ربما لو كان أوباما شاباً سودانياً لكُتِبَ له أن يعيش أعزب عاطلاً عن العمل وعاجزاً عن استئجار بيتٍ للعزابة، بدلاً عن بيته الأبيض الذي يقيم فيه مع زوجته الجميلة ميشيل رئيساً لأقوى دولة في العالم..!! ونحن لا نحسد أوباما على حظه الطيب بقدر ما أننا نحاول إيجاد تفسيرٍ لهيمنة الشيوخ على مواقع السلطة السياسية في بلادنا، مما أصاب سياستنا بالشيخوخة المزمنة! وقد كشفت لنا الانتخابات السابقة عن خللٍ خطير في أحزابنا السياسية التي فشلت في إدارة العملية الانتخابية فشلاً ذريعاً، وعجزت عن التعامل مع الحراك السياسي وهامش الحريات الذي أتاحته تلك الانتخابات، وذلك لبعدها عن شبابها مما خلق فجوة كبيرة داخلها حالت دون تفعيل دور الشباب الذي آثر الابتعاد عن مضمار السياسة بعد شعوره بالإحباط..!! فلو تأملنا في قائمة المرشحين لرئاسة الجمهورية دون غيرها من القوائم، فإننا سندرك تغييب الشباب تماماً عن تلك القائمة العريضة..!! بل جل المرشحين في تلك القائمة هم ممن تجاوز الستين خريفاً..!! محمد إبراهيم نقد 78عاماً، الصادق المهدي 75 عاماً، عبد العزيز خالد 66عاماً، فاطمة عبد المحمود 66 عاماً، كامل إدريس 65عاماً، وكذلك الحال مع عبد الله دينق ومحمود أحمد جحا، حتى البشير الفائز بالرئاسة سيتجاوز السبعين عاماً قبل أن يكمل دورته الانتخابية الحالية..!! فهو من مواليد يناير 1944م، فالمرشح الوحيد من الذين لم يتجاوزوا الخمسين عاماً وله قاعدة جماهيرية جيدة هو ياسر عرمان المولود في أكتوبر 1961م، أي بعد عام واحد سيكمل الخمسين سنة! فهو ما يزال يتمتع بروح وحماسة الشباب، ولكنه انسحب! ألا يعدّ ذلك مخيباً للآمال؟! وحتى رؤساء الأحزاب الكبيرة هم من الشيوخ، فمولانا الميرغني من مواليد سنة 1936م وهو رئيس للحزب الاتحادي الديمقراطي منذ وفاة والده السيد علي الميرغني سنة 1968 وحتى يوم الناس هذا..!! والشيخ حسن عبد الله الترابي رئيس المؤتمر الشعبي من مواليد سنة 1932م. ومن المؤسف حقاً أن تكون أحزابنا خالية من الشباب الفاعل والمشارك، والعلاقة بين أحزابنا وشبابها تقوم على المنفعة التي يقدمها هؤلاء الشباب لقادتهم. فالشباب في المؤتمر الوطني أقوى الأحزاب السياسية في البلاد، هم من يقوم بالدور الأمني والاستخباراتي لضمان بقاء قادتهم في السلطة! ومقابل هذا الدور يحصلون على الأجر المادي، أو التوظيف في الأجهزة والاتحادات الطلابية أو الشركات القابضة. ولا يسمح لهم أبداً بإبداء آرائهم السياسية حتى لو تبوأ الواحد منهم رئاسة اتحاد طلاب إحدى الجامعات..!! فهم ينفذون فقط سياسات معدة سلفاً..!! والغريب أن المؤتمر الوطني يوظف الشيوخ في رئاسة الاتحادات والمؤسسات الشبابية! فالأستاذ الوقور هاشم هارون ذلك الرجل الذي يكسو الشيب الجميل شعر رأسه، هو رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة! والأستاذ محمد يوسف عبد الله المولود بجنوب دارفور في 16/ 8/1957م هو وزير الشباب والرياضة! والشاب الوحيد الذي تولى وزارة حساسة في عهد المؤتمر الوطني هو الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل المولود سنة 1956م، وكان وزيراً للدولة في وزارة الخارجية سنة 1996م فتأمل..!! سمعنا عن شباب الختمية وشباب الأنصار، ولكنها كيانات هلامية لا دور لها في واقع الأمر! وجميع الشباب الذين ينتمون لهذين الكيانين إنما لأنهم ينحدرون من أسر ختمية أو أنصارية، وذلك مما يدعو للخجل أكثر من الفخر! فكيف لشابٍ راشد أن يرهن مستقبله السياسي لفكرة كل ما يربطه بها أنه وجد آباءه يعتنقونها..؟! والشباب الموجود الآن في الحركات المسلحة ما كان ليصلوا إلى مواقعهم القيادية لولا قوة البندقية..!! وبينما يموت الشباب في ساحات القتال يذهب الشيوخ إلى عواصم العالم لعقد المفاوضات..!! والشاب الوحيد الذي استفاد من وضعه التفاوضي هو مني أركو مناوي، ولكن سرعان ما أصبح ألعوبة في يد شيوخ المؤتمر الوطني! وكذلك هو حال شباب الحركة الشعبية مع شيوخها، بل أن شيوخها ذاتهم مغيبون من قبل شيوخ المؤتمر الوطني..!! فلماذا لا يأخذ هؤلاء الشيوخ بيد الشباب لإشراكهم في العملية السياسية؟! لا أظن أن السبب في ذلك هو افتقاد الشباب للخبرة السياسية التي تؤهلهم للمشاركة الفاعلة! وذلك