نهار الخميس 18 أبريل 2013 - جمادي الثاني 1424ه كان فقدنا للأخ والزميل الدكتور كمال حنفي الذي جمع بين القلم والمبضع والعلاج بالكلمة والحقنة فهو طبيب وكاتب صحفي مرموق، رحمه الله. وقد ودعه إلى مقابر البكري بأم درمان وتوافد على مكان العزاء حيث داره الكثيرون من أحبابه وذويه ومن جذبهم إليه قلمه، فضلاً عن زملاء المهنة وغيرهم ممن بكوه بالقلم والكلمة في الأجهزة المقروءة والمسموعة والمضيئة فالراحل - كمال حنفي - فقد كبير وعزيز رحل وهو في قمة انتاجه الصحفي وفي سن الستين من العمر تاركاً خلفه بنتاً وابناً كانا قد فقدا والدتهما قبل فقده - ألزمهما الله الصبر والسلوان وعوضهما خيراً. كان لكمال حنفي عموده الراتب ونافذته التي يطل منها على قرائه يومياً في صحيفة (الرأي العام) وهي (.. إلا قليلاً). فقد كان عموده مادة متزنة وموزونة ولا تزيد عن الجرعة التي يلتزم بها كاتب العمود مهنياً والوصفة الطبية التي تصدر من طبيب درس الحالة وشخّصها. فالعمود الصحفي من ناحية مهنية شيء والمقال أو التعليق شيء آخر. والعنوان نفسه له دلالته ومساحته ومغزاه ومعناه. والعنوان (.. إلا قليلاً) هو عنوان كتاب للكاتب المصري ذائع الصيت أنيس منصور الذي كان يُعلى (.. إلا قليلاً) على مؤلفاته الأخرى، كما قال لي في منتصف ثمانينات القرن الماضي، وهو يوصيني بمطالعة الكتاب الذي وعدني بأن يبعث به إليّ ، وقد فعل..! والراحل كمال حنفي الذي كان يدرس البكالوريوس في الطب في مصر في تلك المرحلة وكانت له مع زميله عثمان ميرغني وآخرين مجاهدات في العمل الصحفي - أي إصدار مجلة - لا بد أن يكون على صلة بمثل ذلك الانتاج من الأستاذ الراحل أنيس منصور. وقد كان الكتاب قليل الحجم إلا أنه ضخم في ما اشتمل عليه من معلومات عن كُتاب وفلاسفة وشعراء فطاحلة.. اجتهد الراحل كمال حنفي ما وسعه لكي يلحق بهم ولو ..إلا قليلاً.. فالعمود بذلك الاسم - بتقديري - لم يصدر عن فراغ أو ألقى به صاحبه (هكذا).. والله أعلم. كمال حنفي وان كنا نجهل دوره في الطب وتخصصه فيه إلا أنه من خلال ممارسته لكتابة العمود الصحفي وهي مهمة غير سهلة - كما قلنا - تبعاً للمواصفات والجودة، ترك لنا ما يذكر ويحمد له في غيابه. فقد أفادت الصحيفة (الرأي العام) أن (.. إلا قليلاً) قد تتابع وتواصل في الصحيفة لعشر سنوات وكان يصل من صاحبه في الزمان والحجم المحددين وينشر في المكان المحدد والمعروف بطبيعة الحال لأن ذلك من مواصفات العمود وسماته. ويظل أسلوب الراحل كمال حنفي في تعاطيه بالهموم السياسية والمجتمعية والعامة وغيرها محل احترام واعجاب الكثيرين كما هي حالة الاستقرار والإلفة التي كان يتمتع بها حيث ظل من رموز وكتاب صحيفة (الرأي العام) لعشر سنوات رغم تغير الظروف والبيئات. وهذه كلها مما يحتاج مجتمع المهنة الصحفية إلى الافادة منها كموروثات لها قيمتها ومردودها في العمل الصحفي المهني. لقد رحل الأخ الدكتور كمال حنفي وغاب عموده (..إلا قليلاً) كما غاب حضوره بين الزملاء والأهل وعارفي فضله ونخص بالذكر ابنه وبنته واخوانه وبقية أفراد الأسرة.. رحمه الله رحمة واسعة وهو يأخذ مكانه بين الراحلين الأعزاء - رحمهم الله جميعاً.