سنار: مصطفى أحمد عبد : مجتمع سنار كغيره من المجتمعات العشائرية مازالت ظاهرة الشعوذة تحتفظ بمكانتها داخله، حيث يرتفع الإقبال على المشعوذين للتداوي من الأمراض العضوية والنفسية، ورغم تقدم الطب ومراكز التشخيص الا ان هناك اعداداً كبيرة مازالت تنتظر الفرج من الوصفات الشعبية على يد اشخاص أميين يستخدمون أصنافاً من الأعشاب والمحايات والبخرات والعروق لعلاج الأمراض الشائعة، ولا تخلو مجالسهم من المتعلمين وحملة الشهادات لاستطلاع حظهم أو بهدف التسلية والفضول أو من انسدت فى وجهها ابواب الزواج لظنها ان الشيوخ قادرون على خلاصها من «البورة» رغم ان البعض يرى فى زيارة الشيوخ والتبرك بهم حلولاً لمشكلاتهم الزوجية. ويظهر تأثر بعض اهالى سنار بهذه الطقوس في أحاديثهم وتعاملاتهم اليومية، وقد استغل الدجالون تأثر الناس بهذه العادات للترويج للوهم والدجل وادعاء علم الغيب ومعرفة المستقبل والقدرة على إيجاد حلول ناجعة لكل المشكلات الحياتية والعلاج من الأمراض المستعصية، ونتيجة لذلك ارتفع الإقبال على بيوت الشيوخ المشعوذين والسحرة. وتشكل أحياء سنار الشعبية مكاناً رحباً لممارسة الشعوذة وبيع لوازمها من اعشاب وبخرات.. وتقبل النساء خاصة الميسورات من خارج سنار على بيوت المشعوذين بحسب الشهرة الذين يلجأون للسماسرة لجلب الزبائن اليهم والترويج لخدماتهم وتأكيد ان سرهم باتع.. وبالفعل استطاع هؤلاء السماسرة نقل السحرة والدجالين من الأوكار المظلمة إلى واجهة المجتمع وتقديمهم فى صور خرافية ونشر ارقام هواتفهم، ليتواصل الناس معهم ويجيبوا على استفساراتهم ويتنبأوا لهم بالمستقبل. ويدفع الراغبون فى الاطمئنان على مستقبل حياتهم وحياة اسرهم اموالا طائلة من اجل الحصول على استشارات الفكى او الشيخ الذى يبرع فى اقناع ضحاياه بأنه قادر على عمل السحر والعلاج اللازم من العين والسحر وجلب الحظ والرزق الواسع والحب واعطاء وصفات للشفاء من الامراض وتحقيق هذه الآمال واسعاد الموهومين. وبالرغم من الاموال الكبيرة التى يجمعها شيوخ الوهم والخديعة، فإنهم يفضلون الظهور بمظهر البساطة، ويسكنون فى منازل مشيدة من القش والطين تفوح منها رائحة البخور وبداخلها ادوات الشعوذة من اعشاب وبقايا رؤوس حيوانات محنطة، وسبح وجلود نمور وتماسيح واسود وغزلان. وإن كان عوام الناس يذهبون إلى منازل العرافين فإن المشاهير يحرصون على احضارهم إلى منازلهم «مع التفاعل البطيء للسلطات مع الظاهرة»، وذلك حفاظاً على سمعتهم التي قد تتضرر كثيراً بسبب علاقتهم بهم، كما تحرص بعض العائلات فى خارج السودان، كما روى لى احدهم، على استضافة الدجالين والعرافين فى منازلهم وتوفير التذاكر ذهاباً وإياباً، وعمل الزيارات للشيوخ الذين يدعون علم الغيب وعمل السحر والقدرة على علاج الأمراض، ويقول الرجل فى ذلك: لا نتردد في الانتقال إلى منزل زبون مهم حاملين «عدة العمل» طالما أن الأمر يستدعي ذلك، حيث يصعب على بعض الزبائن الجلوس لانتظار دورهم وسط حشد من الناس. وعن التكلفة الكلية للعمل يقول محدثى، انه غالباً ما يتم دفع بياض وجرورات لجلب بعض الحاجات الضرورية لاتمام العمل، منها موية مطرة لسنة معينة، وادوية معينة تشترى من العطارة. وفي هذا التقت الصحيفة بإمام مسجد الانصار الذى يشير الى ان الرسول «ص» قد قال: من أتى عرافاً وصدقه كفر بما أنزل على سيدنا محمد. وان هنالك خوفاً من الجن والحسد فى الاوساط الشعبية. ويحدثنا احد مرافقى المرضى الذي كان يتردد على بيت احد الدجالين ..انه تم الاتفاق على ان يدفع الضحية مبلغاً من المال نظير الكشف عليه وتحديد مشكلته، وبعد عمل اللازم تم تشخيص الحالة بأن الضحية معمول له عمل، ولإبطال هذا العمل عليه أن يدفع مبلغاً كبيراً من المال، وبعد ان تم سداد المطلوب تم تسليمه طيناً وشعراً وعظماً حيوانياً، وعند عودته لمنزله كانت فى انتظاره زوجته التى اعلمته انه وقع فريسة نصاب، لأن الطين مازال لينا فى اشارة لخلطه بالماء حديثاً، ورجع بدوره الى الدجال واستل سكينا كانت فى يده مهددا الدجال بأن يخبره بأصل الحكاية والا فليدفع حياته ثمنا لهذا الخداع.. فأجاب الدجال طالباً السترة لوجود حشد كبير من الزبائن فى انتظار الدخول، وقال إن هذا اكل عيشه، وتم ارجاع المبلغ المدفوع نظير الصمت المطبق.