خنق الحريات بمصر.. دائم أم مؤقت؟ القاهرة : وكالات إن هي إلا ساعات قليلة، أو ربما دقائق، بعيد إعلان عزل الرئيس محمد مرسي، حتى كانت سهام أجهزة الأمن المصرية تتناوش المحطات الفضائية، إيقافا للبث، ومصادرة للأجهزة، واعتقالا للصحفيين، تزامن ذلك مع حملة اعتقالات غير مسبوقة بحق السياسيين، منذ أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك. حملة وقف البث تلك ومصادرة الأجهزة طالت قناة «مصر25» الناطقة بلسان جماعة الإخوان المسلمين التي قدم من صفوفها الرئيس المعزول، إضافة إلى قنوات دينية أخرى مثل «الناس» و»الرحمة» و»الحافظ» و»الشباب». كما استُهدفت «الجزيرة» بفروعها العربية والإنجليزية والجزيرة مباشر مصر، في حملة شملت اعتقال موظفيها مؤقتا ومصادرة أجهزتها للبث. وقد أمرت النيابة العامة لاحقا بضبط وإحضار مدير مكتب الجزيرة بالقاهرة عبد الفتاح فايد للتحقيق معه. أما موجة الاعتقالات فشملت خيرت الشاطر ورشاد بيومي نائبي المرشد العام للإخوان، وسعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة المنبثق عن الجماعة، ومحمد مهدي عاكف المرشد السابق لها، والداعية البارز حازم أبو إسماعيل، فضلا عن آخرين. وقد ذكرت صحيفة «الأهرام» الحكومية المصرية أن قوات الأمن أمرت باعتقال ثلاثمائة عضو في تنظيم الإخوان. اللافت في الأمر أن كل تلك الإجراءات تمت بالرغم من إعلان وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة المصرية السيسي في بيان عزل مرسي عن «ميثاق شرف إعلامي» ضمن خريطة الطريق المعلنة. فهل تمثل تلك القرارات أحد ملامح المرحلة الحالية بشأن تعاطي حكام مصر الجدد مع الإعلام وقضايا الحريات عموما، أم هي مجرد «إجراءات ثورية» اقتضها طبيعة المرحلة؟ المفكر العربي عزمي بشارة في تغريدة له على تويتر قال إنه «للحقيقة والتاريخ أن مرسي لم يأمر بإغلاق حتى القنوات التي كانت تتعرض له ببذاءة، ولا إعلام الفلول السفيه، على عكس ما يجري الآن». وفي تغريدة أخرى يضيف «للحقيقة والتاريخ أن مرسي لم يعتقل أيا من معارضيه، في حين يعتقل هو وقيادة حزبه الآن وسط تأييد أو صمت معارضيه». وفي تصريح للجزيرة نت عبر الهاتف اعتبر مؤيد اللامي عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي للصحفيين ما جرى «شيئا غريبا ومخالفا لكل المعايير الدولية المهنية»، ودعا، باسم الاتحاد، السلطات الجديدة بمصر إلى إعادة فتح القنوات والمؤسسات الإعلامية بأسرع وقت، وأشار إلى أن الاتحاد يجري الآن اتصالات مع تلك السلطات بشأنها. وفي المقابل، ورغم تشديده على رفضه «مبدأ» إغلاق القنوات وإيمانه الذي «لا تزعزع» بقضايا الحريات والانفتاح، يبدى حاتم زكريا الأمين العام للاتحاد العام للصحفيين العرب تفهمه لتلك الإجراءات طالما أنها تتم في «مرحلة سريعة مؤقتة»، ويرفضها «لو كان فيها ديمومة»، ويشير إلى أن تلك القنوات يجب أن تعاد بعد هذه المرحلة «في إطار قواعد جديدة متفق عليها». وبشأن خلو أيام مرسي من عمليات المصادرة والإغلاق، يشير إلى ورقة قال إن نقابة الصحفيين المصريين وزعتها وأشارت فيها إلى «خروقات وانتهاكات كبيرة أيام مرسي». من ناحيته يرى الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز أنه «يمكن تفهم الدوافع وراء هذا القرار في إطار المحاولة الوقائية للحد من الأضرار العامة لبعض ممارسات تلك القنوات التي اتخذت منحى تحريضيا»، مشيرا إلى أنه «من المهم عودة تلك القنوات للبث بمجرد انتهاء المخاطر التي تحدق بمصر الآن». ويعتقد عبد العزيز أن ما جرى من اعتقالات ليس تضييقا للحريات وفق ما تقول السلطات «وإنما هو توقيف مطلوبين من قبل النيابة العامة في قضايا محددة».