تعمل «الطواحين والمولدات الكهربائية» جنبا الى جنب مع شاشات التلفزة التي تعرض «الافلام الهندية» و»اغنيات وردي» و»المصارعة الحرة» في سوق «العبيدية» بولاية نهرالنيل المكتظ بالمنقبين عن الذهب، بينما تقدم المطاعم وجبات غالية الثمن لكن اللافت للنظر هو توسط طاولة للعب «البلياردو» رواق احد المحال التجارية. وتجذب المحال التجارية التي انشئت بمواد بدائية في ذلك السوق الذي يقع شمال مدينة بربر بولاية نهر النيل حوالي 16 الف منقب عن الذهب يهيمون على وجوههم في تلك الاودية والكثبان الرملية بينهم اطفال وخريجون من الجامعات للبحث عن المعدن النفيس. وألهم ارتفاع اسعار الذهب وتكلفة المعيشة معا آلاف السودانيين بالتوجه الى مناطق التعدين وتشير الاحصائيات الاولية الى ان عددهم حوالي 500 الف في البلاد. ولا يقتصر سوق العبيدية على بيع «الاطعمة والمشويات والمشروبات الغازية» فقط فالمحلات تعرض الملابس الجاهزة واقلام «البق» جنبا الى جنب مع اكياس الشاي والسكر وتأجير سرير للمبيت ليلا بجنيهين كما ان السلطات المحلية انشأت مقرا عند مدخل السوق لتنظيم العملية. لكن انتعاش سوق منطقة العبيدية ذي المباني الفقيرة والمتهالكة لم ينعكس على حياة البسطاء في مدينة بربر والعبيدية على الرغم من ان السوق يتداول به 400 مليون جنيه بحسب عضو الدائرة في مجلس تشريعي الولاية. ويحاول «عبد الجبار» الذي يسكن بمدينة بربر القريبة من منطقة العبيدية شراء ادوية يفوق سعرها اكثر من 54 جنيها من صيدلية قريبة من مركز صحي متهالك بلا اسوار تحيط به، ويقول عبدالجبار «هنا انتشرت حمى البحث عن الذهب كما ينتشر الفقر.. احاول شراء وصفات طبية بأسعار عالية ولا يمكن ان يكون الذهب بديلا للزراعة» ويضيف بلكنة سودانية خالصة «الناس ديل جنو دهب شنو النيل ده قاعد يشقنا بدون فائدة». وتقول ولاية النهر النيل انها تمتلك اكثر من 9 ملايين فدان صالحة للزراعة وحضت المستثمرين على استغلال تلك المساحات وتعهدت بإجراءات اكثر مرونة حيال طلبات الاستثمار. ولم تبن الولاية التي تشتكي من هجر المزارعين للزراعة والتوجه الى تنقيب الذهب خططا واضحة للاستفادة من ملايين الافدنة وعرضت تقريرا عن وجود فرص استثمار ضخم في مجال الثروة الحيوانية والزراعة لكن سكان الولاية يحصلون على الخضراوات والمنتجات الزراعية بأسعار عالية كما روى لي احد اعيان بربر. كما ان القطار الذي كان يشطر المدينة الى نصفين لم يعد يتنقل في تلك القضبان وبدت قضبان السكك الحديدية وكأنها تعكس «حرارة الشمس» فقط كما ان المحطات التي انشئت خصيصا لخدمات السكك الحديدية ومحولات القضبان لم تعد تستقبل سوى «عامل ورنيش» يتخذها مقرا لتلميع الاحذية. وانتصبت لافتة دونت عليها عبارة «صفّر» في محطة قطار انشئت بالخشب تصارع «هواء مدينة بربر العليلة» بعد ان كانت تصدح ب»صافرات» القطار في ايام خلت.