د. الحاج حمد محمد خير: يتقدم التاريخ البشري بمدى شجاعة الأفراد والجماعات في مواجهة النظم الإرهابية ومحاولات اغتيال الشخصية وفرض التبعية. وقديماً قيل «إن الساكت عن الحق شيطان أخرس»، فجندي البحرية الأمريكية الذي كشف ضرب المدنيين الأفغان وأصر على ذلك، دفع جماعات حقوق الإنسان لترشيحه لجائزة نوبل للسلام. أما أسانج الذي نشر الأوراق السرية لوزارة الخارجية الأمريكية مازال مطارداً من قبل الأجهزة الأمنية الأمريكية. ويميز الجميع في المصداقية والشفافية مراكز البحث العلمي المستقلة عن المؤسسة الصناعية العسكرية والبيوتات المالية الصهيونية. فهذه المراكز المستقلة هي التي تفضح ما يسمى بايديولوجية مكافحة الإرهاب الذي أوصل تحالف تجار الحروب الى الدرك الأسفل من التآمر على الشعب الأمريكي بحيث صارت أجهزة الأمن تصنع الأحداث الإرهابية في داخل وخارج الولاياتالمتحدة، وتستخدم عناصر من العالم العربي والإسلامي وخاصة من باكستانوافغانستان واندونسيا وبنغلاديش وهي بلدان الثقل البشري الإسلامي، وتستخدم سياسات الإخضاع والإذلال للبلدان العربية الإسلامية مثل السعودية والكويت وبلدان الخليج الأخرى لتمويل ونشر ثقافة ظاهرها اسلامي وباطنها فاشية، ومعلوم ان المعونة الأمريكية منذ الثمانينيات من القرن الماضي صرفت ومازالت تصرف على الجماعات الإسلامية لاستغلالهم في صراع المصالح الاستراتيجية كمخلب قط، وقد دفعت المعونة الامريكية خمسين مليون دولار لجامعة نبراسكا لإنتاج مناهج دينية للمدارس في أفغانستانوباكستان مازالت خاصة في افغانستان هي أساس التعليم في المدارس الدينية وغيرها. في نفس الوقت الذي تدعم فيه بلدان الخليج والسعودية وقطر العدو الصهيوني بوضع أموالهم في المصارف الصهيونية التي تتبرع سنوياً لإسرائيل عيناً ونقداً بأكثر من عشرة مليارات دولار، وإذا قامت نفس هذه البلدان بما تدعيه من مسؤولية اخلاقية تجاه الإسلام و «العروبة» بدفع مثل هذا المبلغ لقضية القدس ليس للقتال والتجهيزات فهم قد عميت قلوبهم بحب الدنيا بل بالصرف على المناصرة للقضية الفلسطينية والقدس داخل الكونجرس الأمريكي لصالح لجم نفوذ اللوبي الصهيوني. إن الكونجرس عبارة عن سوق نخاسة يقرر لمن يدفع أكثر، فكيف يا عربان آخر الزمان تضعون أموالكم في مصارف الصهاينة ليشتروا بها شراكة استراتيجية مع آلية القتل الأمريكية وعهر الإعلام «ترجمة للمصطلح الجديد Presstitudes» الصهيوني الذي يسود سماء الولاياتالمتحدة بالدعاية عن إرهاب الدولة. ونذكر هنا بالإعزاز موقف الأكاديمي اليهودي الأمريكي الدكتور شموسكي الذي يقول صباح ومساء بأن كل قوانين مكافحة الإرهاب الدولية والأمريكية تنطبق على التحالف بين إسرائيل والولاياتالمتحدة «راجع موقع: global research.ca). وفي اليوم الرابع من مايو عنونت النيويورك تايمز منشيتها الرئيس قائلة: «إسرائيل تقصف سوريا فيما توازن الولاياتالمتحدةالأمريكية خياراتها». وأضاف مصدر امريكي لم يرغب في ذكر اسمه أن «إسرائيل قامت بقصف سوريا في حين ان الولاياتالمتحدة توزن خيارين ايهما افضل توسيع دائرة تسليح «المعارضة» السورية ام القيام بضربات جوية ذريعة استخدام نظام الأسد للسلاح الكيميائي». في حين وزعت وكالة الأسوسيتيل برس افادة من فريق أممي برئاسة المدعجة الأممية لجرائم الحرب السيدة كارلادي بونتي واربعة من اعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وقد أفادوا بأن غاز الأعصاب (Sarin) استخدم بواسطة «الثوار» وليس نظام الأسد. وفي الوقت الذي استوعبت فيه روسيا والصين دروساً من حرب العراق وليبيا وأساليب التكتل الغربي لحماية او خلق اسواق جديدة «كلها للأسف للمنتجات الحربية» ولذا لم تمر الحيل عليهم هذه المرة، وقد فرضت روسيا العودة لاتفاقية جنيف وعقد مؤتمر بين طرفي الحرب الأهلية السورية. وللأسف أهل الوجعة هم المسلمون الذين