تقرير: ماجد محمد علي: تطورات قضية منطقة أبيي المختلف حول تبعيتها بين السودان وجنوب السودان مضت كما يبدو الى أسوأ السيناريوهات المتوقعة، فبمقتل سلطان دينكا نقوك كوال دينق ، أصبح الطريق مفتوحا للعنف والتفلتات بين الجانبين على ارض المنطقة، برغم دعوات التهدئة من القيادات في الخرطوموجوبا. وهو ما سيصعب حسب مراقبين من امكانية اعادة الخلاف حول تبعية المنطقة الى مساره الحواري، وربما يعجل باتخاذ كلا من المسيرية ودينكا نقوك او احدهما، في ظل هذه الاجواء المشحونة، سبيل حل القضية في أبيي من وجهة نظره التي لا تعترف بحقوق الاخر. فقد تبنت ، خلال الساعات الماضية، قيادات من مجتمع دينكا نقوك الدعوة الى تكوين الادارة الاهلية ومفوضية الاستفتاء بفروعها ولجانها المختلفة، لاقامة الاستفتاء في موعده المقرر من الوساطة اكتوبر المقبل، على ان يسبق ذلك عودة جميع ابناء أبيي الى المنطقة فورا. وعبر الناشط في مجتمع المنطقة ،بول كوال كور، في صحيفة «أبيي الان» عن موقف دينكا نقوك الجماعي هذا ،اثر الحادثة، مشيرا الى ان قضيتهم لن تموت وتدفن بموت كوال، ومضيفا « ولو دعا الداعي يجب ان يتم اعلان تبعيه أبيي من داخل تشريعي المنطقة لدولة جنوب السودان». اما على صعيد المسيرية فقد اعلنت قياداتها ان عملية ابعادهم عن المنطقة دونها المهج والارواح، محذرة من انها اعدت للدفاع عن حقوقها ووجودها في المنطقة حتى لو ادى الامر منع اجراء الاستفتاء. وهاجم امس ناظر القبيلة مختار بابو نمر كلا الحكومتين في الخرطوموجوبا واتهمهما باهمال وضع المنطقة وقضيتها، واضاف « بعدين أبيي دي بلدنا لو دايرين نشيلها بقوة السلاح كان شلناها من زمان، لكن نحن تركنا الفرصة للدولتين وقلنا الحوار أفضل والتعايش السلمي هو الحل». وربما كانت القراءات المشفقة على مستقبل المنطقة بعد حادثة مقتل السلطان ، وردود افعال دينكا نقوك المتواترة عليها، هي مادفع الاتحاد الافريقي من موقع مسئوليته كوسيط بين السودان وجنوب السودان الى الدعوة إلى قمة عاجلة بين رئيسي السودان عمر البشير وجنوب السودان سلفا كير للبحث عن « حل نهائي للنزاع على منطقة أبيي» . والشاهد على هدف هذه الدعوة ان البيان الصادر عن الاتحاد الافريقي وصف الحادث الذي وقع في أبيي ب»الخطير»، مشددا على انه يسلط الضوء على أن الوضع الراهن في أبيي «لا يمكن أن يستمر». وربما تكون لغة هذا البيان هى ما اقلقت الخرطوم، فقد قوبلت هذه الدعوة من الجهات المعنية بفتور لافت، ولم يصدر حتى الان رد فعل رسمي على بيان الاتحاد الافريقي ودعوته الى لقاء الرئيسين، مما قد يشي بعدم رغبة الحكومة السودانية في خوض مواجهة مع الجنوب «على أبيي» في مثل هذه الظروف، بخاصة وان الرئيس سلفاكير دعا في تأبين الفقيد الى اقامة الاستفتاء في موعده. ويدعم استاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم الدكتور صفوت فانوس من هذه التفسيرات لموقف الخرطوم من الدعوة ، فهو يرى بان اي لقاء بين البشير وسلفا في مثل هذه الظروف سيؤثر بالسلب على العلاقات بين البلدين، وقد يؤدى الى تعطيل تنفيذ اتفاق التعاون بينهما. واشار فانوس الى ان الجنوب يعيش حالة من الغضب الشديد لمقتل سلطان دينكا نقوك، وهو ما يجعل «جوبا» في حالة من الانتظار المشدود لرد فعل الحكومة هنا، فيما يلي « معاقبة المتسبب في هذه الحادثة»، وما لم يتم الانتهاء من التحقيق وتحديد الجهة المسئولة من مقتل السلطان «ستظل العلاقة بين البلدين مشدودة». ويقول الدكتور صفوت فانوس ان افضل ما يمكن اتباعه من قبل الخرطوم الان في مواجهة الأزمة، هو تجميد الموقف وعدم التصعيد مع جوبا بأمل ان يخفف مرور الزمن من حدة