حالة من الإجماع بدت بين المراقبين مفادها ان قطاع الشمال رجم «كادوقلي» بالصواريخ « وهدد باجتياحها لانه يشعر بالعزلة وحتي يسمع الخرطوم صوته، ويشعرها بمقدرته على ايلامها وبعثرة كل اوراقها الداخلية والخارجية التي تمضي الى ترتيبها بهدوء انطلاقا من محطة جوبا. وان كانت هذه هي الخلاصة التي يمكن استنباطها من تفسيرات قيادات الحركة الشعبية لهذا القصف المفاجئ. فهل سمع أحدا نداء القطاع او رسالته تلك؟.. ربما الاجابة نعم وربما العكس تماما. فنائب والي جنوب كردفان حدد ، في تصريحات تلفزيونية، موقع القصف بدقة وربما يكون وصف على وجه التحديد اي راجمة استخدمتها الفرقة التاسعة من راجماتها الثلاث المتبقية. وهذا قبل ان يؤكد نائب الوالي على مقدرة القوات المسلحة على حسم التمرد وحماية المدينة. اي ان الولاية لازالت تتعامل مع التطورات هناك في اطارها العسكري. أما في الخرطوم فقد كان اول رد فعل من نائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب، الدكتور نافع علي نافع ، الذي اعتبر قصف قطاع الشمال لمدينة كادقلي أمس الاول» محاولة لعرقلة سير تنفيذ اتفاق التعاون الموقع مع الجنوب، مؤكداً ان الاتفاقيات لن تتأثر بمثل هذه المحاولات اليائسة». ثم اتهم نافع في تصريح ل»الصحافة» قيادات قطاع الشمال عبد العزيز الحلو ومالك عقار،بانهما «غير راغبين في السلام»، مبينا ان قواعدهما ستتخطاهما وتنضم الي السلام « الذي تحرص عليه الحكومة». والقراءة المتأنية لردود افعال الولاية والمركز على واقعة القصف ودلالاتها ، حتى امس الاول، تشي بان الحكومة «تصريحات نافع»، لم تقرأ نداء القطاع من حيث المضمون،وان الحكومة حتى الان لا تنظر لوجود القطاع الواقعي بمعزل عن وجود أزمتها مع حكومة جوبا. وهو ما قد يعني ان تعاطيها مع ملف هذا القطاع سيتم رهنه بمدى نجاحها في تطبيع العلاقات بين الخرطوموجوبا. فمدي ما يمكن التوصل اليه مع «جوبا» من تفاهمات، مهما تباعد زمنيا، سيلقي بظلاله بطبيعة الحال على مائدة القطاع التفاوضية. وهي الحقيقة التي يفهمها قادة القطاع،بحسب المحلل السياسي عبدالعزيز دفع الله، على انها محاولة لفض الاشتباك بين قضية الخلافات مع الجنوب، وتسوية اوضاع قطاع الشمال باعتبارها قضية داخلية. واشار دفع الله الى ان المصفوفة التي تم التوصل اليها مع الجنوب هدفت بشكل اساسي الى معالجة القضايا بين الدولتين، واهمها الملف الامني، مما يعني ان تنفيذها سيعزل بالفعل الاشكالات بين الدولتين عن اشكالات الحكومة في الخرطوم مع القطاع. ويرى المحلل السياسي ان قطاع الشمال حاول بقصف كادوقلي ايصال رسائل رفض ، لكل الاطراف الداخلية والخارجية، لهذا الفصل وهو « ما اخطأ في تقديره لان التقارب بين الخرطوموجوبا اصبح مطلبا دوليا واقليميا». ويقول عبدالعزيز دفع الله «للصحافة» ان بامكان القطاع التركيز في موقفه التفاوضي « على حقيقة تمثيله لاتجاهات مختلفة في كل انحاء السودان لا المنطقتين فحسب بدلا عن التعامل بردود الافعال واظهار احساسه بعدم