عقارب الساعة تشير الى الخامسة مساءً .. أتعمد دائماً مساء الأحد السير قبالة ذلك الطريق انه موعد خروجهم من الكنيسة عقب أدائهم للقداس يجذبني انتشار فتيات جنوب السودان حول الكنيسة كعارضات الأزياء بأطوالهن النخلية وأجسادهن النحيلة ، ثقافتهن الأناقة وهن لا يملن عادة الى شراء الملابس الجاهزة لأنهن يفضلن أن تفصل بمقاساتهن . ووسط اختلاف تلك الألوان وما بين الحديث والتقليدي المستحدث تظل تلك الصورة وخروجهن كمهرجان ألوان . استرعى انتباهي وسط هذا الزحام « زي الكنقا « الذي أضاف الى جمالها جمال سارا جورج الطالبة الجامعية والفتاة التي تعود جذورها العرقية الى مدينة واو بجنوب السودان ، دنوت منها لأبين لها اعجابي بالزي الذي ترتديه فردت علي قائلة انها من الأزياء الخاصة بالجنوبيين وتسمى بالكنقا وهي عموماً على نوعين منها الأصلي ويباع باسعار باهظة والاخر من خامات اقل جودة واختلاف الاسعار يبين ذلك بسهولة. ومن على بضع خطوات كان لقاؤنا مع روز دانيال والتي اصطحبتنا الى معرض لملابس الكنقا حيث التقينا مع دانيال صاحب المعرض والذي قال لنا تمتاز ملابس الكنقا بأن اقمشتها من النوع البارد الذي يتلاءم مع بيئة المناطق الاستوائية والحارة وتقوم فتيات الجنوب عادة بتفصيلها تماشيا مع الموضة السائدة في السودان او في شكل بدلة للمناسبات الرسمية. ويعرف القماش الأصلي منها بالكنقا واكس ويمتاز بنعومة الملمس وخفة القوام الألوان الثابتة واللامعة التي لا تتغير عند تعرضها للماء أو مع مرور الزمن . ومن الركن الأيمن أقصى المعرض جلس نتالي جوزيف على كرسي ماكينة الخياطة وصوتها يعلو ويخفت وهو ينجذب اليها بتركيز شديد وقد تناثرت حوله بعض قطع من قماش الكنقا ، أوقف الماكينة قليلاً عندما استأذناه للتحدث معه فقال لنا انه كان يطلق علي هذه الملابس في السابق « أبوجا « وحتى وقت قريب وبعد توقيع اتفاقية السلام تغير الاسم الى « حكومة تُك « أي حكومة موحدة وهذه عبارة اطلقها الراحل الدكتور جون قرنق رئيس الحركة الشعبية السابق وموقع اتفاقية سلام نيفاشا مع حكومة السودان وكان يرتدي قميصا من نفس النوع عند وصوله مطار الخرطوم بعد توقيع الاتفاق وهو ممسك بيدية الاثنتين ومكررا لعبارة حكومة تك كما أنه عندما توفي في حادث الطائرة كان يرتدي قميص « أبوجا «. وتتغير خطوط الموضات في الوان الواكس وفقا لمتطلبات العصر حيث تختلف في درجة الوانها وتعددها من وقت لاخر وان حافظت علي بعض ثوابتها اللونية في كثير من الاحيان كما قال جوزيف انها كانت في السابق تحتوي على عدة ألوان قد تصل الى ستة أو سبعة ، يحضر دوماً فيها الأصفر والأخضر أما الآن فالشباب يرفضون كثرة الألوان خاصة وان الشباب ألان يميلون للألوان القليلة لذا نجد أن الكنقا تتوزع ألوانها ما بين لونين أو ثلاثة في الغالب وهذا النوع مفضل لفئات الشباب وترتديه الفتيات غالبا في مناسبات الزواج وحفلات التخرج من الجامعات والمناسبات الاجتماعية وأعياد الكريسماس وقداس يوم الأحد ... أما فيما يختص بالتفصيلات فيتم اختيارها عبر الكاتلوجات الموجودة بالمحل كل فتاة تختار النموذج المناسب لها .. وهناك نوع من التفصيلات تسمى ب « كنقا لفه « وهذا يكون بدلة وقطعة واحدة تثبت بحزام في منطقة الخصر وقطعة صغيرة لربط الرأس من نفس نوع القماش. والنساء كبيرات السن يفضلن الجلباب كما تفضله النساء الحوامل وتسمى لبستهن « بيتي فلت » وفيها يخاط القماش بكامله ولا يتدخل المقص الا في تحديد فتحة الرأس وتترك مساحة 15 سم على طرفي الجلباب عند الخياطة وتكون الخياطة فيها خارجية وتترك مساحة لليدين . وفي بعض مناطق جنوب السودان ترتديه النساء كقطعة مستطيلة واحدة من القماش تربط في الخاصرة ويرفع ما تبقى منها من الخلف ليلف بالرأس فيما يشابه العمامة . وتعتبر مدينة جوبا في جنوب السودان مركزاً ينتشر منه الوارد الذي يأتي غالبا من غرب افريقيا وكينيا ويوغندا ومن ثم تأتي الي ولاية الخرطوم والتي بها الان حوالي ثلاثة مراكز وهي الخرطوم و أمدرمان والخرطوم بحري حيث توجد اعداد كبيرة من ابناء الولاياتالجنوبية اضافة الي العديد من الشباب من ولايات اخري في السودان يحبون ارتداء اقمصة حكومة تك ذات الالوان الجذابة وتضفي علي سماوات الخرطوم عبقا افريقيا يعانق عروبتها.