يدور جدل هذه الأيام في العلن وداخل دهاليز مؤسسات الخبراء والاستراتيجيين والسياسيين، بشأن ما يحدث على صعيد علاقات الخرطوموالقاهرة وتداعياتها على مستقبل البلدين، وذلك على خلفية زيارات متتابعة قام بها المسؤولون الى كلا البلدين، وإرهاصات عن دواعي تلك الزيارات المتبادلة بين الجانبين، كما أعادت الى الاذهان شكوى مسؤول رفيع في البرلمان من ضعف الدور المصري في المنطقة العربية والافريقية وصعود دول اخرى مثل قطر، الجدل من جديد بشأن تراجع النفوذ المصري في السودان، وان مصر صارت ليست من الدول الرئيسية التي تستطيع التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر في الشأن السوداني، وبات الوجود المصري في البلاد مجرد ذكرى يحن اليها كل من عمل في الري المصري أو درس في البعثات المصرية القديمة. وكان رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان المصري، مصطفى الفقي، قد اشتكى في تصريح نقلته «الصحافة» من نظرة العرب لبلاده، التي قال إنهم يعتبرونها إما فرعونية أو عميلة لإسرائيل، متهماً قطر بمحاولة وراثة الدور المصري في المنطقة، ورأى أن استعادة الدور المصري يمكن أن تحدث «من خلال إعادة العلاقات مع إيران، ورقابة الوضع في السودان». ونقلت صحف مصرية عدة الجمعة عن الفقي قوله، إن المواقف العربية تتجاوز «عداء الحكم فى مصر إلى العداء للشعب المصري»، واضاف الفقي الذي عمل دبلوماسياً ورئيساً لبعثة مصر لدى الجامعة العربية خلال محاضرة له في مركز الدراسات الحضارية وحوار الحضارات التابع لجامعة القاهرة «إن الشعوب العربية تعتقد أن مصر عميلة لإسرائيل»، ودلل على ذلك بمقتل الشاب المصري محمد مسلم الشهر الماضي، في بلدة «كترمايا» في لبنان،وقال «لو كان سعودياً أو عراقياً لما حدث معه ذلك، ولم يكن يصل الأمر إلى هذه الدرجة»،وتابع «الدول العربية تنظر إلينا أننا لسنا عرباً، بل اننا مصريون أو فراعنة». وتطرق الفقي إلى الدور القطري في المنطقة، قائلاً «أشعر بأن قطر تحاول أن ترث الدور المصري في ما يملك،حزنت عندما اشترت محال هارودز من الملياردير المصري محمد الفايد». كما أقر الفقي بتراجع وضع مصر الإقليمي، مشيراً إلى أنه جاء بقرار «إرادي»، وليس مفروضاً عليها، مشيراً إلى أن القاهرة انغلقت على نفسها لمعالجة مشكلاتها الداخلية مثلما فعلت أمريكا ذلك فى وقت سابق، واعتبر أن بعض الدول الصغيرة التي تحاول إيجاد دور إقليمي لها، ما هي إلا «فأر يداعب فيلاً». وانتقد الفقي إدارة مصر لملف دول حوض النيل، معتبراً أنها اهتمت بالجانب الفني من خلال وزارة الري، على حساب الجانب السياسي «الذي يمثل جوهر الملف ويجب إدارته من قبل الجهات السيادية». وبالعودة الى ما يجري حاليا على صعيد علاقات الخرطوموالقاهرة، فإن مؤشرات عديدة تؤكد أن هنالك ثمة توترات، ظهرت بشكل ملحوظ عقب زيارة زعيم حركة العدل والمساواة الدكتور خليل ابراهيم، الى القاهرة، في الوقت الذي زار فيه وزير الخارجية المصري أحمد ابو الغيط ومدير المخابرات اللواء عمر سليمان الاسبوع الماضي الخرطوم، في حين طلب وزير العدل عبد الباسط سبدرات مباشرة بعد انتهاء زيارة المسؤولين المصريين القبض على الدكتور خليل ابراهيم في القاهرة عبر الشرطة الدولية «الانتربول». ويعتقد مراقبون أن الاهتمام المصري الاخير بحركة العدل والمساواة، في اطار تسابق محموم بين القاهرةوالدوحة للإمساك بملف دارفور، واستعادة النفوذ الذي عبر عنه بشكل علني مسؤول لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشعب المصري، وفي هذا الخصوص تريد القاهرة الاستفادة من حالة تجميد محادثات السلام في الدوحة، على خلفية المواجهات العسكرية العنيفة بين القوات المسلحة وقوات الحركة في جبل