الجيش السوداني يضرب مخازن أسلحة للدعم السريع    الامارات تعفي رعايا السودان من غرامات تصاريح الإقامة وأذونات الدخول    هجوم بالمسيرات على سجن الأبيض.. استشهاد 20 نزيلاً وإصابة 50 آخرين    الطاقة تبلِّغ جوبا بإغلاق وشيك لخط أنابيب النفط لهجمات الدعم السريع    ترامب: الهند وباكستان وافقتا على وقف النار بعد وساطة أميركية    الرياضيون يبدأون إعمار نادي المريخ بنقل الأنقاض والنفايات وإزالة الحشائش    مسيرة الحرب    محمد وداعة يكتب: التشويش الالكترونى .. فرضية العدوان البحرى    محمد صلاح يواصل صناعة التاريخ بجائزة جديدة مع ليفربول    أخطاء مخجلة رغم الفوز برباعية    على خلفية التصريحات المثيرة لإبنته الفنانة نانسي.. أسرة الراحل بدر الدين عجاج تصدر بيان عاجل وقوي: (مابيهمنا ميولك السياسي والوالد ضفره بيك وبالعقالات المعاك ونطالب بحق والدنا من كل من تطاول عليه)    المريخ يكثّف تحضيراته بقيادة غريب    ((نواذيبو الموقعة الأكثر شراسة))    بالصورة.. الفنانة "نهى" عجاج ترد بقوة على تصريحات شقيقتها "نانسي": (صحي زي ما بابا الله يرحمه كان بيقول: مرمي الله… ماااابترفع)    على خلفية التصريحات المثيرة لإبنته الفنانة نانسي.. أسرة الراحل بدر الدين عجاج تصدر بيان عاجل وقوي: (مابيهمنا ميولك السياسي والوالد ضفره بيك وبالعقالات المعاك ونطالب بحق والدنا من كل من تطاول عليه)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة بعد حديثها عن وفاة والدها: (قيل أنه كان على علاقة مع الشخص الذي قتله وأنه مثلي)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة بعد حديثها عن وفاة والدها: (قيل أنه كان على علاقة مع الشخص الذي قتله وأنه مثلي)    في عملية نوعية للجيش السوداني.. مقتل 76 ضابطاً من مليشيا الدعم السريع داخل فندق بمدينة نيالا وحملة اعتقالات واسعة طالت أفراداً بالمليشيا بتهمة الخيانة والتخابر    شاهد بالفيديو.. من عجائب "الدعامة".. قاموا باستجلاب سلم طائرة ووضعوه بأحد الشوارع بحي الأزهري بالخرطوم    إنجاز تاريخي.. صلاح يتوج بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي للمرة الثالثة    بمشاركة زعماء العالم… عرض عسكري مهيب بمناسبة الذكرى ال80 للنصر على النازية    أصلا نانسي ما فنانة بقدر ماهي مجرد موديل ضل طريقه لمسارح الغناء    عادل الباز يكتب: النفط والكهرباء.. مقابل الاستسلام (1)    خدعة واتساب الجديدة لسرقة أموال المستخدمين    عبر تطبيق البلاغ الالكتروني مباحث شرطة ولاية الخرطوم تسترد سيارتين مدون بشانهما بلاغات وتوقيف 5 متهمين    اختتام أعمال الدورة ال 26 لمؤتمر مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي في الدوحة    مبابي على وشك تحقيق إنجاز تاريخي مع ريال مدريد    شاهد بالفيديو.. بعد غياب دام أكثر من عامين.. الميناء البري بالخرطوم يستقبل عدد من الرحلات السفرية و"البصات" تتوالى    بيان توضيحي من مجلس إدارة بنك الخرطوم    الهند تقصف باكستان بالصواريخ وإسلام آباد تتعهد بالرد    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    ما هي محظورات الحج للنساء؟    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البلاد تتهددها المخاطر من كل أطرافها!!
