخمسيني احمد: عندما بدأت عمليات تشييد هذا المرفق غمرتنا السعادة، وذلك من واقع المعاناة التي ظللنا نتكبدها في تلقي العلاج بطوكر التي تبعد عنا اكثر من ثلاث ساعات، ونسير في طرق وعرة وتتقطع بنا السبل في فصل الخريف، ويموت الكثيرون خاصة النساء بداعي عدم وجود مرفق صحي بالقرية والمناطق القريبة، لذلك استبشرنا خيراً وأشدنا بصندوق الاعمار، وكنا نتابع مراحل التشييد يومياً الى ان تم الانتهاء منه، ولكن للاسف بعد ان تم افتتاحه اصبنا بخيبة امل لأنه تم تعيين مساعد طبي دون ان يوفروا له المعينات اللازمة لاداء عمله في معالجة مرضى المنطقة، فالوحدة الصحية ليست بها اثاثات ولا معدات طبية والمعمل لا يعمل وكذا الصيدلية. اما بمنطقة قباتيت بمحلية حلايب التي زرنا وحدتها الصحية، فقد وجدنا ان «الطبلة» التي قفل بها الباب الخارجي قد تآكلت بفعل الصدأ وفعل الزمن فعلته فيها، فالوحدة الصحية التي تم تشيدها قبل خمس سنوات ظلت مغلقة رغم تعلق قلوب السكان بها، واشار الينا شاب يدعى حامد بأن الوحدة لا تعمل، وقال انهم يواجهون معاناة حقيقية في العلاج واردف قائلاً: توجد وحدة صحية ولكن مغلقة، فماذا يعني ذلك، ومن المسؤول عن هذا التقصير، حكومة الولاية ام صندوق الاعمار؟، رلا نريد اجابات فكل ما نطلبه ان نستفيد من هذه المرافق فمن حقنا بوصفنا مواطنين ان توفر لنا الدولة الخدمات. من المسوؤل؟ صندوق إعمار وتنمية الشرق قام بتشييد هذه المرافق، ووصلت مشروعاته بالولايات الثلاث حتى العام الماضي إلى «598» مشروعاً خدمياً، الا ان المرافق الصحية بولاية البحر الاحمر التي شيدها كما اشرنا سابقاً على طراز حديث لم يستفد منها المواطن، وظلت مباني بلا معانٍ، وهذا ما التفت اليه مجلس الوزراء الاتحادي في احدى جلساته حينما تساءل عن الاسباب التي تقف وراء عدم تقديم هذه المرافق خدماتها للمواطنين الذين يبدون في امس الحاجة اليها، ويتساءل المواطنون عن المسؤول، هل هو الصندوق الذي قام بتشييدها ثم ادار ظهره لها، ام انه اختار مواقع غير مأهولة بالسكان، ام حكومات الولايات هي التي فشلت في استغلال المرافق وتسخيرها لصالح مواطنيها خاصة في ولاية البحر الاحمر التي حظيت باثنين وثلاثين مرفقاً صحياً. طرحنا الاسئلة عاليه على نائب المدير التنفيذي لصندوق إعمار وتنمية الشرق المهندس نافع ابراهيم نافع الذي اكد ان مهمة الصندوق تنتهي بتشييد المرافق وتسليمها لحكومات الولايات بالشرق، مشيراً الى أن دور الصندوق ينحصر في هذا الجانب ولا تقع عليه مسؤولية تشغيل المرافق، كاشفاً عن ان الصندوق عرض من قبل علي حكومات الولايات تأسيس المرافق الا انها اوضحت عدم تنسيقها مع وزارة الصحة الاتحادية لتجهيز المرافق الصحية، وقال إن هذه القضية اثيرت من قبل في مجلس الوزراء الاتحادي، واردف: الصندوق حينما وجد ان هذه المرافق غير مستغلة ولم يستفد منها المواطن قرر ان يقوم يتأسيسها وتجهيزها، وفي الايام القادمة سيتم طرح عطاء يتعلق بهذا الامر وذلك حتى تعمل هذه المرافق، ويلفت نائب المدير التنفيذي الي ان الصندوق بعد ان يقوم بالتأسيس ليس مسؤولا عن توفير الكوادر الصحية التي قال ان حكومات الولايات الثلاث هي المسؤولة عن توفيرها للمرافق الصحية، وتمني ان تضطلع حكومات الولايات بادوارها كاملة في هذا الصدد حتى تتم الاستفادة من المراكز والوحدات الصحية. تأثيث وكوادر ومن ناحيته يعتبر وزير الصحة بولاية البحر الاحمر ان صندوق اعمار الشرق قدم جهوداً مقدرة في تشييد مرافق صحية بمختلف انحاء الولاية، كاشفا في حديث ل «الصحافة» عن أن البحر الاحمر باتت تمتلك بنية صحية جيدة تغنيها لخمسين عاما عن تشييد مرافق جديدة، مرجعاً عدم تشغيلها في الفترة الماضية الي قلة الكوادر، واردف قائلاً: اذا اردنا تشغيل هذه الوحدات والمراكز الصحية التي شيدها صندوق اعمار الشرق حسب المواصفات العالمية المطلوبة لتشغيل المرافق الصحية، فإننا سنحتاج لكادر ضخم غير موجود بالولاية، ولا يمكن تعيينه في ظل الظروف الاقتصادية المعروفة، لأن هذا الامر اذا تم يعني ان تتحول حكومة الولاية الى صراف تهتم فقط بالفصل الاول وتهمل المحاور الاخرى من تنمية وغيرها، وهذا بالتأكيد اذا حدث سيلقي بظلاله السالبة على اداء الحكومة. ويلفت بلال الى ان المراكز التي انشأها الصندوق لم يتم تأثيثها، وان بعضها يعمل ويقدم خدماته للمواطنين بعدد من المحليات، ورغم اعترافه بأن دور الصندوق ينحصر فقط في التشييد، الا ان وزير الصحة بولاية البحر الاحمر يشيد بقرار الصندوق الاخير القاضي بتجهيزه وتأثيثه للمراكز والوحدات الصحية حتى يستفيد منها المواطن ويتم تشغيلها، ورداً على سؤالنا عن الكوادر قال: الصندوق بات وسيطاً بين الولاياتالشرقية والمراكز والمانحين في استقطاب الدعم، وهذا يكفل له تأمين مخصصات الكوادر الصحية لمدة عامين تستطيع بعدهما حكومة الولاية تسيير المراكز والوحدات الصحية ومواجهة رواتب الكوادر الصحية، مؤكداً أن ايفاء الصندوق بالتزامته التي تعهد بها تعني ان هذه المراكز ستتم الاستفادة منها خلال الفترة المقبلة. المواطن ينتظر ما بين اعلان صندوق اعمار الشرق عن تكفله بتأثيث المراكز وتوفير احتياجاتها ومطالبته حكومات ولاية الشرق بالتكفل بمخصصات الكوادر، وحديث وزير الصحة بولاية البحر الاحمر الذي رأي أن يتكفل الصندوق بمخصصات الكوادر لعامين أيضاً، تظل الصورة ناقصة والبون شاسعاً بين تعهدات الطرفين، والى ان يصلا الى صيغة تفاهم تفضي الى فك أسر الوحدات والمراكز الصحية، يظل إنسان ولاية البحر الأحمر خاصة في الارياف في انتظار تذوق طعم اتفاقية سلام مضت عليها ست سنوات دون أن تنعكس إيجاباً على حياته البائسة.