وتوافق الصحفية بجريدة الوطن المصرية هبة صبيح، عبد العزيز في ما ذهب إليه، وتقول إن ما جرى «يحمي الشعب المصري من شرور قنوات كانت تثير الفتنة بين المسلمين والمسيحيين». بيد أن مؤيد اللامي لا يوافق على تلك «المبررات» ويطالب -في حال وجود اتهامات من ذلك القبيل- بتقديمها للقضاء لتدافع عن نفسها أمامه، لا أن تعلق بقرار سياسي كما يقول صحف إسرائيل: الحل .. مبارك أقل فسادا القاهرة : وكالات أبرزت الصحف الإسرائيلية الصادرة امس ما عدتها حالة فوضى في مصر بعد عزل الرئيس محمد مرسي الأسبوع الماضي، ورجحت أن تستمر هذه الحالة لفترة طويلة، ورأت أن الحل يكون في «مبارك جديد» لكن أقل فسادا، في إشارة إلى الرئيس السابق حسني مبارك. ففي تعاطيها مع التطورات والحشود الميدانية التي أوقعت قتلى وجرحى، تحدثت صحيفة يديعوت أحرونوت عن «حرب أهلية» و»دم ونار وأعمدة دخان»، مفضلة في افتتاحيتها الفوضى على سيطرة جماعة الإخوان المسلمين. ووفق يديعوت، فإن عدم الاستقرار الحالي في مصر أفضل من الاستقرار في حكم الإخوان المسلمين، واصفة نظام الجماعة التي صعدت إلى الحكم عقب إسقاط نظام الرئيس السابق حسني مبارك «المستبد» بأنه نظام «مستبد لحركة إسلامية فاشية». واتهمت الصحيفة الإخوان المسلمين بالعمل خلال السنة الماضية للقضاء على المؤسسات «الهشة أصلا للديمقراطية المصرية الضعيفة» وأنهم لم يُجهدوا أنفسهم في إحداث تحول في الاقتصاد المصري. واعتبرت يديعوت أن المعركة المصيرية بين ما أسمتها السياسة المدنية والسياسة الدينية التي وصفتها بالمتطرفة على مستقبل العالم العربي لم تُحسم بعد، لكنها تجري بكامل القوة على الأقل. من جهتهم، رجح كتاب الصحف الإسرائيلية استمرار حالة عدم الاستقرار، ورأى تشيلو روزنبرغ في صحيفة معاريف أن حالة الفوضى ستبسط على مصر لزمن طويل، «إلا إذا جاءت المساعدة من الخارج»، وهو أمر يستبعده الكاتب ويقول إن الحديث عن مستقبل أفضل «تخمين جيد مثل كل تخمين في اليانصيب». ورأى روزنبرغ أن مصر «توجد في وضع فظيع من ناحية اجتماعية واقتصادية» وأنه لن يكون بإمكان مرسي أو أي زعيم آخر سيأتي قدرة على حل أزمات مصر في سنة أو سنتين. وتوقع استمرار خروج الملايين إلى الشوارع كما خرجوا ضد مرسي وأن يتدهور الوضع «إلى فوضى مطلقة». أما رؤوبين باركو، فاعتبر في صحيفة «إسرائيل اليوم» أن العرض الحقيقي في مصر لم يبدأ بعد، وأن ما يجري الآن هو «فقط تمهيد لما سيأتي من أحداث خطيرة»، مشيرا إلى أن ثورة الإخوان المسلمين المضادة تحشد زخما في ميادين مصر.وتحدث الكاتب عن صدمة قادة الإخوان «على أثر الانقلاب العسكري الذي وقع عليهم» وأن هذه الصدمة تحولت إلى «غضب طاغٍ»، مشيرا إلى الاعتقالات بحق قيادات الجماعة ومداهمة مكاتب الجزيرة ومصادرة معداتها.