نشر في الصحافة يوم 08 - 09 - 2013

لا بدّ ونحن نبحث عن إصلاح حالنا أن نتمعن جيداً في ما يجري من حولنا باهتمام بالغ ونتحسب لانعكاساته على بلادنا.. لأنّ التجارب السيئة التي تمر بها الشعوب من حولنا تؤثر علينا سلباً أو إيجاباً.. وما يحدث في المنطقة العربية الآن هو أمرٌ بالغ الخطورة وكثير التعقيد.. تتداخل فيه العوامل الداخلية والخارجية بصورة خطيرة تكاد تذهب بتلك المجتمعات.. فهنالك دولٌ كانت وإلى عهدٍ قريبٍ مثالاً للاستقرار والازدهار والأمن.. ولكنها وفي لمحة عينٍ وانتباهتها تحولت الى دول لا يستطيع مواطنها أن ينام ملء جفونه.. وصار يمني النفس بحثاً عن ليلة واحدة يقضيها دون دوي المدافع التي كثيراً ما تمزق سكون الليل وتخلف أعداداً من القتلى والجرحي، تبثها للعالم وسائل الإعلام في مقدمة نشراتها، إذن فقد حدثت متغيرات كثيرة في تلك الدول جعلتها تقع في مستنقع الفوضى.. بصورة أذهلت المراقبين.. ومن يتأمل بتؤدة في استقرار تلك الشعوب يجد أنّها لم تكن كما يبدو عليها حالها.. فهي لا تنعم باستقرارٍ آتٍ من انتشار العدل وسيادة القانون.. بل كانت تسكن وتصمت ويطأطئ الناس رؤوسهم خشية من القهر والتعذيب مثلما كان يحدث في ليبيا التي حكمها العقيد الراحل معمر القذافي واحداً وأربعين عاماً بيدٍ من حديد وكان حينها ديفيد كمرون رئيس وزراء بريطانيا عمره عام واحد .. لا تكاد تسمع فيها صوتٌ معارضٌ ولا أحزاب تنادي بالديمقراطية وحكم القانون، وكانت تونس قبل ليبيا تسلط عليها زين العابدين بن علي وحكم البلاد بالحديد والنار ولكنه لم يفهم أنّ الشعوب قد تخضع للديكتاتوريين بعض الوقت ولكنّها «لن» تظل أسيرة خوفها وخشيتها من أجهزة الأمن، وحتماً أن إرادتها سوف تنتصر يوماً من الايام في تحقيق حكم القانون. ومثل هذا الوضع كان في سوريا ومصر.. حيثُ كان حزب البعث هناك والحزب الوطني هنا يظنون أنّهم مخلدون بالبطش والتنكيل بالمعارضين إلى أبد الآبدين.. ورغم ذلك كانت الحياة تمضي في تلك الدول وهي تشهد استقراراً أمنياً سطحياً.. ووضعاً معيشياً معقولاً إلى حدٍ ما.. ولكن وكما يقول المثل «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان». ولكن فجأة ودون سابق انذار حدث في تلك الدول زلزال لم يتوقعه حكامها، فانطلقت شرارة الربيع العربي في تونس ثمّ مصر وليبيا واليمن وسوريا.. وكانت الشعوب في تلك الدول تعتقد أنّها فقط تحتاج الى الحرية بعد أن أمنت عيشها.. ولكن انقلب الوضعُ رأساً على عقب.. وتداخلت الأطماع الخارجية مع هشاشة الأوضاع الداخلية لتصنع وضعاً مأساوياً لم تستطع منه شعوب تلك الدول فكاكاً.. ولعلهم الآن وبعد أن وصلوا الى هذا الحال لو استقبلوا من أمرهم ما استدبروا لما خرجوا في ثورات ربيعٍ عربيٍ ولا خريف ولا صيف.. فعدد القتلى في سوريا يفوق المئتي قتيل يومياً.. وحروب تنظيم القاعدة في اليمن أضعفت الحكومة المركزية.. وانتشرت دعوات الانفصال بين أهل اليمن الجنوبي.. وصاروا يطالبون به الآن جهاراً نهاراً.. بل وتضغط أحزابهم لكى تنال حقها في تقرير المصير.. وفي مصر صارت اصوات المدافع الآلية وصوت الرصاص من المشاهد اليومية التي تنقلها نشرات الأخبار هناك وكأنها حفلات راقصة يسهر فيها الشباب