يجري عليهم الاعتداء والعرب الذين يدفعون بسخاء لآلة الحرب الأمريكية، وكانوا قديماً يدفعون ويسكتون حياءً وخجلاً، والآن يدفعون ويصرون على أن يناصرهم الآخرون. وتحت مسمى الخطر الإيراني تستمتع الولاياتالمتحدة بأموال شيوخ البترول وتأخذ حصة مباشرة لصناعاتها العسكرية، وتمنح جزءاً منها لإسرائيل باعتبار انها الشريك القوي . إنه كما يعلم طلاب المدارس هناك دائماً موقف صحيح لا يصح سواه، وهناك موقف خاطئ يجب أن يتجنبه الجميع، فاحتياجنا بوصفنا شعوباً للولايات المتحدة يتمثل في التجربة الحقوقية التي تتعدل من خلال النضال الخالد في الحروب الأهلية الأمريكية سواء التي قادها ابراهام لكلن لتحرير العبيد ونتج عنها الدستور الأمريكي، او تلك التي أعطت الحقوق المدنية للسود والملونين، وأعطت وثيقة الحقوق التي أضيفت للدستور الأمريكي. او ما يجري حالياً من محاكمة شرطة نيويورك بأنها عنصرية. هذا الصراع بين قوى التطور المنسجم مع المصالح الإنسانية المرسلة هو ما نحتاجه من الولايات. أما قوى الشر الأمريكي التي تتكالب على نهب الأموال السائلة «المصارف» والثروات الباطنية «البترول وغيره» وتسلمها لأعداء الإسلام والمسلمين، وحتى المسلمين من المواطنين الأمريكيين الذين يقاومون مع بقية الشعب الأمريكي المعادي لقوى الشر يجدون وبالاً وتنكيلاً. ويكفي ما جرى من استغلال لاثنين من الشيشان فيما يعرف بتفجيرات بوسطن، فالإسلاميون صنيعة الولاياتالمتحدة لقهر شعوبهم في الخارج، والإسلاميون إرهابيون داخل الولاياتالمتحدة. ويكفي أن هذه القوى الآن التفت تماماً على ادعائها بأنها تحارب القاعدة لنرى أمام أعيننا انها هي التي صنعت القاعدة وتستخدمها سوط عقاب للساسة ضعيفي التجربة والمعرفة العلمية في العالم العربي. وليس عيباً أن يشارك كل الناس بمختلف مستوياتهم العلمية في ادارة شؤون بلدهم، لكن عليهم أن يدركوا أهمية العلم واستقلالية العلماء والخبراء والمتخصصين والتواضع امام معارفهم ونصائحهم. فالعلماء والمهندسون وخبراء الإعلام واساتذة العلاقات الدولية المستقلين ومن غير اصحاب الأجندة يؤكدون أن الولاياتالمتحدة تساعد جماعة النصرة وجماعات أخرى سورية مرتبطة بالقاعدة. نعم المصالح غير العواطف، ولأن النظام السوري ظل مستقلاً ولكنه ظل ذاتياً وأسرياً مغلقاً وتخلى عن طموح الشعب السوري في تحرير الجولان وبقية الأراضي المحتلة متحايلاً على ذلك وممالئاً للقوى الدولية التي تستغله في ضبط حركة الجهاد الإسلامي المشروع ضد الاحتلال الصهيوني الذي تقوده ايران وحزب الله وحركة حماس اصحاب القضية. انه نوع من السياسة التي تكون عبئاً على وطنها وقضايا التحرر الإقليمي والعالمي، وأضعف الإيمان ان نكون محايدين باعتبار ان الحرب الأهلية واحدة من ادوات التغيير. وهكذا يخفي العرب والمسلمون السنة العدو المشترك بالإدعاء بأن الحرب الدائرة في سوريا بين الشيعة/ العلويين ضد السنة. واذا عدنا للتاريخ فإن الجيوش والمتطوعين المسلمين «المجاهدين» الذين واجهوا الحروب الصليبية على مدى قرن من الزمان لم يسألوا عن الهوية المذهبية، بل كان يكفي ان يكونوا مسلمين. ويوم كانت جامعة الدول العربية تمثل مصالح الشعوب العربية لم نسأل نحن في الخرطوم ولاءاتها الثلاث بعد حرب 67 ونحن نعلم ان الكثير من البلدان العربية لا تعترف بعروبة السودان، وحتى اليوم لا توضع أرقام الهواتف السودانية في المسابقات العربية. وبالرغم عن ذلك فإن الصمود العربي الذي انتج النجاح الجزئي في اكتوبر 73م وزاد من ثروات الشيوخ العرب برفع أسعار البترول الذي كانت تأخذه الشركات الأمريكية بأرخص من اسعار الرمل في كاليفورنيا، كان بسبب مظاهرات الدعم الشعبي السوداني للقمة العربية في 67م. إن العدوان الجوي الإسرائيلي على سوريا مرتين خلال هذا الأسبوع، كان يتطلب أن تتجه المعارضة السورية نحو الحكومة وتشترط انها