(1) نوفمبر... هل تعرفين بكم راهنت عليك؟؟ وهل تعرفين بأي صدق أحببتك؟؟ وبأي وجع؟؟ وأي بلاهة؟؟ وأي غباء؟؟ هل تعرفين كم احتملت سرحانك وشرودك واغترابك بجواري وأنا أنتظر تلك اللحظات القصيرة التي أنال فيها حظوة انتباهك ؟؟ هل تعرفين كم كلفني ذلك من خيبة ؟؟ وكم أضاع مني من لحظات هي أولي بأن يستوطنها الفرح من أن تصير نهبا للحيرة والتوهان؟؟ أوأن تأوي إلي مكانها الطبيعي من الوجدان تحيطها أنفاس دافئة ترفع من احتمالات حياتها لتقر في الذاكرة وأحتفي بذكراها كما يجب؟؟ أما كانت أولي بذلك من أن تؤول إلي كهوف مظلمة لا تمنح سوي البرد والوحشة والظلمات؟؟ كهوف مهجورة لا يعلم أحد من أمرها شيئا، ولا تسكنها سوي تلك الطيور القميئة غريبة الشكل والأصوات ... صارت تلك اللحظات أولي بالنسيان، وصار أفضل ما يمكن أن تحصل عليه هو منتهي التجاهل.. وأن لا تجد في كل مرة تطرق فيها باب الإلفة سوي ذلك الاستيحاش الذي لا يخالطه بصيص معرفة، ولا يساوره التردد في أن يمضي في ذلك إلي أبعد الحدود... صارت ندوبا أقمن بالستر، وجثة لا يناسبها سوي أن تدفن في أكثر مقابر الذاكرة عمقا، وأن لا يبقي من طقوس تذكرها سوي الإنكار ... هل تعرفين بماذا أحسست عندما استشعرت ابتعادك عن صورتك بداخلي؟؟ وكم كنت أذبح من القرابين لأقرب الشقة بينكما ؟؟ حتي عندما أصل إلي تلك اللحظات التي أكتشف فيها استحالة مسعاي.. كنت أقلص حلمي لحسابك فيا تري كم يساوي تقليص الأحلام ؟؟ ومن يشتري حلما هو عرضة في كل خيبة للتقلص والضمور والانتقاص؟؟ كنت أعدل صورتك بداخلي.. أرغمها علي أن تشبهك وأقول بأنك حلمي علي مرأي منها ومسمع، وأن عليها أن تقلل من جمالها وأن تتنازل عن شئ من مثاليتها، وأن تقطع كامل المسافة بينكما لتصل في نهاية المطاف إلي أن تشبهك.. ولكم أنهكتها الغيرة وهي تلهث في محاولة منها لأن تتمثلك... كنت ألوذ بالفلسفة لأحفزها علي الفعل .. ما الأجمل الواقع أم المتخيل ؟؟ الملاك أم الإنسان؟؟ يقولون ببساطة أنه ما من شئ أجمل من الخيال، وما من كائن تستطيع التعامل معه دون أن يدخل في حيز الوجود، وهكذا قضيت معظم أيامي معك أحب صورتك بداخلي وأتعامل معك بمعزل عنها فما استطعت أنت لها سبيلا ولا هي قبلت بأن تتنازل عن كل شئ فقط لتشبهك. (2) وإن كان لذلك من معني فقد كنت خوفي حين أخاف، وجرأتي حين أتنكب طرق الفعل في مكابرة يصنعها ما نحس حين يوصلنا لحدود الامتلاء ...عزائي أنني أكتب، وعزائي أنك لا تقرئين... قلت لك مرة أنني سأكون في الموعد، وسأحرص علي أن لا يطول انتظارك، وأنني أكثر حرصا علي أن أجعلك تستنفذين قدرتك علي الفرح.. وعلي السعادة، وأن يتبقي عندك بعد ذلك ما يضئ الدواخل بتلك الهالات الحميمة قدسية المنشأ والمآل؟؟ كنت أتحدث وكنت أنت تومئين برأسك دلالة الموافقة ... لم يكن في عينيك ما يشير إلي أنك تدركين عمق ما كانت تحمل كلماتي من نوايا، ومن حنين.. كنت أعني ما أقول وكانت النظرة في عينيك تبسيطية تتساءل عن السبب في (كل هذا الانفعال) فكنت أغير عندها مجري الحديث وأطمئن نفسي بذلك التعميم المريح (ما من شك أن الجميع علي دراية كافية باللغة) وأن (لا سبيل لمعرفة الآخر معرفة يقينية تامة) فلربما تكون قد أدركت عمق ما أعني، ولربما هي طريقتها في التعبير .. تحثني الفكرة علي مواصلة الحديث من جديد ..كنت عازما علي أن أوفي بآخر عهد قطعته لك قبل أن أوفي بأول عهودي لنفسي .. قلت أنني أضمن أن تحظي انفعالاتك بكامل حقوق التنقل والإقامة والاندفاع ولم تسمعيني ... كنت مشغولة بالنظر إلي ساعة الهاتف المحمول وأنت تهمين بالمغادرة ...وكنت أتظاهر بالتأخير وأنا أسألك كم الساعة لأقول بغض النظر عن الإجابة أنني مضطر للمغادرة فهل تعرفين كم كان يساوي ذلك في سوق الخذلان؟؟ أراهن أنك لا تعرفين، وأوافق دون تردد علي إصدار قانون يعصم البشر من الإحساس بذلك الشعور المقيت. (3) ...بالأمس طالعتني لوحة لا أعرف من رسمها، كان رسما لطفلة تجمع كفيها وترفعهما أمامها وهي تنظر للسماء في تطلع... كانت تصلي، تذكرت أنها كانت شيئا يسمي (لوحتنا) تحولت فيما بعد ل (ابنتنا) قلت لك مرة ونحن نتأملها أن ملامحها وخشوعها وثقتها في تلك السماء الرحيمة هي أندر السلع في سوق الوجدان ،وأن عينيها وبراءة طفولتها وطهر سريرتها هو ما أحسه نحوك، وأن مكانها سيكون دائما بيننا، وكنت تنظرين إلي الجهة المقابلة من الطريق... وجدت اللوحة ملقاة علي أرضية الغرفة .. نظرت إليها فلم أجد مما كنت أراه فيها شيئا ولم أر بأسا في تركها ملقاة في مكانها، لم تعد ذلك الكائن الذي كنت أوصيك بتقبيله ورعايته كل صباح (شفتي البت؟؟؟) وكنت في غالب الأحوال تجيبين (نسيت والله .. حأشوفا بعدين) حتى (البت) لم تكن معصومة من نسيانك حين يسوم التذكر سوء المعاملة والصحبة، ولا يميز في ذلك ما بين الكائنات....قلت لك مرة أنها ربما كانت تصلي من أجلنا، والآن أراها تبحث لنفسها عن خلاص ربما وجدته إذا واتاها الحظ ووجدت من يحرقها رفقة بها من عبء الوجود الثقيل، ومن طول الصبر ورتابة الانتظار .. من يجشم طفلة عناء التبني دو رغبة منها؟؟ ودون أن يكون لها الخيار؟؟ يقيدها إطار اللوحة ولا يترك لها حرية الحركة، وتمنعها ألوانها وطبيعتها الزيتية من الإفصاح، كانت ما تزال علي جمالها القديم، وربما صارت أكثر حرية وهي تأوي إلي سلة مهملات دافئة، فطفولتها أقل حيلة من أن نعلق عليها ما يثقل كاهلنا من هموم ، كانت عيناها ما تزالان تحظيان بتلك النظرة الناطقة رغم أني أشك في أن يجد أحدهم الوقت ليرهق نفسه بمحاولة فهمها، وتفسير ما يمكن أن تذهب إليه صلواتها من أمنيات. (4) نوفمبر الثاني .. لم يكن لديك الوقت لحضور مراسم تتويج الأول، كنت علي عجل.. وكنت أبعد من أن أدعوك لتلك المراسم التي تشبه الأحلام، قلت (أنا ماشة) وحينما سألتك (حاتمشي وين؟؟) قلت ببساطة (... ما اليوم انتهي .. ياللا نمشي) لم يكن اليوم قد ابتدأ بعد، ولم أكن أملك - من فرط دهشتي - إلا أن أقول ( ...خلاص ياللا).. كنت لا تعرفين الفرق بين نوفمبر الأول ولويس الرابع عشر ... قلت لنفسي ربما عرفت لاحقا إذا كان هناك متسع للمعرفة، وعندما عاد نوفمبر من جديد كنت أنا من مهد له الطريق لاعتلاء العرش.. قلت لك أنه لولاي لما كان نوفمبر سوي شهر يستجدي السنوات سبيلا للمكوث، وقلت أنت (ولولاي أيضا) قلت أنها ليست مزايدة وأن نوفمبر معك لم يكن ليجد مكانا بين الشهور وأن أيامه ما كانت لتحظي بقليل تميز ولا بكثير اعتبار.. كان نوفمبر الثاني من صنعي وكان عندي عاما من أعوام الخلاص، وكان عندك لقاءا وتبادل هدايا وامتثالا للواقع والممكن والمعقول فيا ترىمن هو أولي به ؟؟ والي من كان ينتمي قبل أن يؤول إلي ما آل إليه من عادية؟؟ وقبل أن يتجرد من زينة الملك وأبهة السلطان، ويقبع في ركن قصي من العام، ينتظر أن تنقضي أيامه ليمضي في خفوت ... ها هو الآن لا يطمع في أكثر من مجرد التواجد كيفما اتفق، وعلي كل حال. وهأنذا الآن في زمان ما بعدك أضحك واسخر وأكتب ...أصنع السعادة وأحمل بداخلي حزن المغارب الذي لا يزيده حزن ولا تدفئه آلاف الأغنيات... عزائي أنك لا تعرفين من كل ذلك شيئا. أشفق عليك أحياناً من المعرفة، ومن الإدراك.. خصوصا بعد أن فات أوان التعلم ...ما أقسي أن نعرف كل شئ دفعة واحدة، وما أقسي أن تداهمنا المعرفة بعد أن تطاولت بنا سنوات التغافل والاختباء... وما أصعب أن يتعلم الكبار.