مون بولاية غرب دارفور، حيث تراهن الخرطوم على اضعاف حركة العدل عسكريا ، وبالتالي خفض مستوى سقوفات مطالباتها التفاوضية، وفي ذات الوقت اتاحة الفرصة لقوى رئيسية أخرى تمثلها حركة التحرير والعدالة بقيادة حاكم دارفور الاسبق التجاني سيسي، والذي تعتقد الحكومة أن التوصل مع حركته الى اتفاقية قد ينهي الأزمة في الاقليم . وكنتُ قد تحدثت الى الكاتب الصحافي عبد الله ادم خاطر عن التحرك المصري بشأن اقتراب الحكومة المصرية منذ أشهر من حركات دارفور المسلحة، لكنه رأى أن الموقف المصري ليس جديدا، لكنه كان لفترة «خافتا»، فقد ظلت مصر مدركة أن مصلحتها ليست فقط متوقفة على تأمين مياه النيل ولكن المهدد الحقيقي للأمن المصري والعربي على السواء يتعلق بتداعيات أزمة دارفور إفريقيا، وتأثيراتها على العالم العربي، مشيرا الى أن مصر ظلت مهتمة بالأوضاع بدارفور عبر منظمات المجتمع المدني التي تقود منظمات المجتمع العربي وتوحد رؤاها، وهي العملية التي بدأها مركز دراسات حقوق الانسان بالقاهرة منذ يناير 2007م. بيد أن أستاذ العلوم السياسية بجامعة امدرمان الاسلامية صلاح الدومة، رأى في التحرك المصري الاخير، مشهدا لنزاع «عربي - عربي» حول الزعامة، وقال ل»الصحافة» ان مصر تسعى بدورها في دارفور لاستعادة زعامتها التاريخية للامة العربية والاسلامية، وذكر أنه على الرغم من مكانة مصر المحفوظة الا ان هنالك محاولة قطرية للعب دور قيادي، معتبرا سعي القاهرة للتقارب من حركات دارفور، رد فعل للتحرك القطري، ومحاولة لابطال مفعول الوساطة القطرية ونقل الملف من «الدوحة» الى «القاهرة». إذ يشير تقرير صادر عن المعهد الملكي البريطاني «تشاتام هاوس» في يناير 2010 عن تأثير مستقبل السودان على الدول المجاورة له، ان لمصر التزاما بوحدة السودان بحسابات متعلقة بأمن مياه النيل، وبالنظرة العربية-الإسلامية إليه. كما من الملاحظ أن سوق العمل مترابطة بين البلدين، لكن من الملاحظ أيضا أن مصر تخلت في الآونة الأخيرة عن معارضتها العلنية لانفصال الجنوب، وقامت بالاستثمار في تطوير مشاريع في الجنوب، مثلما تدفقت استثمارات من دول الخليج العربي والتي فاقت بحجمها الأهمية الاقتصادية لمصر في هذا الموضوع. وهنالك مقاربة تاريخية لتراجع تأثير الدور المصري على الاوضاع في السودان؛ إذ يرى أستاذ العلوم السياسية في معهد الدراسات الدبلوماسية الدكتور عبد الرحمن خريس، أن التأثير المصري في المنطقة كلها قد خفت بعد توقيع الاتفاقية الشهيرة المعروفة باسم «كامب ديفيد»، حيث تحولت السياسات المصرية الى الاهتمام بعلاقاتها الدولية، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ركزت الدبلوماسية المصرية على قضايا الشأن الداخلي على خلفية بروز التيارات والجماعات الاسلامية والتحول في المجتمع المصري، معتبرا ان مصر باتت لا تستطيع ان تجاري اسرائيل وامريكا في المنطقة الافريقية، وكان للولايات المتحدةالامريكية واسرائيل دور متعاظم في المنطقة الافريقية بديلا للدور المصري الذي كان فاعلا في المنطقة في السابق، معتبرا أن هذا «التفريط» في علاقات مصر مع الدول الافريقية اضر بمصالحها خاصة بعد وصول الرئيس المصري الحالي حسني مبارك الى السلطة، إذ يرى خريس أن مبارك اهمل كثيرا في دور بلاده بالمنطقة وبالتالي صارت الولاياتالمتحدةالامريكية هي البوابة التي تدخل مصر بها الى المنطقة الافريقية. وينصح خريس بتفعيل الدبلوماسية المصرية في السودان وفي المنطقة الافريقية عبر الوسائل القديمة« البعثات التعليمية، الفرق الفنية»، والانخراط بصورة اكثر فاعلية في القضايا الافريقية الاخرى، وتمتين صلتها بمنظمات المنطقة خاصة منظمة الاتحاد الافريقي التي صارت أكثر فاعلية في الوضع السوداني.