لم يعد سراً أن العديد من الجهات الرسمية وشبه الرسمية باتت تتحين الاوقات التي يتزاحم فيها اهل السودان، فتسعى لاستغلال تلك الأحيان لتحقق مكاسب وأرباحاً خرافية في «أيام معدودات»، وبسبب من ذلك ظهرت بالبلاد خلال العقدين الماضيين ظاهرة الاتجار في الحج والعمرة والاتجار في أضاحي عيد الفداء، والاتجار في سكر ومستلزمات شهر رمضان المعظم، ولو وجدوا سبيلاً للاتجار في دخول المسلمين الى المساجد لأداء الصلوات الخمس لما ترددوا لحظة. والغريب أن مثل هذه السلوكيات تتم باسم الدين وفي وجود علماء لهم شهرة وصوت عالٍ في تبيين حقيقة المناسك وضرورات حماية قدسيتها من عبث المنافقين. صباح الخميس الماضي نقل تلفزيون أم درمان بتوجيه من محمد حاتم ما أطلق عليه المؤتمر الصحفي للإعلان عن ضوابط الحج للعام الهجري 1434، حيث ذكر مدير الادارة العامة للحج والعمرة التابعة لوزارة الارشاد والاوقاف، انهم فرغوا من الترتيب لتقديم الخدمات ل «32» الف حاج سوداني تم توزيع الحصص عليهم حسب الولايات، وذكر تلك الحصص بالنسبة المئوية، وقد اشتملت على مفارقات واضحة سنتعرض لها في حينها، ثم أنه ذكر ضمن حديثه انهم استحدثوا هذا العام خدمتين جديدتين مما سيضاعف مبلغ الحج ليصبح حوالى عشرين مليون جنيه سوداني، والخدمتان هما إدخال قيمة الهدي للحاج ضمن شيك الاعاشة، وادخال قيمة «الزي الموحد» الذي أعلنت عنه الادارة العامة قبل ايام فقط من بدء الإجراءات، وذكر المطيع أن الرسوم الحكومية التي سيتم تحصيلها من كل حاج من ال «32» الف حاج عبارة عن مبلغ ثلاثمائة او اربعمائة جنيه سوداني، ثم أبان أن قيمة تذكرة الطيران من الخرطوم الى جدة بحسب ما اتفقوا عليه مع الخطوط الجوية السودانية وبعض الشركات المنتقاة، بحيث أصبح سعر التذكرة ثلاثة آلاف وسبعمائة الف جنيه، وهو مبلغ خرافي بالطبع ولا يمكن أن يعبر عن القيمة الحقيقة للمسافة بحسب أسعار ومعايير الطيران الدولي، وعلى الحجاج أن يفهموا أنه بمقدور اي واحد منهم حجز تذكرة من أية خطوط طيران بمبلغ يقل كثيراً بمقدار النصف عن ذلك المبلغ المفروض، شريطة أن ترفع الادارة العامة للحج والعمرة يدها تماماً عن القيام بدور الوسيط «قاطع التذاكر». والمدهش في تكلفة الحج لهذا العام أنها قفزت بلا سبب من اربعة عشر الف الى عشرين ألف جنيه هكذا، والمستغرب أكثر أن تكلفة اسكان الحاج الواحد اصبحت بقدرة متنفذين تعادل نسبة 26% من قيمة شيك الحاج، اذا اضفنا اليها نسبة 19% قيمة التذكرة المذكورة وقيمة «الزي الموحد» الذي يريدون تأهيل شركات لخياطته وهو طبعاً ليس لباس الاحرام الذي يرتديه جميع الحجاج وليس «جلابية سودانية» مثل تلك التي يحملها جميع الحجاج من بيوتهم حينما يقصدون الاراضي المقدسة، وانما هي «زي موحد» وعليهم ان يدفعوا قيمته للشركات ذات الحظوة خصماً من ذلك الشيك المستهدف دوماً وابداً. وتحدث في المؤتمر وزير الإرشاد وقال انهم استأجروا «عمائر» داخل مكة والمدينة من اصحابها لايواء الحجاج، دون أن يوضح الكيفية التي تم بموجبها إعلان وإرساء عطاءات ايجارات تلك العمائر والأسعار التي اتفقوا عليها مع اولئك الناس، ومدى معقوليتها ورحمتها بجيوب وشيكات الحجاج. واللافت في المؤتمر الصحفي المذكور أنه شهد غياب وكيل وزارة الإرشاد والأوقاف المعين أخيراً من قبل رئيس الجمهورية، بالاضافة الى غياب اغلب مناديب الصحف وراصدي الاخبار، اللهم الا من بعض الإعلاميين الرسميين من التلفزيون وسونا، وقد تحدث بعضهم موجهاً الخطاب الى الوزير مستفسراً عن «مركز الخدمات الإعلامية» المصاحب لبعثة الحج وجحافلها، وما إذا كان من الممكن تجهيزه بالمعدات اللازمة لمساعدة «الصحافيين والإعلاميين» وتمكينهم من نقل انجازات بعثة الحج وما شابه ذلك، ولعل غياب الصحافيين وكتاب الاعمدة يعود الى عدم تعميم الدعوة لحضور المؤتمر خشية الاسئلة الكاشفة، خصوصاً أن بعضهم أفلح في ضمان حضور ممثل سفارة خادم الحرمين الشريفين ليبدو وكأنه مع الموجة الرسمية الرامية الى سياقة موسم الحج الى وجهة وطريقة محددة، الأمر الذي يزيد من التساؤلات حول إمكانية العودة بمناسك الحج الى سابق عهدها حينما كان جد النبي صلوات الله وسلامه عليه يسمى «اللات» لاشتهاره بلت العجين وتقديم الطعام لضيوف الرحمن دون من ولا أذى ولا اتجار.