وأشار الكاتب الإسرائيلي إلى ما عده تدهورا سريعا في اقتصاد مصر وغياب الاستثمارات والسياح، مشيرا إلى حالة عدم الاستقرار في سيناء، وأن العرض الحقيقي في مصر لم يبدأ بعد. وفي ذات الصحيفة، اعتبر «بوعز بسموت» أن الثورة المصرية التي بدأت في يناير 2011 ما زالت في ذروتها، وأن حسني مبارك ومرسي أنهيا دوريهما، وسيبقى الجيش هو الممثل الرئيس إلى نهاية المسرحية، حتى بعد أن يصعد إلى المسرح رئيس جديد. وحسب بسموت فإن رسالة «ثورة» القاهرة الثانية هي أن «الديمقراطية مرغوب فيها، لكن بشرط أن يفوز الطرف الصالح»، والإخوان المسلمون «هم الطرف الشرير» كما كانت الحال في الجزائر في يناير 1991 بالضبط. ويعتقد بسموت أن مصر ستعود إلى عظمتها «فقط إذا أصبحت نموذج مسار ديمقراطي وعاد المدنيون إلى تولي قيادة الدولة»، لكنه يعد ذلك مستبعدا وعليه «فإن من سيُخلص العجلة المصرية من الوحل سيكون مبارك جديد أكثر ملاءمة لروح العصر (أكثر ليبرالية وأقل فسادا)». واعتبر أن رئيس أركان الجيش المصري السابق، سامي عنان، مرشح مناسب لمنصب الرئيس من بين أولئك الذين نحوا مبارك، مضيفا أنه سيخلع بزته العسكرية ويصبح الجميع راضين عنه ما عدا الإخوان المسلمين كما كانت الحال بالضبط في عهد مبارك. أحداث مصر تهيمن على الصحف البريطانية هيمن تسارع الأحداث في مصر عقب عزل الرئيس محمد مرسي على مقالات وتقارير الصحف البريطانية من تأمل لما يحدث ومحاولة لتحليل الموقف، وأن هذه الفوضى شقت الصف الإسلامي، واستمرار الصدامات وسط جهود متعثرة لتشكيل حكومة جديدة، ودعوة من الإسلاميين لانتفاضة شعبية. فقد استهلت صحيفة إندبندنت مقالها بأنه ليس هناك ما يدعو للابتهاج من سقوط الرئيس مرسي، وعبرت كاتبة المقال، وهي مسلمة مهاجرة تعيش في بريطانيا، عن مشاعرها المختلطة إزاء العزل السريع للحكومة الإسلامية بعد سنة فقط في السلطة. ورغم مقتها الشديد لفكر جماعة الإخوان المسلمين فإنها رأت اختلافا كبيرا يجري في القاهرة في الوقت الحالي، وأن العديد من المثقفين المكتئبين يرون أن البلد سرعان ما يكون مثل إيران وأن فوز مرسي كان ضربة لهم. وأشارت الكاتبة إلى أن سبب عدم ابتهاجها بسقوط مرسي هو الطريقة التي يطارد بها حزبه الآن وهذا التنازل المفاجئ والسريع عن المبادئ والممارسة الديمقراطية الجوهرية. وقالت إن الانتخابات الديمقراطية لن تثمر دائما النتائج التي يريدها الديمقراطيون المخلصون، وهذا هو الثمن الذي يدفعه الناس لهذه التسوية السياسية الناقصة ولكنها الأكثر شمولية. وترى الكاتبة أن من الخطأ عزل وإقصاء فصيل مصري شعبي من السلطة، مثلما حدث بمعاقبة الفلسطينيين على تصويتهم لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). وقالت إن هذا الأمر سيبعد جماعة الإخوان المسلمين عن صندوق الاقتراع ولن تنعم مصر بالأمن مرة أخرى. وأضافت أن ربيع مصر يبدو أنه بدأ يتحول إلى ظلمة ويفقد بوصلته، وهذا يجعلها غير مطمئنة وخائفة. وتشير الكاتبة إلى مدى السذاجة التي عاشها الجميع عندما بدأ هذا الربيع بأول سقوط مثير لحاكم عربي مستبد في تونس عام 2011 والانتفاضات التي تبعته في أماكن أخرى وأنه كان فجرا جديدا لأولئك الملايين الذين لم يعرفوا غير القمع. لكن الأمر للمتفرجين من بعيد -أمثالها- بدا مغايرا. فهذه