حتى الصباح.. وحينها توقف الدعم الأوربي والأمريكي.. وخسر الاقتصاد المصري في بضعة اشهر ما لم يخسره ابّان كل حروبه ضد إسرائيل.. بل وتغيرت لغة الإعلام في توصيف تلك الدول.. فبدلاً من بث الإعلانات التي تدعو للسياحة في مصر.. أصبحت الفضائيات المصرية تنقل صور الجثث والقتلى سواء أكان من تنظيم الإخوان المسلمين أو من العناصر الشرطية والعسكرية.. لقد بات واضحاً أنّ استقرار تلك المجتمعات كان صورياً.. وأنّ السوس كان ينخر في داخلها.. ويهدم في بنياتها الاجتماعية من الداخل.. وإلا لما وصلت الأوضاع لما وصلت اليه في هذه الفترة الزمنية القصيرة قياساً بعمر الشعوب والأمم.. ولا ريب أنّ ما دعا إليه أهل اليمن الجنوبي من انفصال وتقرير حق المصير لم يكن استثناءً.. فهناك دعوات خطيرة ظهرت في صعيد مصر وبين أكراد سوريا.. ولكنها لم تجد الرواج الإعلامي الذي وجدته أحداث انفصال جنوب السودان أو مطالب جنوب اليمن.
ففي مصر مازالت المواجهة مستمرة ومتصاعدة بين أنصار محمد مرسي رئيس مصر المعزول ومعارضيه، ووحدة الخلاف العميقة لا تظهر على مستوى الوعي الشعبي وحسب بل تتعداه لتملك جغرافيا معينة.. حيثُ أن هنالك مناطق معينة تقف في صف مرسي في الوقت الذي تقف فيه مدن ومناطق أخرى ضده.. والذي ينظر للأمور بنظرةٍ سطحيةٍ للوهلة الأولى يرى أنّه لا شيء مخيف أو مهم في ذلك.. بحجة أنّ هذه ظاهرة تتكرر في أية دولة تمر بالظروف التي تمر بها مصر، ولكن المتأمل المتبصر والمتابع للأوضاع هناك سيجد أن بعض المحافظات مثل الإسكندرية ومحافظات الصعيد وما حولها عبرت من قبل عن استعدادها لسيادة مستقلة لو استمر الوضع بالقاهرة تحت سيادة السيسي.. وهنا يصبح للتوزيع الجغرافي الذي يحكم أهواء شعب مصر معنى مختلف ومخيف.
وفي سوريا انقسمت الأرض.. بحيث صارت الأرياف بيد الجيش الحُر.. والعاصمة وبعض الضواحي حولها بيد حكومة بشار الأسد.. ودخل فيروس الانفصال حين انفصل مقاتلو الأكراد عن الجيش الحر.. وكونوا جيشهم الخاص بهم.. وطالبوا بفصل إقليم كردستان سوريا.. وهكذا انتشرت دعاوى الانفصال في كل بلدان الربيع العربي.. كأنّ الوطن العربي الممزق سياسياً واقتصادياً على موعدٍ مع التمزيق الجغرافي.
ولعب الإعلام دوراً محورياً في ما وصل إليه حال تلك البلدان.. فهو لم يقف عند حدود القدسية المهنية التي تفرض عليه الحياد المهني الصارم والملتزم بالمصداقية.. بل صارت بعض الفضائيات تؤلب بعض أبناء الوطن الواحد على بعض.. وتؤجج النيران بينهم وتشعل نار الفتنة.. ثمّ بعد أن انتشرت الفتن الدينية والمذهبية انتشار النار في الهشيم.. انتقل الإعلام إلى إعلان انهيار الدولة المركزية بتلك البلاد.. وإعلان وفاتها.. واتخذها مثالاً لغياب الوعي ووازع الوطنية.. فبعد أن كان يصف مثل هذه الأحداث الداخلية ب «الصوملة واللبننة» في إشارة الى الصومال ولبنان.. توقف عن بث تلك المصلحات.. فالغياب المهيمن لسلطة الدولة لم يعد في الصومال فحسب.. بل تعداه الى سوريا ومصر وليبيا.. ومن قبل الجميع كان العراق هو أوضح مثال لغياب سلطة الدولة.. فترك الإعلام حديثه عن «الصوملة» وانتقل الى مصطلحاتٍ جديدةٍ مثل «السورنة واللبننة والعرقنة» في إشارة الى سوريا وليبيا والعراق.
