يوما بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة تزداد الأزمة السياسية في مصر تعقيدا، وهو ما بدا واضحا بعد التطورات المؤسفة فجر اليوم والتي راح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى من المعتصمين عند دار الحرس الجمهوري في شرقي القاهرة للمطالبة بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي إلى السلطة. وأكد الحادث الأخير وما تلاه من ردود فعل تباعد الهوة بين الجانبين، حيث اتهم التحالف الوطني لدعم الشرعية الذي يقوده حزب الحرية والعدالة، المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، قوات الجيش بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين أثناء أدائهم لصلاة الفجر، معتبرا ما حدث «جريمة جديدة للانقلاب العسكري» تضاف إلى ما شهدته الأيام الماضية من اعتقال لسياسيين وحصار لأحزاب وتقييد لحرية الإعلام. وفي المقابل فقد أكد المتحدث باسم الجيش المصري في مؤتمر صحفي عقد اليوم أن الجنود تعرضوا لهجوم من مجموعة مسلحة ودافعوا عن أنفسهم، وقال إنهم يتعاملون مع المتظاهرين بكل حكمة وعقل لكنهم مستعدون لمواجهة أي خروج على القانون مجددا، متهما المتظاهرين باستخدام صور غير حقيقية لتشويه الجيش المصري فضلا عن محاولات للادعاء بوجود انشقاقات داخل صفوفه. في الأثناء تعقد الوضع على الصعيد السياسي، بعدما أعلن حزب النور ذو التوجه السلفي انسحابه من الخارطة السياسية التي تلت عزل الرئيس مرسي وذلك اعتراضا على ما حدث من إراقة للدماء في أحداث الحرس الجمهوري، علما بأن حزب النور كان طرفا رئيسيا في الخارطة التي رعاها الجيش المصري بعدما تدخل لعزل مرسي بدعوى الاستجابة لمطلب ملايين المصريين الذين خرجوا للتظاهر ضده. ويعتقد المحلل العسكري ومدير منتدى الحوار الإستراتيجي عادل سليمان أن الأمر بات شديد التعقيد مؤكدا للجزيرة نت أن الأزمة لا تمضي في اتجاه الانفراج «لشديد الأسف» وإنما نحو مزيد من التصعيد بعد أن بدا الأمر نوعا من مواجهة صريحة بين طرفين أحدهما مؤيدو مرسي والآخر هو القوات المسلحة. وأضاف سليمان -وهو لواء متقاعد- أن الأحداث الأخيرة ساعدت في زيادة مؤيدي مرسي حيث باتوا خليطا من الإخوان وقوى إسلامية أخرى فضلا عن مواطنين عاديين يقلقهم تدخل الجيش في السلطة وما تلاه من إراقة دماء، مؤكدا أن على الجيش أن يدرك هذا التحول وأن يسعى للتراجع معتبرا أن هذا أمر عادي في العلوم العسكرية حيث يجب أن تكون هناك خطة بديلة في حالة ظهور متغيرات جديدة. وحسب سليمان فإن ما زاد من تعقيد الأزمة أن الطرف الثاني في مواجهة مؤيدي مرسي هو الجيش الذي بات طرفا صريحا وتوارت الأطراف الأخرى مثل حملة تمرد وجبهة الإنقاذ وغيرها، وبعد أن كان الجيش هو الطرف الذي ينتظر الشعب تدخله لحل الخلافات بين الأطراف أصبح متورطا هو نفسه كطرف في الأزمة. وعن تصوره للخروج من الأزمة يرى سليمان أنه لا بديل عن التنازلات المتبادلة، ويؤكد أن الحل الوحيد الناجح هو ألا ينتهي الأمر بطرف منتصر وآخر مهزوم، وإلا دخلت مصر في نفق مظلم لا يستطيع أحد التكهن بنهايته. ويتفق المحلل السياسي الدكتور يسري العزباوي مع سليمان في وصف الأزمة الحالية بأنها معقدة وبالغة الخطورة ويقول للجزيرة نت إن ذلك يرجع إلى وصول الاستقطاب والتحزب إلى أقصى درجاته فضلا عن غياب الثقة بين الجميع وكذلك تورط الجيش بشكل غير مسبوق جعل منه لاعبا وليس حكما. كما اتفق العزباوي مع سليمان في أن الحل الوحيد يرتبط بتقديم تنازلات متبادلة من الجانبين، ويشير إلى أن رؤيته للخروج من الأزمة ترتبط أولا بتقديم الجيش تطمينات لمؤيدي مرسي تتضمن عدم الملاحقة وضمان إشراكهم في كل خطوات العملية السياسية الانتقالية بما فيها من انتخابات برلمانية ورئاسية وكتابة أو تعديل للدستور. وفي المقابل فإن على الجانب الآخر أن يتقبل أنه بات من المستحيل عودة الوضع كما كان، وأن مرسي لا يمكن أن يعود إلى السلطة بعدما بات هناك رئيس مؤقت، وأن يدرك هذا الجانب أيضا أن المضي في طريق المواجهة ستكون خسائره كبيرة ومؤثرة. وختم العزباوي بأن على الجيش الاستفادة من درس انسحاب حزب النور من العملية السياسية الحالية وأن يدرك أن المرحلة الانتقالية الجديدة إذا أريد لها النجاح فلا بد أن تكون بمشاركة جميع القوى وتوافقها وأي طريق غير ذلك لن يكون واقعيا أو رشيدا.