ليبيا التي كانت انتصارا كبيرا للغرب منقسمة وتعيش حالة من الدموية، وسوريا تعيش في معاناة ليس لها نهاية قريبة مع تمسك الأسد بالسلطة، بينما الطائفية والتعصب الديني يقسم المعارضة ويحولها إلى وحوش مثل النظام. وترى الكاتبة أن كل ما يمكن وما ينبغي أن يفعله الغرب الآن هو الترقب والأمل في أن تعود مصر إلى الحكم المدني، وأن أي تدخل آخر علني أو خفي لن يساعد في ذلك. وكتب تحليل آخر بنفس الصحيفة أن فوضى ما بعد مرسي هي اللحظة التي كان ينتظرها حزب النور السلفي الذي تشكل بعد ثورة 25 يناير 2011. وأشارت الصحيفة إلى تاريخ الدعوة السلفية منذ نشأتها في أواخر السبعينيات وأنها كانت منذ البداية تمتنع عن العنف والسياسة الرسمية وهو ما جعل موقفها مستساغا أكثر للسلطات المصرية التي غالبا ما كانت، بحسب الصحيفة، تستغل الجماعة في تقويض سلطة جماعة الإخوان المسلمين. وأشارت الصحيفة إلى أن الخلاف بين الجماعة السلفية والإخوان المسلمين، رغم توقفه مؤقتا عقب خلع الرئيس السابق حسني مبارك، ظل يحتدم فيما بعد. وعددت الصحيفة بعض هذه الخلافات وقالت إن الخنجر الأخير ربما جاء عندما أعلن حزب النور دعمه لانقلاب الأسبوع الماضي. وفي سياق متصل كتبت صحيفة غارديان أن الصدامات في مصر تتواصل وسط جهود متعثرة لتشكيل حكومة تكنوقراط جديدة ومخاوف من عنف خطير بعد إراقة الدماء التي حدثت الأسبوع الماضي.وأشارت الصحيفة إلى أن الولاياتالمتحدة تبدو في الوقت نفسه ميالة لتنأى بنفسها عن مزاعم أنها تتدخل بطريقة غير ملائمة في الشؤون المصرية. وأشارت أيضا إلى تحذير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء زيارته كزاخستان من أن «سوريا في قبضة حرب أهلية بالفعل ومصر تتحرك في هذا الاتجاه ونود أن نرى الشعب المصري يتجنب هذا المصير». أما صحيفة ديلي تلغراف فقد أشارت إلى أن الإسلاميين في مصر يتعهدون بالدفاع عن مرسي وإعادته للسلطة ويدعون إلى انتفاضة شعبية. هبوط شديد بالبورصة المصرية بسبب الاضطرابات سجلت البورصة المصرية هبوطا شديدا امس بعد دقائق من الافتتاح عقب ورود أنباء عن مقتل وجرح العشرات من المتظاهرين المطالبين بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي أمام مقر الحرس الجمهوري بالقاهرة. وهبط المؤشر الرئيسي للبورصة بنسبة 2.5% بعد أن قال التلفزيون الحكومي إن عدد القتلى وصل إلى 42 وإن 322 شخصا جرحوا في الاشتباكات. وكانت البورصة المصرية شهدت ارتفاعات قياسية في جلسة يوم الخميس بعد يوم واحد من إطاحة الجيش بالرئيس مرسي. وقال مسؤولون أمس إن البورصة لن تطلب من الهيئة العامة للرقابة المالية رفع إجراءات احترازية معمول بها حاليا، وذلك حتى تستقر الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد. وكانت هيئة الرقابة قررت في فبراير 2011 تعليق العمل بآلية الشراء والبيع في الجلسة ذاتها، وتغيير العمل بالحدود السعرية على الأسهم المقيدة بالبورصة، ليصبح الحد الأقصى للهبوط أو الارتفاع 10% بدلا من 20%. وفي مايو الماضي أعادت الهيئة العمل بآلية الشراء والبيع في ذات الجلسة فقط دون باقي الإجراءات. وقال أحد أعضاء مجلس إدارة البورصة إن الظروف السياسية لم تهدأ بعد في البلاد حتى تُرفع الإجراءات الاحترازية.