ستوقف القتال إذا عادت سوريا لقتال إسرائيل دفاعاً عن الجولان. ولكن مسلمي وأعراب هذه الأيام الذين تنبأ بهم المعصوم في الحديث الشريف «توشك الأمم أن تتداعى عليكم كتداعى الأكلة على قصعتها»، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت». تداعيات التبعية العربية الإسلامية على السودان: لا يخفى أن استهداف الإمبريالية لشعب السودان حساب قديم تجري تصفيته منذ ان بدأت طلائع خريجي المدارس المدنية والعسكرية النضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني بانتفاضة 1924م التي جمعت بين المظاهرات السلمية وإرسال طلبة المدرسة الحربية لرسالة للإنجليز تفيد بأنهم إن لم يسمحوا بالحريات العامة فإن العمل العسكري خيار على طاولة الشعب السوداني. ويومها أدرك الإنجليز ضرورة إبعاد العسكريين عن السياسة ومواجهة الشارع السوداني بخلق تيار محافظ يتفاهم معهم للوصول لمخرج الاستقلال. لقد علم السودانيون بسبب جذور حضارتهم الضاربة في أعماق التاريخ ان الاحتجاج المدني المنظم هو الذي يفرض التوازن على ارادة التغيير على النخب الحاكمة أجنبية كانت ام وطنية. وارادة التغيير الآن هي أن تتعلم النخبة في المعارضة والحكومة الفرق بين الشراكة والتبعية للقوى الدولية، وأن تتعلم أن السيادة الوطنية التي تربى الشعب السوداني على احترامها وتقديسها ليست موضوع مساومة مع الجيران او الأصدقاء او الخوف من إغضاب الأعداء. فمن تعاقبه حكومة الولاياتالمتحدة بمنعه من أسواق العملات العالمية «صندوق النقد الدولي والبنك الدولي» وتقاطع مصارفنا الوطنية بوضع مرتبات موظفي السفارة في حاويات لتخلق سوقاً موازياً يجعل التضخم يقضي على الأخضر واليابس وتستثني الصمغ العربي من المقاطعة لتقوم الحركات المسلحة بنهبه وبيعه للشركات الامريكية في بلدان الجوار، كل هذا والحكومة لا تتخذ أية قرارات ضد صاحبة الجلالة، وكأنما السيادة على سلعة الصمغ للولايات المتحدة وليس السودان. أما المعارضة عامة والمسلحة على وجه الخصوص الطرف الثاني في سياسات شد الأطراف التي تمارسها الولاياتالمتحدة بتحالف وتنسيق مع اسرائيل. والمعارضة تعرف تماماً ان شعب السودان الضارب في التحضر وسلاحه المجرب هو الإضراب السياسي المنظم او الانتفاضة الغاضبة والتي تشل يد الدول الغاشمة فتفتح الطريق لمفاوضات بين الجيش والأحزاب السياسية لفترة انتقالية، تعلم هذه المعارضة أن عمل مليشيات الارتزاق لا يكسبها احترام الشارع السوداني. كذلك هناك فارق جوهري بين قوى الثورة المسلحة وقوى الثورة المضادة المسلحة «وتسمى قوى ثورة مضادة لتضادها مع مصالح المواطن وعدم تقديمها للشرعية الثورية، وهي الزحف البطيء والمتطور «البندقية في يد والمنجل والمطرقة في اليد الأخرى»، وليس تجنيد قوات مرتزقة يجري تدريبها واعدادها بواسطة اجانب ثم تنداح في هجوم خاطف قصده تليين موقف الحكومة اليمينية المرتمية في أحضان الإمبريالية لتعطيهم جزءاً من السيادة الوطنية أي المحاصصة ليستمر التحالف الجديد في حضن وكنف الإمبريالية. هذا ما حدث منذ نيفاشا ويتكرر مع حكومة الجنوب، ويتكرر مع الحركة الشعبية، ويتكرر في دارفور. أما القوى السياسية التقليدية فهي تنتظر إما دور ثانوي كما حدث في نيفاشا في المحاصصات او دور رئيس عند انتفاضة الشارع. إن الأزمة الوطنية تراوح مكانها بسبب عزلة النخبة السياسية عن حركة الشارع الوطني، فالمواطن عزف عن هذه النخبة لأنها لا تقاوم لصالح السيادة الوطنية وتستسلم لكل من يدفع لها ولو الفتات، وما حدث من صراعات مراكز القوى في دارفور وأبيي، وقد أكد شعب أم روابة على وعي المواطن في رفضه لممارسات المعارضة المسلحة . إن المخرج للحكومة والمعارضة هو احترام السيادة الوطنية وخلق برنامج حد أدنى وطني قاعدته عدم الاسقتواء بالأجنبي، ووقف إهدار الموارد الوطنية لصالح اليمين الأمريكي وقاعدته الإسرائيلية.