الخرطوم- أمين أحمد ود الريف: لم يكن سكان منطقة صالحة بالريف الجنوبي لمحلية أم درمان يتوقعون أن تتحول منطقتهم الى ساحة للحرق والنهب والتخريب. فالمنطقة التي تقع في اقصى جنوبأم درمان كان سكانها يظنون «ليس كل الظن اثم» أنهم بعيدون عن مرمى حجارة المتظاهرين أو ضربات المخربين فالمنطقة التي لا يفارقها اسمها وصف الريف الجنوبيلأم درمان لا يوجد بها مقر حكومي الا مكاتب خدمات صغيرة للمياه والكهرباء وبعض محطات الوقود على شارع الأسفلت كل ذلك لم يشفع لها في عمليات التخريب التي عاشها السكان لحظات عصيبة جراء عمليات التخريب، ليحكي سكانها لحظات مهيبة من شواهد الرعب والتخريب. وفي جولة في سوق صالحة زلط بدت المشاهد تحكي عن نفسها متاجر تعرضت للاتلاف ومحلات خضروات وفاكهة وقف أصحابها بأسلحة بيضاء وعصي يدافعون عنها الى الرمق الأخير وبقايا الدخان ترتفع الى عنان السماء تحكي عن ليلة يتمنى سكان المنطقة ان لا تتكرر ومحطة وقود هشمت واجهاتها ومعداتها بشكل كامل. يقول المواطن سليمان عباس صاحب محل خضروات في سوق الصالحة زلط «لقد كانت لحظات عصيبة لا أتمنى أن تعود مرة أخرى فلم يكن المتظاهرون يريدون شيئاً سوى التخريب فالتجار الموجودون في السوق هم أيضاً سوف يعانون من ارتفاع الأسعار فلماذا تتعرض ممتلكاتهم للتخريب. لقد تعرضنا للسرقة والنهب». ويمضي صالح الحسين والذي يعمل سائق «ركشة» في سوق صالحة بالقول «لقد حاول بعض الذين كانوا في تلك التظاهرات من سرقتي واحراق الركشة ولكني لذت بالفرار عبر الشوارع والأزقة الجانبية فقد كنت قريباً من شارع الأسفلت أراقب حركة المتظاهرين ومن بين الجموع مجموعة من الشباب صغار السن يحملون «سواطير» و«سيوف صغيرة» وقد خلعوا أقمصتهم واتجهوا نحوي وهم يصيحون ولم يكن أمامي سوى الهرب وهم يطاردونني ولكن لم يستطيعوا اللحاق بي فرأيتهم بعد ذلك يتجهون الى محل الوقود». غير ان المظهر المأساوي لعمليات التخريب والضرر التي تعرضت له المنطقة شمل حتى السكان في المنازل . وتقول الحاجة صفية الحسن والتي التقيتها وهي تقف بالقرب من منزلها ، في غضب «لقد تسببت الحرائق التي اشعلها المتظاهرون في أن يصاب الأطفال بحالات من الاغماء نتيجة لاشعال الحرائق في اطارات السيارات وتم نقلهم الى المراكز الصحية بالحي لأخذ جرعات الأكسجين بعد أن أغلق المتظاهرون الشارع ورشقوا السيارات بالحجارة. ان ما تم ليس تظاهرا بل هو عمليات تخريب ونهب». وفي المركز الصحي بالحي قال الطبيب الذي فضل عدم ذكر اسمه «ان هنالك حالات ربو وحساسية نتيجة للدخان الكثيف من الحرائق وحريق المواد البلاستيكية». وذهبت الأستاذة ايمان دفع الله مديرة رياض الأم بالصالحة الى القول «لقد قمت بتسجيل ثلاث حالات اصابة لأطفال دون سن الخامسة تعرضوا لحساسية في الأنف والعيون نتيجة للدخان الكثيف المتصاعد من الحرائق التي اشعلها المخربون في وسط المتظاهرين وقد تم تحويل الأطفال للمركز الصحي لمعالجتهم ثم قمنا بتسليمهم الى ذويهم». وفي الجانب الآخر من طبقة الاسفلت كانت أعمدة الدخان لا تزال تتصاعد من محطة الوقود وبجانب ركام المحطة وقف عثمان بحر الدين أحمد عمال المحطة وهو يحكي لنا في أسى عما حدث، وقال كنت أعمل في محطة الوقود هذه منذ سنوات ويعمل فيها أكثر من 15 شخصاً من عمال واداريين أصبحنا جميعنا الآن بدون عمل ولقد هاجمنا اشخاص من وسط المتظاهرين وبدوا بكسر باب المكتب الاداري وسرقوا الأموال الموجودة في الخزنة وحاول بعضهم أن يسحب الوقود عبر خراطيم البيع قبل أن يحرقوا المحطة فيما كانوا يدفعون بالصبية والتلاميذ الصغار الى التهشيم والتكسير ولم يكن أمامنا سوى الابتعاد عن المحطة حفاظاً على أرواحنا. والحمد لله لم يكن بالمحطة كميات كبيرة من الوقود في مستودعات المحطة ولكن النيران استمرت لفترة طويلة». ولكن ما حدث في سوق صالحة كان جزءاً من أحداث بدأت تسير بوتيرة منظمة في كل مناطق الخرطوم فاستهداف محطات الوقود كان هدفاً ثانياً تشجعه عمليات التخريب بعيداً عن التظاهرات المطلبية واشعال النيران في اطارات السيارات وكل ما يمكن اشعاله، غير ان سكان المنطقة والقريبين من مناطق الاسفلت كانت لهم ملاحظات أخرى، حيث يقول محمد الصادق ان من التصرفات الغريبة التي كنت أشاهدها ان المتظاهرين كانوا يندسون وسط طلاب المدارس الثانوية والأساس بعد اشعالهم للحرائق في السوق مما جعل الشرطة تقف عاجزة عن ملاحقتهم وما أثار غضب السكان وحنقهم على المتظاهرين ليس من الأخلاق ان تحرق وتنهب وتختفي خلف تلاميذ المدارس. وهنالك ثمة أمور أخرى حاول المتظاهرون ان يمارسوها وهي عمليات قطع طريق المواصلات ومنع حافلات الركاب من العمل بعد أن حمل المتظاهرون أعمدة كهرباء كبيرة كانت موضوعة بجانب الطريق ووضعوها في عرض طريق الاسفلت واشعلوا حولها الحرائق لتبحث السيارات العابرة ومركبات النقل العام عن طريقها وسط الشوارع الجانبية داخل الحي وسط السخط واللعن لمن فعلوا ذلك التخريب من قبل الركاب والمارة في الشوارع الضيقة معاً ، لتقول سيدة طاعنة في السن وهي تنزل من احدى المركبات العامة داخل الحي وبعيداً عن مسارها في شارع الأسفلت «ان ما فعله هذا التخريب أسوأ من رفع الدعم». ونواصل