إنّنا إزاء هذا نتساءل: هل نحنُ مقبلون على إدخال مصطلح «السودنة» الى قاموس الإعلام العربي؟؟ وهو أمر كثيرا ما كنا حذرنا منه منذ سنوات طويلة، ولكن يبدو كما يقول المثل «المقتولة لا تسمع الصايحة».. أمّ أنّنا سنعي الدرس جيداً وننجي أهلنا من الجحيم الذي سقطت فيه تلك الشعوب؟؟ إنّ المتبصر لحالنا يكاد يصيبه اليأس.. فذات السوس الذي نخر عظام تلك الشعوب ذات يوم.. ها هو ينخر الآن في عظام شعبنا.. بعد أن انهارت البنية الاقتصادية التي هي عماد البنية الأخلاقية والمجتمعية.. وغاب وازع الضمير والأخلاق.. وفي سبيل جمع المال فسدت ذمم.. وضاعت قيم.. والكذب صار فهلوة.. والغش شطارة.
ولكنّ الأوان لم يفت بعد.. فمازال في إمكاننا أن ننقذ وطننا وان نحمي شعبنا من «السودنة» المنتظرة في ظل غياب الدولة المركزية المهيمنة الباسطة لسيادتها على كل اراضيها.. وأقول مثل هذا الكلام ليس تفاؤلاُ مبنياً على الأحلام.. بل بالرجوع الى التاريخ القريب.. حيثُ مرت علينا اوقات كنا فيها عماد أمان للدول العربية.. فخرطوم اللاءات الثلاث هي نفسها خرطوم اليوم وإن تغيرت بعض الملامح.. ولا أظن أنّ أحداً من ابناء هذا الشعب يريد أن يدفع ببلده الى أتون عدم الاستقرار وغياب الأمن.. ولعل هذا يدفعنا إلى قدر كبير من التفاؤل بأن نجد الحل لمشكلاتنا الراهنة بجلوس جميع الفرقاء سوياً كما حدث ذات يومٍ من قبل.. ووضعنا مصلحة الوطن فوق كل مصلحة حزبية كانت أو شخصية.. ففي يوم 27 فبراير من عام 1972م تمّ التوقيع بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا على اتفاقية سلام بين حكومة السودان وحركة تحرير السودان لإنهاء الحرب الأهلية، وتم إدراج نصوص تلك الاتفاقية في دستور السودان.. بعد أن هيأ الرئيس السابق الراحل جعفر نميري الساحة السياسية للمصالحة.. وأعلن عن سياسة حكومته تجاه مشكلة جنوب السودان.. مؤكداً اعتراف الحكومة بالتباين الثقافي بين الشمال والجنوب وحق الجنوب في أن يبني ويطور ثقافاته وتقاليده في نطاق «سودان اشتراكي موحد».. وحمل الاستعمار مسؤولية التطوير غير المتكافئ بين شقي البلاد في الشمال والجنوب عبر سياسة «المناطق المقفولة».. وبعد التوقيع مباشرة.. عملت الحكومة على إنشاء الحكم الذاتي الاقليمي للجنوب في نطاق السودان الموحد وأعلنت عن استمرار وتمديد فترة العفو العام عمّن حملوا السلاح.. ووضعت برنامجاً اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً للجنوب.. وقامت بتعيين وزير مركزي لشؤون الجنوب.. كما بادرت إلى تدريب كادر متمرس لتولي المسؤولية.. وعاش السودان بعدها عشر سنواتٍ في استقرار أمني غير مسبوق.. ولكنّنا بدلاً من دعم تلك الاتفاقية مشينا في الطريق الخاطئ.. ففقدنا الاستقرار في الأقاليم الجنوبية.. وتأثر الشمال اشدّ التأثير بذلك.
