اذا كان المجتمع الدولي قد مارس ضغوطا مكثفة وعمل بجد علي تقريب شقة الخلاف بين السودان ودولة جنوب السودان ،فان هناك من كان يرفع الاكف لان تعود المياه بين الجارتين الشقيقتين للجريان. . ومثلما قابل العالم زيارة الرئيس عمر البشير امس الي جوبا بارتياح ورضا، فان هناك من تنفس الصعداء واستبشر خيرا بلقاء البشير وسلفاكير، وبغض النظر عن دوافع المجتمع الدولي فان المواطنين القاطنين علي حدود البلدين يهمهم ان تنتهي القطيعة بين الجارين والا يعودا الي مربع ما بعد احداث هجليج حتي تشهد العلاقة تطبيعا كاملا. وقد تكون الدولتان قد تأثرتا جزئيا بتوقف التعامل الاقتصادي بينهما الا انهما لم تصلا مرحلة الانهيار الاقتصادي الكامل لتدابير اتخذها السودان والدولة الاحدث في الاممالمتحدةجنوب السودان، الا ان تأثيرا مباشرا وقع علي المواطنين القاطنين علي حدود الجارتين الذين كانوا علي شفا حفرة من الانهيار الاقتصادي الكامل ، ليأتي اتفاق اديس ابابا في توقيته الملائم لينزل عليهم بردا وسلاما ،وهو الاتفاق الذي منحته زيارة الرئيس البشير امس الي جوبا تأكيدا وضمانا علي مضي الطرفين في انفاذ ما اتفقا عليه في اثيوبيا وهو امر ازال شكوك المواطنين بالولايات السودانية التي تحادد دولة الجنوب ،وجعلهم يستبشرون بان ثمة تغييرا ايجابيا سيطرأ علي حياتهم في مقبل الايام وذلك لارتباط مصالحهم الاقتصادية مع جوبا اكثر من الخرطوم ، فالحدود بين الدولتين تمتد علي طول 1800 كيلو متر ويقطنها 12 مليون مواطن شمالي وجنوبي، وتوجد بها ثلاثون قبيلة سودانية تربطها مصالح اقتصادية واجتماعية بنظيراتها بدولة الجنوب ،وهناك مايربو علي العشرين ألف تاجر شمالي لايعرفون غير اسواق السودان الجنوبي مكانا لممارسة تجارتهم ،ويتجه كل صيف مايزيد علي العشرين مليون رأس من الماشية جنوبا بحثا عن الماء والكلأ ،وتعتبر ولايات سنار،النيل الازرق ،النيل الابيض ،جنوب كردفان ،جنوب وشرق دارفور من اكثر الولايات التي لعدد كبير من مواطنيها مصالح مباشرة مع دولة الجنوب،وانطلاقا من كل هذه الثوابت التاريخية كان الترحاب كبيرا بالاتفاق الاقتصادي الاخير وبزيارة البشير امس من قبل المواطنين بالولايات الحدودية. وهذا ما شدد عليه الدكتور امين حسن عمر وزير الدولة برئاسة الجمهورية ،ان التجارة بين الدولتين اهم ركيزة للاتفاق،ويرى انها اهم حتى من فك الارتباط،ونفى عمر لدى حديثه في مؤتمر اذاعي امس، وجود اى ضغوط او املاءات وراء الزيارة المهمة التى قام بها البشير لدولة جنوب السودان ،واضاف ان الزيارة تعتبر الفرصة الاولى لعمل سياسى بين الطرفين بعد الاتفاق ،مؤكدا ان الزيارة تمثل علامة ثقة كبيرة جدا ستحرك ثقة الجهة الاخرى للتيار الواقعى الموازية ولذلك سنشهد تحركا سريعا جدا فى كافة الملفات حسب التحليل لاتجاهات الأمور . وأكد أمين ان الزيارة ستدعم الثقة بين الطرفين. مشيرا للوفد الكبير رفيع المستوى الذي رافق الرئيس في هذه الزيارة والذي وصفه بأنه أكبر وفد رئاسي من حيث الحجم في زيارة خارجية. ووصف عمر الزيارة بأنها انتصار للاتجاه الواقعى فى جنوب السودان على الاتجاه الايدولوجى ،وقال انه لفترة من الفترات كانت هناك نشوة فى الجنوب بعد الانفصال لدى التيار الايدولوجى الذى قام على فكرة السودان الجديد ، ويعتقد هذا التيار أن انفصال جنوب السودان هو المرحلة الاولى لتحقيق حلم السودان الجديد، هذا التيار هو ذاته الذى اختار ان يكون اسم الدولة الجديدة«جنوب السودان» حتى يظل العنوان قائما للمشروع الايدولوجى القديم، وهو نفسه الذى اختار ان يكون اسم الحزب مستمرا «الحركة الشعبية لتحرير السودان » رغم انه لم يعد هناك صلة بين السودان وجنوب السودان وذات التيار هو الذى اختار اسم الجيش فى الجنوب «الجيش الشعبى لتحرير السودان » وليس قوات جنوب السودان . وأوضح الدكتور امين ان الذى استجد الان فى دولة جنوب السودان بروز التيار الواقعى الذى يسعى نحو مصالح شعب جنوب السودان، وفى تأسيس دولة تحقق مصالحهم مما رجح كفة الميزان لهذا التيار . وأضاف امين ان الزيارة تعتبر انتصارا للواقعية التى تعنى فتح الباب للتعامل والتعايش وتبادل المصالح . وخلال زيارة سجلتها «الصحافة» للولايات السودانية الحدودية تكشف لها التأثير الكبير الذي وقع علي مواطنيها بداعي القطيعة السابقة بين الجارين ،وهذا مالخصه قبل التوقيع النهائي لاتفاق التعاون وزيارة البشير امس، رئيس الغرفة التجارية بولاية النيل الابيض الطيب عبدالقادر عبد الرحمن في حديث ل«الصحافة» مشيرا الي ان القطيعة بين الدولتين اسهمت في ايقاف الحركة التجارية مع دولة الجنوب نهائيا،وزاد:كلما يذهب وفدا تفاوض البلدين الي اديس ابابا كنا نشعر بسعادة غامرة ويحدونا دائما الامل في ان يصلا لحلول نهائية وينعكس ذلك مباشرة علي حركة السوق ولكن نحبط بفشل المفاوضات ،ويشير رئيس الغرفة التجارية الي ان 90% من الحركة التجارية بالولاية مرتبطة بدولة الجنوب ،كاشفا عن مواجهة التجار بالولاية خلال الفترة الماضية ظروفا حياتية بالغة التعقيد بعد ان تأثرت اعمالهم بتوقف التجارة مع دولة الجنوب ،ويلفت الي ان التبادل التجاري بين الدولتين من شأنه احداث استقرار امني في الحدود. وهناك من يري ان الجنوب مخرج للسودان من أزمته الاقتصادية الحالية اذا ماتم الاستغلال الامثل لاتفاق التعاون المشترك وتم تنشيط المميزات النسبية المتمثلة في الطرق والسكة حديد والنقل الجوي والنهري ،ويعتبرون ان التبادل التجاري من شأنه تدعيم الاستقرار في الحدود وانهاء النزاعات في ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان،وهذا مايشير اليه مرشح حزب الامة الاسبق لمنصب الوالي بجنوب كردفان الطاهر خليل ، مؤكدا ان الاتفاق من حيث المبدأ يصب في مصلحة الدولتين ،وقال ان هذا يقود بدوره الي استقرار الحدود بينهما ،لافتا في حديث ل«الصحافة» ان الجنوب هو مخرج السودان من أزمته الاقتصادية الحالية وانه يمثل سوقا لكل صادرات دولة الشمال ،معتبرا تطبيع العلاقة تمثل خطوة جيدة الي الامام ،وشدد علي ضرورة قيام كل طرف بما عليه من حقوق وواجبات حتي يمكن تنزيل الاتفاق علي ارض الواقع ،مشيرا الي ان كل دول العالم باتت تعمل علي التحالفات والدخول في كيانات متوحدة من اجل مصالح شعوبها ، وضرب مثلا بالاتحاد الاوربي ،وقال ان ظروف الدولتين تحتمان عليهما التوحد والاتفاق ونبذ الخلافات والحروب ،واكد انعكاس الاتفاق ايجابا علي مجمل الأوضاع بجنوب كردفان اذا ماتم تطبيقه علي ارض الواقع. ويؤكد عضو تشريعي ولاية جنوب دارفور عبد الرحمن الدومة علي أزلية العلاقة بين السودان ودولة الجنوب ، مشيرا الي ان التداخل الشعبي بين مواطني ولايتي جنوب وشرق دارفور مع دولة الجنوب ظل مستمرا منذ القدم ولم تؤثر عليه الحرب التي دارت بين الشمال والجنوب قبل الانفصال لاكثر من عشرين عاما ،معتبرا في حديث ل«الصحافة» علاقة الشعوب لاتتأثر برياح السياسة مهما كانت شدة ضراوتها ،وزاد:قبل عامين كنا في دولة واحدة وانفصلنا بسبب السياسة ولكن ماتزال بقايا الدولة الواحدة شاخصة ،وذلك لأن مايربط شعبي البلدين من مصالح اقتصادية متبادلة وعلاقة اجتماعية اكبر مما يفرقهما ،كما ان الحدود بين البلدين طبيعية ولاتوجد بها حواجز تحول دون التواصل ، ولكل ذلك لايمكن ان تفصل علاقة الشعبين عوامل سياسية ،وكان طبيعي ان يحظي اتفاق التعاون الاقتصادي بموافقة مواطني الولايات السودانية الحدودية الذين لهم تداخل تجاري وزراعي ورعوي مع دولة الجنوب، وقطع العلاقة يؤثر عليهم. الترحاب بزيارة البشير لجوبا امس وجدية الجارين في انفاذ اتفاقية التعاون المشترك لم يكن حكرا علي المجتمع الدولي والمواطنين بالحدود، فحكومات الولايات السودانية الحدودية رحبت هي الاخري بتطبيع العلاقة بين البلدين ،ويقول والي سنار أحمد عباس «حدودنا مع الجنوب هادئة والانسحاب اكتمل ولاتوجد خلافات حول الحدود لانها معروفة وان ترسيمها سيبدأ في شهر يوليو «،مؤكدا علي اهمية التعاون بين القاطنين علي حدود الدولتين بغض النظر عن العلاقة الكلية بين الحكومتين ،وعلي طريقه مضي والي النيل الازرق حسين ياسين ابوسروال الذي اكد ان ولايته تعول كثيرا علي زيارة البشير وينتظر اهل النيل الازرق ان تنعكس عليهم بالخير والاستقرار، وقال ل «الصحافة» انهم شرعوا في خطوات عملية لتنفيذ اتفاق التعاون المشترك بين الدولتين كولاية حدودية ذات مصلحة مباشرة مع دولة الجنوب ،ويقول عن الزيارة»ستكون فاتحة خير وخطوة لتطبيع العلاقة بين البلدين»،ومن جانبهما رحب واليا جنوب كردفان وشرق دارفور بعودة العلاقة الي طبيعتها بين البلدين، مشيرين الي ان هذا سينعكس ايجابا علي مواطني ولايتيهما والسودان قاطبة.