لأن جميع قادة الأحزاب الموجودة بالساحة الآن قد بدأوا حياتهم السياسية وهم دون سن الشباب! فالصادق المهدي كان أصغر رئيس وزراء في تاريخ السودان وعمره لم يتجاوز الواحد والثلاثين عاماً وقتها، مما أثار جدلاً دستورياً! والترابي عندما أصبح الأمين العام لجبهة الميثاق الإسلامي كان عمره 32 عاماً، ومولانا الميرغني عندما خلف والده كان عمره 32 عاماً، وعلي عثمان محمد طه كان رئيساً لاتحاد الطلاب بجامعة الخرطوم، ومن قبلها كان رئيس اتحاد مدرسة الخرطوم القديمة! وحتى البشير جاء للسلطة وعمره 45 سنة! فقبل مجيء الإنقاذ للسلطة كان للشباب دورهم السياسي، وكان طلاب الثانويات يخرجون في مظاهرات احتجاجية ويقولون كلمتهم التي تؤثر في اتخاذ القرار السياسي! ولا عجب في ذلك فالتغيير دائماً كان يأتي من جامعة الخرطوم ومن المدارس الثانوية، مثل حنتوب التي شهدت تكوين الحركة الإسلامية بزعامة جعفر شيخ إدريس! والتي خرجت النميري ونقد والترابي! لقد عاصرنا في جامعة الخرطوم شباباً يتقدون حماساً ونشاطاً أمثال محمد الحسن التعايشي-حزب الامة- رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في دورة 2003م، وترأس الاتحاد من بعده علاء الدين السر- الاتحادي الديمقراطي- ثم أكوت دوت- الحركة الشعبية- والشابة ولاء صلاح الدين- الجبهة الديمقراطية- واستطاع هؤلاء الشباب عبر صناديق الاقتراع أن ينتزعوا الاتحاد الذي كان مجمداً لما يقارب العشر سنوات، واستطاعوا أن يحافظوا عليه قبل أن يأتي طلاب المؤتمر الوطني ويفوزوا به في هذه الدورة 2010م! وقد حافظوا عليه كل تلك المدة لتحالفهم فيما بينهم! وكان بإمكان الشيوخ أن يفيدوا من خبرة هؤلاء الشباب المتحمس لا أن يهمشوهم ويبعدوهم عن المشاركة واتخاذ القرار! لقد تشرد هؤلاء الشباب بعد تخرجهم مباشرة! حيث لا حزب يهتم بهم ولا زعيم يحتويهم! لقد فرطت أحزابنا في كل تلك الثروة السياسية التي كانت ستقدم الكثير للأحزاب وللبلاد! وقد هاجر بعض هؤلاء الشباب ليعملوا في دول النفط تاركين السياسة للشيوخ! واشتغل بعضهم بالتجارة لتتحول موهبته السياسية إلى موهبة في جمع المال، وآثر بعضهم الانطواء بعيداً يقف موقف المتفرج لما يدور حوله! فأين هم من أحزابهم الآن؟! بل أين محمد الحسن التعايشي من حزب الأمة الآن؟! التعايشي كان امبراطوراً بجامعة الخرطوم، يحمله طلابها في حدقات عيونهم قبل أن يحملوه على أعناقهم! آلاف الأيدي كانت تصفق له لحظة دخوله إلى ساحة النقاش السياسي! لم يكترث حزب الأمة بكل تلك الأمجاد السياسية، لذلك خرج التعايشي مغاضباً من حزب الأمة مثل غيره من عشرات الشباب! أذكر أن أحد طلاب المؤتمر الوطني قال للتعايشي بعد أن أصبح رئيساً لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم: والله لو أصبحت رئيساً للكرة الأرضية لن تدخل المكتب القيادي لحزب الأمة! هذا عن التعايشي، فأين محمد الفكي أكبر كوادر الحزب الاتحادي من شباب الجامعة؟! محمد الفكي الآن يعمل موظفاً بخدمات المشتركين في شركة زين للاتصالات! وكنا في الماضي نصفق لتحليلاته السياسية، واليوم نتصل عليه ليعطينا رقم ال «بي يو كي» لفك إغلاق الشريحة! أحد زملاء محمد الفكي بشركة زين قال له مداعباً: زمان كنت بتجعجع في شارع المين والآن صرت تجعجع مع المشتركين..!! قبل فترة قصيرة جداً وجدت أكبر كوادر الطلاب المستقلين يقف في طابور طويل جداً في لجنة الاختيار عله يجد عملاً ينقذه من شبح العطالة..!! وقبلها رأيت عضو المجلس الأربعيني باتحاد طلاب جامعة الخرطوم وقد اشتغل بتحويل الرصيد في موقف الاستاد..!! كنت أشعر بالفخر عندما استمع ل «ين ماثيو» ذلك الشاب الوسيم وهو يتحدث رسمياً باسم الحركة الشعبية في الفضائيات العالمية! فهو الشاب الوحيد ممن عاصرتهم وصل إلى هذه القمة السياسية! وبالرغم من أنه كان من طلاب جامعة النيلين وليس الخرطوم. إلا أنني كنت أفرح عندما أراه فهو يمثل جيلنا نحن..!! ولكن لم تكتمل فرحتي فقد قامت الحركة أخيراً بتجميد عضويته بحجة أنه ارتكب تجاوزات مالية..!! والحقيقة أنه لم يتجاوز، وإنما صرح بتصريحات لم يرض عنها قادة الحركة، ليدبروا له هذه التهمة غير المنطقية..!! فكيف لناطق رسمي عمله كله كلام وتصريحات أن يختلس؟! ونواصل.