والآن هنالك مؤشرات تنبئنا بأننا نسير في الاتجاه الخاطئ.. وهو طريقٌ لن يأتي لنا باستقرار ولن يحقق لنا تنمية.. وليس من شيء أدلُ على ذلك من تزايد الغل والغبن وتكاثر الرشاوى والمحسوبية وانتشار الفساد الاداري والاخلاقي.. وعدم العدالة في التوظيف وغياب المساواة في العمل الخاص والعام.. وعدم تكافؤ الفرص في العمل التجاري.. هذا غير أنّ القبائل في دارفور أصبحت تقاتل بعضها البعض.. وتنهب مواشي وممتلكات غيرها من القبائل.. وصارت سجلات الإحصاء تسجل المئات من قتلى العنف القبلي.. صحيح أنّ هنالك أخطاءً تاريخية متراكمة أسهمت فيها كل الاحزاب.. أي بمعنى أن الإنقاذ وحدها ليست هي المسؤولة عما يجري وان كانت مسؤولة عن تفاقمه، فالحركة السياسية السودانية لم تقم بمسؤولياتها كما يجب.. ولم تؤطر لبناء «أمة سودانية» تتكون من مشارب مختلفة وجهاتٍ متباينة وقبائل متعددة، تكونُ ذات أهداف موحدة، ولكنها بدلاً من ذلك سعت أقصد الأحزاب السودانية المختلفة وراء الكسب الحزبي السريع والمكاسب الشخصية العاجلة، وأفرطت في استخدام التعصب الحزبي والنعرة الجهوية والقبلية، بل واستغلوا عاطفة السودانيين تجاه الدين لتحقيق مكاسب سياسية ومالية.. فخرجوا بالدين من مقصوده كجامع للأمة الى مُفرِّق لها، والبعض جوَّز ما لا يجوز في سبيل ترسيخ سلطته.
لكنّ ورغم كل ذلك نبصر ضوءاً في آخر النفق.. ونثق بأنّ الآوان لم يفت بعد.. فالإصلاح وإن كان صعباً فهو ليس مستحيلاً.. فمن الممكن تحقيقه إذا صدقت النوايا والتزم الناس بعزم اكيد وشحذوا الهمم.. نقولُ انّ ذلك ليس أمراً مستحيلاً لأنّه قد حدث في دول عديدة نالت استقلالها بعدنا.. فسبقتنا الى المعالي والى قمم التطور الاقتصادي والحضاري.. وتركت لنا السفوح.. نتنفسُ هواءها الساخن وتتساقط صخورها فوق رؤسنا وترابها على عيوننا.
إنّ الإصلاح أيها السادة ليس مستحيلاً.. فلا مستحيل تحت الشمس.. طالما كان الوطن هو الهدف الاول.. وإنّنا نعتقد أنّ المخرج من كل هذا هو إعادة النظر في مسارنا الحالي بقدر عالٍ من الصدق والايمان بأننا في حالة إصلاح حقيقي يستوجب علينا إعادة صياغة أهدافنا.. وتحديد أولوياتنا الإصلاحية الكبرى.. فبدون إعادة الصياغة هذه لن نصل الى مبتغانا؟؟.. لأن هذا ولا شكّ سيؤدي الى توحد الأمة وتماسكها الداخلي وتمترسها خلف أهدافها، وهو ما يمثل اللبنة الأولى في النهضة والتقدّم، فلم تنهض أمةٌ من الأمم على الفرقة والشتات، ولم تصل دولة الى مبتغاها بقبائل وجهويات وطبقات متناحرة ومتناكفة وطائفية تشرب البحر وترجو المزن.. ومن الصعب على أيِّ شعب أن يسلك الطريق الصاعد المؤدي للتقدم والرفاهية ما لم يتوحد ويهيئ الساحة لأوضاع أفضل تؤخذ فيها الحقوق وتوزع فيها الواجبات على أساس المواطنة أولاً ثم الكفاءة ثانياً.. فإن لم نفعل ذلك سيظل حالنا كمن يقبع ساكناً بلا حراك يتمنى أن تتنزل المعجزات من السماء.. وهو يعلم أن زمن المعجزات قد ولى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.