ينعقد ببلادنا هذا الأسبوع مؤتمر لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، وهذه بالطبع ليست المرة الأولى لمثل هذا التجمع الاقتصادي الكبير ببلادنا، فقد سبق في عهد حكومة نوفمبر 1958م أن انعقد مثل هذا المؤتمر ببلادنا في عام 1962م من القرن الماضي، ومن أجل انعقاده قامت الحكومة في ذلك الوقت ببناء فندق السودان الذي بيع قبل عشرين عاماً ليصبح مقراً لشركة صينية!! ومن ذلك الاجتماع خرج قرار انشاء بنك التنمية الإفريقي الذي أصر وزراء المالية الأفارقة على أن يكون مقره في كتلة الدول الافريقية فذهب لغرب القارة لدولة ساحل العاج، على أساس ان اللجنة الاقتصادية لإفريقيا كان مقرها أديس أبابا بإثيوبيا بشرق إفريقيا وكان مديرها في تلك الفترة المرحوم مكي عباس أحد أفذاذ أبناء السودان الإداريين. ٭ وذلك المؤتمر كرم السودان باسناد منصب أول رئيس ومدير عام لبنك التنمية الإفريقي للمرحوم مأمون بحيري أول محافظ لبنك السودان المركزي ووزير المالية والاقتصاد بالسودان وقت انعقاد ذلك المؤتمر الذي قام بالمهمة الصعبة بتأسيس بنك التنمية الإفريقي وتولى قيادته لدورتين ثم عاد للسودان مرة أخرى ليصبح للمرة الثانية وزيراً للمالية والاقتصاد الوطني في عهد مايو في أواسط السبعينيات من القرن الماضي. وتخليداً لأعماله وإنجازاته فقد ساهم بنك التنمية الإفريقي في تأسيس مركز مأمون بحيري للدراسات الذي بدأ بمبادرة كريمة من أصدقاء المرحوم مأمون بحيري أشرف عليها نفر كريم منهم، وأذكر هنا مولانا الأستاذ القانوني العميد (م) المصباح الصادق والأستاذ عبد الحفيظ باشري الذي تولى مهمة إدارة التأسيس الأولى لهذا المركز، وأذكر جيداً أنه دعاني عدة مرات للمشاركة في هذا العمل الوطني بوصفي واحداً من المجموعة الكريمة والخيرة التي كانت تجتمع مرتين أسبوعياً خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي ومن ضمنها المرحوم مأمون بحيري بمنزل طيب الذكر المرحوم محمد إدريس الوزير السابق للقطاع الاقتصادي في عهد مايو بمنزله عند تقاطع شارع المك نمر مع شارع الجمهورية بالخرطوم. حيث كان مقر التأسيس الأول لمركز المرحوم مأمون بحيري في مكاتب بالطابق الأرضي بمعهد المصارف بشارع الجامعة تحت ادارة الأستاذ عبد الحفيظ باشري ولجنة مكونة من بعض أسرة وأصدقاء المرحوم أشرفت على بناء المركز الحالي. ٭ وللسودان مساهمة كبيرة بوصفه ممثلاً للدول الإفريقية في المؤسسات الاقتصادية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بواشنطن، حيث ترك الأفذاذ من أبنائه أمثال المرحوم حمزة ميرغني حمزة والوليد محمد علي طه الملك والمصباح المكي وعبد الرحيم ميرغني وعاقل عطا المنان وفريد أحمد متولي العتباني وآخرون كثر، تركوا بصماتهم المهنية الراقية العالية في المواقع التي تولوها. وأذكر جيداً في أواسط عقد الثمانينيات من القرن الماضي أتيحت لي فرصة الالتحاق بصندوق النقد الدولي موظفاً محلياً لعدة أشهر بالمكتبة بالطابق الحادي عشر، وكانت فرصة طيبة للاطلاع على بعض الدراسات والتقارير التي شاركوا في إعدادها. ٭ وبطبيعة الحال فإن السودان خلال كل عقدين من الزمان يأتي دوره لتمثيل إفريقيا في مجلس المحافظين لصندوق النقد الدولي، حيث أذكر أن مثل هذه الفرصة جاءته خلال فترة حكم الديمقراطية الثالثة، فأُعطيت لأحد الاقتصاديين المخضرمين من اصهار الحزب الحاكم في ذلك الوقت، ثم جاءتنا مرة أخرى في نهاية العقد الماضي، وأيضاً أعطيت لأحد الاقتصاديين من أفراد الحزب الحاكم ودون شك رغم وجهات النظر في طرق الاختيار لكن العبرة بما قدمه كل واحد من هؤلاء الاثنين لأهل السودان من خلال اختياره لهذا المنصب الرفيع، لأن ممثلي الدول الأخرى إضافة لمكاسبهم المالية الشخصية فإنهم يجتهدون للحصول على مكاسب لبلادهم. وأتمنى أن يكون الأشخاص الذين وجدوا مثل هذه الفرصة قد تذكروا ذلك وتحصلوا على مكاسب لأهل السودان. ٭ الأجندة المعلنة لانعقاد مؤتمر وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية الأفارقة كثيرة، وأهمها تبني برامج إنتاج الغذاء للأفارقة الذين اشتهروا بالمجاعات المحزنة العديدة في أنحاء عديدة من القارة لأسباب متنوعة أهمها عدم الاستقرار السياسي والصراعات حول كراسي الحكم التي تؤدي للنزوح والهجرة، ومآسي غرق المهاجرين الأفارقة لأوربا في المراكب الصغيرة في البحر الأبيض المتوسط صارت تتصدر الأخبار يومياً. ٭ أتوقع أن تكون للسودان مبادرات ببرامج مدروسة ومحددة ومقنعة في معظم الموضوعات الواردة في أجندة هذا المؤتمر بإحكام متقن ومقنع لأغلبية المشاركين؟!! كما أتوقع أن تكون هنالك خطة عمل بقيادة وزير المالية ومحافظ البنك المركزي ومعاونيهم لعرض مواقف السودان بالمنطق الاقتصادي في المقام الأول، ثم البحث عن السند السياسي والعاطفي للخروج بقرارات إن لم تكن مثل التي صدرت من انعقاد أول مؤتمر مماثل بالخرطوم قبل نصف قرن من الزمان، على الأقل ان تكون أشبه بها تولد لنا مؤسسات ومنظمات جديدة إفريقية أشبه ببنك التنمية الافريقي، ويكون للسودان دور بارز في تأسيسها ليس بغرض تولي بعض أبنائه للمناصب فيها بالرؤية النرجسية الضيقة، بل من أجل أن تعود لكل أهل افريقيا ومن بينهم أهل السودان بالخير والنماء والاستقرار والرفاهية، وأتمنى أن يحدث ذلك من مخرجات هذا المؤتمر الذي دون شك سوف يصرف على انعقاده من مال أهل السودان الكثير.