*: كان خطاباً لا يمكن أن ينساه العالم. في 28 أغسطس 1963، سار ما يقدر بنحو «250.000» شخص إلى نصب لنكولن التذكاري في واشنطن، حيث استمعوا إلى الدكتور مارتن لوثر كينغ يلقي خطاباً سيتردد صداه عبر العصور في ما أصبح يعرف باسم خطاب «لدي حلم»، أعطى كينغ صوتاً حماسياً لمطالب حركة الحقوق المدنية الأميركية وهى مطلب الحقوق المتساوية لجميع المواطنين، بغض النظر عن لون بشرتهم. بعض المؤرخين يؤكدون أن خطاب كينغ، الذى ألقى في واحدة من أكبر المظاهرات للحقوق المدنية في تاريخ الولاياتالمتحدة، كان واحداً من تلك اللحظات النادرة التي غيرت أمة ومهدت الطريق لتغيير القانون والحياة الأمريكية. وبعد أقل من عام على المسيرة، وقع الرئيس ليندون جونسون على قانون الحقوق المدنية لعام 1964م، الذي يحظر التمييز في المرافق العامة مثل الفنادق والمطاعم، ويحظر التمييز في التوظيف أيضاً. وفي العام التالي تم تمرير قانون حقوق التصويت الذي كفل للأمريكيين من أصل إفريقي ممارسة حقهم في الانتخاب بحرية. وفي عام 1968م سعى قانون الإسكان العادل لإزالة التمييز في شراء وتأجير المساكن. واستكمل هذا التشريع من قبل سياسات جديدة، مثل العمل الإيجابي لمواجهة إرث التمييز. ويبدو أن التغييرات القانونية الكاسحة كانت مفاجئة لبعض الأمريكيين، وجاهدت المجتمعات فى الولاياتالمتحدة للحاق بهذه التغيرات. وفي استطلاع مجلة نيوزويك عام 1963، قال 74% من البيض إن الاندماج العرقي «يتحرك بسرعة كبيرة»، وتبدو وجهة النظر هذه صادمة اليوم، حيث أصبحت المواقف مختلفة جداً. وبحلول عام 2000م، حسبما ذكراستطلاع نيويورك تايمز قال 93% من البيض إنهم سيصوتون لمرشح رئاسي أسود مؤهل «والكثير فعل ذلك في عام 2008م». وأكثر من 60% وافقوا على الزواج بين الأعراق. وقال 80% انهم لا يهتمون بما إذا كان جيرانهم من البيض أم السود. والحلم الذى أعرب عنه كينغ المسيرة نحو واشنطن، هو الآن جزء من التيار السياسي الرئيس في الولاياتالمتحدة. وأصبح عيد ميلاده عطلة وطنية يحتفى به كل الأميركيين لتكريم أفكاره وذكراه. ويتم الاحتفال بإرثه على شكل نصب تذكارى في عاصمة البلاد، بالقرب من تلك المخصصة لابراهام لينكولن، وتوماس جيفرسون وفرانكلين ديلانو روزفلت، وحلم كينغ للمساواة العرقية وكفاحه من أجل العدالة تجاوز حدود الولاياتالمتحدة، فهو تجول عبر العالم لإعلان رؤيته ل «المجتمع المحبوب» وتعريف العنصرية باعتبارها الشر الاكبر الذى ينتشر في جميع أنحاء العالم. وقد حصل على جائزة نوبل للسلام في عام 1964م. وحتى في اليوم الذى كان يخطب فيه «لدي حلم»، عندما كان يخاطب الأميركيين على وجه الخصوص، كان كينغ مدركاً أثر المسيرة ودلالتها في جميع أنحاء العالم. وقال عبر التلفاز حين كانت تبث صورة هذا التجمع الاستثنائي عبر الحدود والمحيطات: «كل من يعتقد في قدرة الإنسان على تحسين نفسه لديه حظ من الإلهام والثقة في مستقبل الجنس البشري»، كما قالت احدى شهود العيان الحاضرين لتلك اليوم التاريخي «إن المسيرة مست العالم، وكذلك أمريكا». واليوم وبعد خمسين عاماً من ذلك الخطاب، أنا شخصياً، مازالت كلمات الدكتور كينغ تحركني. وقد قضيت حياتي المهنية بوصفي دبلوماسياً أمريكياً يشارك تجارب بلاده مع العالم على أمل أن تكون القصة الأمريكية إلهاماً للآخرين. وأنا أنظر في جميع أنحاء السودان، وأرى العديد من النشطاء وخصوصاً الشباب، ملهمين بأفكار دكتور كينغ ويعملون لحساب «المجتمع المحبوب». والعديد منهم يتبنون قضايا تخص ذوى الاحتياجات البدنية والعقلية أو محاولة القضاء على المعاناة من عدم وجود الاحتياجات الإنسانية الأساسية، مثل الغذاء والماء. العديد منهم ييبذلون الجهود من أجل زيادة فرص الحصول على التعليم والعمل على تحسين نوعية التعليم. وآخرون يهتمون بقضايا المساواة بين الجنسين، وضمان أن كلاً من الرجال والنساء يعاملون بإنصاف. وأنا مقتنع بأن الدكتور كينغ كان سيكون فخوراً بأولئك السودانيين الذين تبنوا دعوته لتنفيذ نوع التغيير الذي يودون أن يرونه في العالم. وبعد مرور خمسين عاماً على خطابه البليغ والمؤثر، هم لا يعكسون فقط مجرد فكرة لحلم لتحقيق المساواة الاجتماعية والاقتصادية، بل يعملون لتحقيق ذلك. وبعد خمسين عاماً من تلك التصريحات المؤترة، نحن مدعوون ليس فقط لأن نتذكر الحلم، ولكن أن نكون الحلم. * القائم بأعمال السفارة الأمريكية في الخرطوم السودان