هل جازفت يوماً وسألت أقرب عابر سبيل عن ماهية القائمة الحزبية وقائمة المرأة؟ وهل تماديت أكثر وسألته عن الفرق بين القوائم البرلمانية وقوائم المجالس التشريعية الولائية؟ الإجابة قطعاً ستكون سالبة، وإن كان هذا حال مواطن المدن، فكيف يكون الحال في أحراش الجنوب وفيافي الشمال وهضاب الشرق ومعسكرات دارفور..؟! أكاد أجزم أن بعض الكوادر الوسيطة في الأحزاب لا تملك إجابات لمثل هذه الطلاسم التي لا قبل للناخب السوداني بفهمها. فهذه القوائم تم استنباطها باعتبارها بديلاً لدوائر الخريجين أو القوى الحديثة، والغرض منها كما جاء في الحيثيات إتاحة الفرص للأحزاب الصغيرة والمرأة لكي تجد حصة في مقاعد البرلمان والمجالس التشريعية الولائية، وفقاً لمعايير التمثيل النسبي. وهكذا تم تخصيص نسبة «25%» من المجالس التشريعية والولائية للمرأة، ونسبة «15%» للقوائم الحزبية. ولا أرى سبباً وجيهاً في تخصيص «25%» من تلك المقاعد للمرأة.. ليس عنتاً وتقليلاً من شأن المرأة السودانية بل على العكس، إذ أرى أن هناك امتهاناً للمرأة في مثل هذا التخصيص، فسيدات السودان ونساؤه المجاهدات ظللن في طليعة العمل الوطني والسياسي منذ قيام الدولة المعاصرة، وكفى السودان فخراً أنه يضطلع بالريادة في العالمين العربي والأفريقي في هذا المجال. فأول نائبة برلمانية كانت من السودان، وكذلك أول نساء يمتهن القضاء حتى وصلن الى المحكمة العليا، إلى جانب ولوجهن للقوات النظامية وحصولهن على أعلى الرتب، وفوق هذا كله يصنف السودان من أوائل الدول التي حصلت فيها المرأة على حق الانتخاب. إن تخصيص «كوتة» للنساء في البرلمان يظل سمة من سمات الأنظمة الشمولية المجاورة لنا، وهي أنظمة ترى في الكتلة النسوية للمجتمع رصيداً سالباً وجاهلاً يمكن توظفيه لمراكمة الحصاد الانتخابي للأحزاب الحاكمة في تلك الأنظمة الشمولية. إن النخب المتعلمة والوافرة من نساء السودان يملكن عقلاً راجحاً وحصافة سياسية تكفل لهن المزاحمة حول مقاعد البرلمان، ولسن بحاجة لهذه المنحة الذكورية والتفرقة البايولوجية. وبالعودة إلى ضآلة الفهم السياسي وسط الناخبين لتعقيدات الانتخابات المقبلة، فأنا أرى قصوراً بائناً من جانب المفوضية وأجهزة إعلامها في تكثيف الجرعة الإعلامية بشأن هذه التعقيدات. فماذا يضير المفوضية لو أنفقت بعضاً من ملايين الدولارات التي تدفقت عليها في انتاج أفلام تسجيلية توضح آلية الانتخابات ببطاقاتها المتعددة والمعقدة؟وماذا يضير أجهزة الإعلام «القومية» لو تناولت هذا الأمر بدلاً عن الترويج لمرشحى الحزب الحاكم..؟!