شعر: محمد عبد الحي: من أول المساء حتى آخر الليل انتظرتها ساحرة الماء حبيبتي التي إذا عانقتها عانقت فيها أول الزمان الشجر العظيم، والنجوم في اشراقها الأول والكروم صيفاً قبل أن تزرع في بستان والنهر بين جبل وجبل من قبل أن يوصدا في الجسور والمطر الغزير والشمس حينما تحل شعرها الأزرق فوق جسد الماء على الشطآن من أول المساء حتى آخر الليل انتظرتها جدران غرفتي الينابيع على الجبال والبحار، والزرقة في المساء والغابات والأمطار وحينما سمعت في نهاية الممر همس الموج والريح من قدم ناعمة لم تعرف الكدح ولا الكروز بين الرمل والخليج ارتعدت في رهبة روحي، وضاءت، واستطالت غبطة، وارتفعت كأنها فنار في عتمة البحار من حرك الأجراس هذا الليل في الجسور من حرك الأجراس في أمواج هذا النهر في الحديقة التي وراءه في الزمن المغتسل الليلة في الريح وفي الأمطار من اترع القيثار صمتا وموسيقى ترف في دجى الصمت بلا صوت وكلها انتصار تعجن بالبرق المروج تعجن المرجان والثمار وتمزج الخمرة بالماء، تصب النار في قدح الثلج، تضيء النهر مصباح في عتمات الأرض يسقى التين والرمان والتفاحا هذا أوان النضج يا ساحرتي، فانتشري زهراً عليَّ موسما وموسماً تكوري فاكهة وانعقدي حلاوة وجبنا تعري من الأوراق والأحلام في الموسم الهجين سوف يلف البرق - مثل الصقر - مخلبين حولنا ينزعنا عن حمأ الطين يحملنا لمرجه الراقص فوق قمم الجبال فالخمر، والخضرة، والظلال في موسم المواسم الأخير حيث تلتقي شمس نهار بالوعي في سمائنا بقمر المتام وقبل أن أراك سمعت صوتك المرفه الرقيق في الحلم لمست بالكف ندى الليل على نهديك غفوت فوق صدرك اللين واسترحت أضأت فانوساً من الخضرة تحت ظل عينيك وحينما بعد نشرت شعرك الغامر فوق وجهي شممت عطراً كان يأتيني في أواخر الليل وقبل الصبح حين ترق في جوانحي ينابيع الشجن ويستفيق الحلم الراقد خارج الزمن وتهبط الوادي قوافل المهاجرين والفقراء والغجر والهاربين عبر أبواب المطر وحينما التف عليك ساعدي تدفقت زرق الينابيع على الجبال وغرغر الموج على رمال شاطئ بعيد وانسربت فوقي نجوم الليل انغاماً وأشكالاً من الضياء وفتق الزنبق تحت قدمي أكمامه ونبعت رائحة العشب من الغابات والمغاور السحيقة واشتعلت شجيرة بالنار حين رف صقر اللهب الأبيض فوق الماء رأيت كل ما يرى رباه أم ترى عيوني لم تعد ترى؟ ساحرتي: هل أنت حمر؟ أم أنت نار؟ أم أنت جنة زكت اشعلها الصيف وانضج الثمار؟ أم أنت حلم سجناء مثلوه من نقوشٍ تلتوي على الجدار؟