الاستقلالية، بالاصرار على ارسال مثل هذه الرسائل». مشيرا الى ان الاجواء في السودان مهيئة الان للعمل على ايجاد حل قومي شامل لكل الخلافات، وهو ما كان يدعو اليه القطاع، مما يتطلب من قادته موازنة الوقائع ودراسة المشهد بشكل جيد. وقال عبد العزيز دفع الله « بخاصة وان برتكولات المنطقتين تختص باجراء المشورة الشعبية التي تجاوزها الزمن، وانفاذ الترتيبات الامنية». اذن فقد اتسمت احداث الايام الماضية بحوار غير معلن بين الطرفين عبر رسائل متبادلة بوسائل مختلفة، فأين يضع الرد الحكومي الاخير في هذا الاطار، بخاصة وانه جاء بعد هجوم اعلامي اخر قادة الدكتور نافع من ولاية الجزيرة على القطاع، وهل من دلالة ما في مكان وزمان هذا الرد، فقد كان رئيس وفد الحكومة المكلف بالتفاوض مع قطاع الشمال هو من اعلن بالاحد عن جاهزيتها للحوار مع القطاع. البروفيسور ابراهيم غندور قدم هذه التوضيحات ، لكنه اشار الى ان تشكيلة الوفد المفاوض ستظل رهينة لقاءات بين الرئيس البشير ونائبه الاول، رغم انه قال « نحن في انتظار تحديد الموعد من اجل بدء الحوار». الدكتور عبدالرحمن ابوخريس يقول ان للمؤتمر الوطني مراكز قوى متعددة وان اي مركز يقوم بدور معين في الوقت المحدد له تماما، منوها الى ان غندور شخصية مقبولة لاعلان من هذا الموقف المرحب بالحوار لاعتبارات عديدة اهمها انه لم يكن متحاملا على جوبا او القطاع. الا ان الاستاذ محمد ابراهيم كبج يرى ان رسالة الحكومة الداعية الى هذا الحوار مشكوك في جديتها ورغبتها في الوصول الى تفاهمات، مشيرا الى ان الحكومة سبق ان وقعت اتفاق نافع عقار في اديس، وعادت لتنقض الاتفاق الذي وقعت عليه رغم ان ممثلها على الطاولة كان دكتور نافع بكل ما يمثله للنظام الحاكم وبكل ما يتحلى به من مقام وتراتبية في الدولة. ويؤكد كبج بان لا احد يرفض دعوات الحوار او يقف في طريقها، لكنه يشكك في ان هذه الدعوة بازاء القطاع جادة، ثم مضى ليقول في حديثه «للصحافة « انا على قناعة بان هنالك شخصيات نافذة تتعامل مع حوار قطاع الشمال والمعارضة كمحاولة للهروب من الضغوط وتحديات المرحلة». ويري كبج ان البديل المطلوب في هذه المرحلة هو « عقد اجتماعي» يحقق السلام المستدام، مشددا على ان العمل يتطلب خطوات جادة وصريحة لاطلاق الحريات ومخاطبة الناس، لا السعي لكسب الوقت بالاعيب تكتيكية. لكن الدكتور عبدالرحمن ابوخريس يرى ان الحكومة جادة في هذه الدعوة وترغب فعلا في الحوار مع القطاع لانها تعلم ارتباط هذه القضية بحزمة من الترتيبات المتعلقة بتنفيذ المصفوفة الموقعة مع الجنوب، مضيفا « علينا ان لا ننسى ان اعلان الحكومة استعداها للحوار يدعم ما اتفق عليه البشير في جوبا مع سلفاكير، ويكسبه جدية والتزاما، كما انه يراعي اعلان الاخير استعداده للتوسط بين الخرطوم والقطاع». ويشير المحلل السياسي في حديثه «للصحافة» الى ارتباط هذا الاعلان بحسابات اخرى لدى الخرطوم منها قرارات مجلس الامن وحثه الاطراف على التوصل الى تسوية متزامنة مع القطاع.