التوتر، والبعد عن اي تصعيد حتى لو اتجه الجنوب لذلك لانه سينعكس على اتفاق التعاون بين البلدين. لكن ماذا سيحدث ان تم هذا اللقاء بين الرئيسين تحت ضغط المجتمع الدولي، وماهو المتوقع لمخرجاته بشأن المنطقة في ظل الاجواء المسيطرة شمالا وجنوبا؟. من المؤكد ان اي لقاء حول أبيي بين «البشير» و» سلفاكير» سيناقش مقترحات الوسيط امبيكي بشأن المنطقة، وهي المقترحات التي رفضتها الخرطوم وقبلتها جوبا. ومقترحات رئيس الآلية الافريقية رفيعة المستوى ثامبو امبيكي الخلافية تدعو الى اجراء الاستفتاء على مستقبل المنطقة في اكتوبر من هذا العام دون مشاركة جماعات من قبيلة المسيرية، وتحظى المقترحات بدعم الاطراف الدولية، ومنها واشنطون، والتي سعت من قبل لاقناع حكومة السودان والمسيرية بتمرير الاستفتاء. يتوقع استاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، صفوت فانوس، ان لا ترحب الخرطوم بمطالب كلا من الرئيس الجنوب سوداني والاتحاد الافريقي بشأن اجراء الاستفتاء في اكتوبر، مشيرا الى ان الخرطوم اعلنت من قبل رفضها لاجراء الاستفتاء دون مشاركة المسيرية، وهو الموقف الذي لم يتغير، ويتابع فانوس « الحكومة لن تقبل فالجنوب يريد استغلال حادثة مقتل السلطان سياسيا وهذا قد يقود نحو التصعيد». ورغم ان الحكومة اعلنت في اكثر من مناسبة سودانية رفضها المقترحات الافريقية، الا ان زعماء المسيرية يبدون الان اكثر قلقا وتوجسا من ما هو قادم، وهذا ما تعكسه تصريحات ناظر القبيلة التي اوردناها انفا. الا ان القيادي في المسيرية الصادق بابو نمر يثمن مواقف الحكومة الداعمة لحقوق المسيرية في المنطقة، ويذكر في حديثه «للصحافة» بتصريحات البشير التي قطعت بعدم التنازل عن أبيي وعدم رضوخ السودان للضغوط الخارجية بشأن القبول بمقترح امبيكي. معتبرا ان قضية أبيي بالنسبة الى ابناء المسيرية قضية حياة او موت، وان مقترح امبيكي الذي يتضمن اقصائهم من الاستفتاء « حكم اعدام على مليون نسمة و10 ملايين من الابقار». ورأى الصادق بابو نمر ان قضية أبيي لا تعني المسيرية وحدهم، لانها في الاساس ارض سودانية وتقع على الدولة وكل الاطراف الاخرى وجميع السودانيين مسئولية الحفاظ على سيادتها وعدم التفريض فيها. اشار استاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم الشفيع محمد المكي ، من جهته، الى ان حل قضية أبيي ليس بمستحيل اذا استصحبت الاطراف المعنية المصالح المشتركة وتعاملت بحسن ظن مع بعضها، معتبرا ان حالة العداء المسيطرة الان على علاقة هذه الاطراف « غير مبررة ولا تمت بصلة للعلاقات الحقيقية بين اصحاب المصلحة في المنطقة من المسيرية والدينكا نقوك». ورأى ان ما يدور بين حكومتي السودان وجنوب السودان بشأن أبيي « لا يشابه سياسات الدول التي تعي مصالحها، رغم ان سلامة العلاقات وحسن الجوار بين الخرطوموجوبا مهم للغاية للحفاظ على المصالح الضخمة بين البلدين». ونوه الدكتور الشفيع محمد المكي الى ان المصالح المشتركة لا تعني البترول فقط « بل حركة التجارة والسكان، بخاصة وان مناطق التماس على الحدود بين البلدين يسكنها اكثر من 10 ملايين نسمة، وبينهما من المصاهرات والترابط الاجتماعي ما يصعب فصله» . وقال « فلماذا يحارب الناس فيما يمكن الوصول الى الحل المطلوب بالحكمة، وقضية أبيي يمكن معالجتها بسهولة مثل غيرها من القضايا بشرط اثبات حسن النوايا واعتبار المصالح المشتركة». ودعا المحلل السياسي الى اشراك مكونات المنطقة من المسيرية ودينكا نقوك في عملية الحل، مشيرا الى ان انفراد حكومتي البلدين بالامر غير مجدٍ ولا كافيا وقد يجلب حلا مؤقتا يترك الباب مفتوحا لانفجار القضية في اي وقت.