يحكيها اليوم :محمد صديق: للصدفة تأثير كبير في تغيير مجريات حياة كثير من الناس بعيداً عن التخطيط أو السعي لتحقيق ما هم فيه، ولعلي من هذه الزمرة، إذ لم تبتعد خطواتي في الحياة عن الصدفة، إذ بفضلها درست دبلوماً للإعلام الأمني وماجستيراً للترجمة، بل إن ولوجي إلى بلاط صاحبة الجلالة كان من باب الصدفة، إذ لم يدر بخاطري أن أصبح يوماً ما صحفياً بعد تخرجي في كلية الزراعة، فأثناء متابعتي لما يجري بصحافة الخرطوم وقفت عند عمود القامة الصحفية الأستاذ سعد الدين ابراهيم «النشوف آخرتا» بأخيرة صحيفة الحرية آنذاك وهو يحكي عن القصص والحكاوي التي يتناقلها الناس عن «الكدايس» بعطبرة وبورتسودان وفي كل مكان، فراقت لي فكرة بمداخلته بقصة محورها «الكديسة» تلوكها ألسن أهل قريتي، فحواها أن أحدهم كان صوفياً متزمتاً يثور في المسجد ويخطب في الشارع حتى وصمه أهل القرية بأنه «مكدس» أي به مس، فشاع خبره ووصل إلى صبيان وأطفال القرية، فصاروا ينادونه ب «أب كديسة» تندراً و«مكاواة»، فيجهد صاحبنا نفسه في ملاحقتهم للنيل منهم، لكن كعادة الصغار ينفذون بجلودهم دون أن يلحق بأي واحد منهم، وكان لموضوع حديثنا كنتين لا يرده إلا من اضطر من جيرانه، فبينما هو جالس على عنقريب ذات أصيل يتصفح أحد كتبه الصفراء مر به صغير كان كثيراً ما يناديه ب «أب كديسة»، فطلب صاحبنا من الصغير في حنو بائن أن يناوله شيئاً من داخل الكنتين، فولج الصغير ليحضر ما طلب منه، فإذا بصاحبنا ينقض عليه ضرباً وتعنيفاً على كثرة مناداته ب «أب كديسة» حتى نال منه، فلما انفك الصغير من قبضته أطلق ساقيه للريح باكياً ووقف غير بعيد يحك مواضع الضرب من جسده النحيل، وطفق ينادي على صاحب الكنتين في صوت يخالطه البكاء: والله مش أب كديسة أب كديستين» فوجدت مداخلتي طريقها للنشر، فكانت نقطة الانطلاق. «وانحترت وانبترت»