كان من المقرر أن أخصص هذه الصفحة في هذا العدد، للحديث عن خريجي الجامعات المصرية، الذين يخوضون الانتخابات هذا العام. قلت لزملائي في الصحيفة، خريجو الجامعات المصرية من الطلاب السودانيين، يصدق عليهم ما ذهبنا إليه في الحديث عن دائرة اتبرا: (مختلفو السيوف إلا الضرب متساوٍ). (اذ ادعوا جاءت الدنيا مصدقة واذا دعوا قالت الأيام امينا) ٭ ولكن نقدر.... فتضحك الأقدار، ونحتفي باللحظات الجميلة، فيواجهنا (الموت)، وجها لوجه، ولا نملك إلا أن نمتثل لقضاء الله، ونعم بالله ولا حول ولا قوة إلا بالله. ٭ أشهد الله وأنا أرتب الصفحة ، قلت فلأبدأ ب (أنبلهم) ،وأكثرهم وسامة، وأعمقهم تناولا، وأسلسهم حروفاً. ٭ كان عليّ ،لأسباب مركبة أولها (الذاتي) ،أن أبدأ برأس القائمة النسبية للحزب الاتحادي الديمقراطي بولاية الجزيرة، بشقيقي الذي لم تلده أمي ، وصديقي ورفيق دربي، الذي تقاسمنا معاً نصف الرغيف ونصف السيجارة والكتب المستعارة، الشقيق الرفيع (أبو المعالي عبدالرحمن احمد الفكي)، لكن وبالفجاءة، ويا للفجيعة ، حمل إليّ الهاتف الجوال (لعنة الله على الهاتف الجوال)، خبر وفاته في حادث حركة مشؤوم ، وهو في طريقه من كوستي إلى سنار حيث يشغل هناك حقيبة وزير الحكم المحلي والخدمة العامة. أبو المعالي عبدالرحمن، ابن (أم سنط) الجميل، جاءنا في القاهرة بكل خضرة وجمال أم سنط ، وظل بيننا في القاهرة، واحداً من أعمدة رابطة الطلاب الاتحاديين الديمقراطيين، ورمزاً من رموز الحركة الطلابية السودانية ، عطاؤه واسهامه امتد من كليته (كلية زراعة عين شمس) ليغطي ساحة العمل العام على امتداد جمهورية مصر العربية، وجامعاتها ، ودور اتحاداتها وصحفها الحائطية، وأركان نقاشها ، وأمسياتها الشعرية، ومساجلاتها الفكرية والفلسفية. فلقد كان أبو المعالي واسع الاطلاع وموسوعي الثقافة، وذا اهتمام عميق بقضايا الفكر والفلسفة وكان شاعراً..يحمل ريحان الحرف الشفيف، تتلاقى أمام بوابة ابداعه مرايا ومرافئ، وأركان للريح والنخيل والأرخبيلات، والجرح والشفاء، والعصافير واليمام، بين يديه تبحر القصيدة حاملة استدارتها ، وتتدلى حروفه من سقفها الماطر الملئ بغوايات الشعر الأخضر. وكان سياسياً من الدرجة الأولى ذاق في سبيل الوطن المعتقلات والمنافي، وكان دوما يعلي من القضايا الوطنية معتدا بالقيم العليا. ٭ وكان خطيبا ومفوها ومتحدثا بارعا، يسحرك بحديثه وانفعالاته في الحديث. ٭ وكان .. وكان... وكان... ٭ له من كراسات الشعر، ما هن تحت الطبع، وسبق أن أصدر ديوانه «سأكتب أو ستكتبني حروفي». وأغنى المكتبة السودانية، بعدد من الكتب منها: «الصراع حول السلطة ومستقبل الحكم في السودان»، من جزئين، و«كي لا ننسى»، وله تحت الطبع «أزمة الممارسة السياسية السودانية». والشقيق الراحل أبو المعالي رغم مسؤولياته التنفيذية، كان يعد لمناقشة رسالته للدكتوراة، وقد سبق أن نال درجة الماجستير عن أطروحته في التنمية الاقتصادية والتخطيط الاستراتيجي. ٭ وتقلد أبو المعالي مجموعة من الحقائب الوزارية بولاية سنار منها الحكم المحلي، والتخطيط العمراني، والصحة، كما سبق أن عمل محافظاً بالرئاسة بولاية نهر النيل. ٭ أبو المعالي متزوج من رفيقة دربه «سوزان عباس كنين» وترك من الزغب الحواصل: رابعة ورنا والشريف زين العابدين. ٭ رحل أبو المعالي والغيم لا يحتمل الإنتظار