٭ بالأمس قلت لكم بأني في الذكرى الثانية عشرة لرحيل الشاعر نزار قباني الذي شغل الناس عبر اكثر من ستين عاماً وما زال يشغلهم سأكتب كلمات عابرات كلها تصب في معنى واحد ان المبدعين وعلى رأسهم الشعراء لا يموتون لأن كلماتهم تقهر الموت. ٭ ومنذ عام 4791 تعايش نزار قباني مع متاعب قلبه برؤية الفنان الشاعر يداعبها (يداعب المتاعب) ويتخيل ما فعلت بقلبه يقول: عندما يبدأ الاطباء في جراحة قلبي لن يجدوه فاحتلت مكانه قضاياه الكثيرة في مطلعها قضية نون النسوة وتا التأنيث ومواجع القضية العربية وهموم العرب وسخافات بعض الحكام. ٭ ونزار قباني الذي نعاه الناعي في أمسية الخميس الخاتم لشهر ابريل 8991 كان ظاهرة إبداعية بكل المقاييس.. ظاهرة شعرية ونثرية شغلت الساحة الادبية منذ عام 0491 العام الذي اصدر فيه ديوانه «قالت لي السمراء» واطلق القنبلة في المجتمع الشرقي وقامت القيامة ولم تقعد حتى دخلت دنيا السياسة منذ خبز وحشيش وخمر وهوامش على دفتر النكسة والى الخطاب ويوميات بهية المصرية حتى اعلان وفاة العرب. ٭ الناعي نعى نزار قباني الذي شكل حضوراً مكثفاً ومثيراً للجدل والمعارك من 1491-8991.. حضوراً بالحركة والندوة والمقالة السياسية المواكبة، نعاه لعشاق كلماته ولاهل الابداع عامة.. ولكن الناعي نفسه يعلم انه لم يمت وذهب جسده وبقيت كلماته التي ستشغل الناس من جديد تشغلهم مع متغيرات الحياة والموضوعات والمرأة.. في الشرق وفي الغرب وفي كل الدنيا ما زالت محل قضية ونقاش والعرب ما زالوا هم العرب.. مع الخبز والحشيش والخمر والمعارك الكلامية هى المعارك نفسها. ٭ نزار لم يمت.. بل كلماته وبصرف النظر عن موضوعاتها واتفاقنا او اختلافنا معها.. تشكل علامة كبيرة ومحطة كثيرة الاضواء في ما يزيد عن نصف قرن.. واى قرون.. وقرون قادمة وقبله قالها المتنبي أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم. ٭ نزار قباني زار السودان مرات عديدة بدأها عام 9691 وفي دار الثقافة بالخرطوم قال، هذا الذي يحدث لي ولشعري في السودان شيء خرافي.. شيء لا يحدث لا في الحلم ولا في الاساطير شيء يشرفني ويسعدني ويبكيني.. أنا ابكي دائماً حين يتحول الشعر الى معبد والناس الى مصلين ابكي دائماً حين لا يجد الناس مكاناً يجلسونني فيه فيجلسون على أهداب عيوني، ابكي دائماً حين تختلط حدودي بحدود الناس فلا أكاد اعرف من منا الشاعر ومن منا المستمع؟ ابكي دائماً حين يصبح الناس جزءاً من اوراقي جزءاً من صوتي جزءاً من ثيابي. ٭ وعندما زار نزار قباني الخرطوم عام 0891 في مهرجان الثقافة الثالث قال ( ها أنا مرة اخرى في السودان، اتعمد بمائه واكتحل بليله واسترجع حباً قديماً لا يزال يشتعل كقوس قزح في دورتي الدموية).. ويقول: الحب السوداني ليس جديداً علىَّ فهو يشتعل كالشطة الحمراء على ضفاف فمي ويتساقط كثمار المانجو على بوابة قلبي ويسافر كرمح افريقي بين عنقي وخاصرتي.. هذا الحب السوداني لا اناقشه ولا احتج عليه لأنه صار اكبر من احتجاجي واكبر مني صار وشماً على غلاف القلب لا يغسل ولا يمسح هانذا مرة اخرى في السودان وهل يمكنني ان اصرخ هنا كما اشاء وانزف كما اشاء؟ ٭ انا اعرف السودانيين جيداً واعرف ان صدورهم كغاباتهم مفتوحة للامطار والريح وللبرق والرعد والحرية.. لقد قبلت دعوة وزير الثقافة والاعلام للمشاركة في مهرجان الثقافة لانني اولاً عاشق للسودان ولأن قصائدي هنا تعيش في بيت امها وابيها. ٭ رحل نزار قباني الذي يعتبر الكتابة عملاً انقلابياً من الدرجة الاولى، فقد كان يمتلك ناصية الكلمة تماماً وهى تنقاد اليه في طاعة عجيبة.. رحم الله نزار قباني. هذا مع تحياتي وشكري