في اللحظة التي كان فيها اعضاء المجلس التشريعي بجنوب السودان يستعدون لاداء القسم وتخرج هتافاتهم منادية بضرورة تحقيق الاستقلال للجنوب رافعين الوية الانفصال كان العم جمعة في الفتيحاب يجلس جلسة مختلفة تماما يتناول فيها قهوة الصباح من يد الحاجة مريم القادمة من دارفور ويتجادلون حول لقمة العيش وعما ستقوم به المحلية عبر مجلسها المنتخب في الخرطوم في قادم الايام والمواعيد .فالعم جمعة هو احد ابناء الجنوب المقيمين في الخرطوم منذ سنوات خبر شوارعها وازقتها وكون علاقاته مع مجتمعها يقضي يومه مابين دكان الغسال الذي يمتلكه في تلك المنطقة ومابين متابعة تمارين ومباريات الهلال والتي يري في الوجود مابين جماهيره متعة لا تضاهيها متعة اخري بالنسبة للعم جمعة ليعود في اخر الليل متوسدا سريره وسط ابنائه وجيرانه الذين يبادلونه الوفاء والمصالح في ان واحد. نهض في ذلك الصباح ودون ان يدري وجد يده تمتد لداخل شنطة ليخرج جنسيته بلونها الاخضر المميز وبعباراتها المكتوبة تحت صقر الجديان نشهد بان جمعة ابن دينق كوة سوداني الجنسية بالميلاد لاول مرة ينظر اليها بحالة من الخوف والرجاء والتأمل في القادم في ظل ارتفاع نبرات المنادين بالانفصال من الجانبين ليبدأ متسائلا عن مصيره ومصير جنسيته ومصير اخرين يشاركونه نفس المصير .فمابين العام 1975 العام الذي استخرجت فيه الجنسية والعام 2011 العام الموصوف بالمفصلي في تاريخ السودان ثمة احداث عبرت من تحت الجسر المتلاطم في السياسة السودانية وفي حراك المجموعات في المسرح السياسي والذي يبدو انه في طريقه لوضع نهاية للرواية السودانية ، فالتساؤل حول مصير الجنسية بالنسبة لعم جمعة يفتح الابواب لتساؤلات اخري لاتنتهي حول اشياء اخري تلتقي والسؤال المحوري المتعلق بمصير الوطن نفسه بين ان يكون بخريطته المرسومة من قبل البريطانيين او بخريطة اخري يتم رسمها من خلال صناديق الاستفتاء ، فمابين التوحد والانشطار تبدو معادلة الوطن مابعد الاستفتاء متداخلة العوامل والاتجاهات خصوصا في ظل ضبابية الرؤي وغياب التحديد القاطع لما ستؤول اليه الامور وكيفية حسمها فقضايا مثل الجنسية والديون وجنوبيي الشمال وشماليي الجنوب وترسيم الحدود وغيرها من القضايا ستظل هي محور تساؤلات القادم وذلك في ظل الصراع مع الوقت واقتراب الزمن المحدد للاستفتاء حسب اتفاقية نيفاشا وبالتالي اقتراب اشياء اخري تتعلق بالاستفتاء نفسه وعملية قيامه وماتتطلبه من تجهيزات واستعدادات. المعادلة الواقعية تقول بان الانفصال صار قاب قوسين او ادني الامر الذي تدعمه التصريحات المتتابعة لقادة الحركة الشعبية بالشمال والجنوب معا وتؤكد علي ذلك ان تايم اوفر فيما يختص بجاذبية الوحدة التي صارت في مهب ريح التعاطي اليومي وبالتالي صعود نبرات الانفصال والدعوة للوحدة في جانب اخر تحدث عنها رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت والذي دعا لضرورة انجاز الوحدة علي مستوي الجنوب قبل ان يضيف في خطاب تنصيبه كرئيس منتخب للجنوب وبعربية قائلا بان المؤتمر الوطني اختار خياره وسعي لدعمه ومن حقنا ان نختار خيارنا وندعمه في حديث يستبطن الخيار الاخر قبل ان يعود متحدثا عن ضرورة تمتين العلاقة مابين الشمال والجنوب من اجل تمهيد الطريق للاستفتاء وتجاوز القضايا العالقة ، مضيفا ان القرار يرجع في المقام الاول للمواطن الجنوبي في تحقيق مصيره اما بخيار الوحدة او الانفصال مجددا التزامه لقبائل التماس المسيرية والرزيقات بتوفير المسارات الامنة لرعي مواشيها في الجنوب، مشددا في الوقت نفسه علي ان امن الجنوب مهم فبتوفير حرية الحركة ونشر ثقافة السلام يمكننا تجاوز النزاعات والصراعات، ومؤكدا علي ان شعب الجنوب يريد السلام والامن في مجتمعاته وبيوته وقبائله وهو مايعني استمرار عملية نزع السلاح من المواطنين وباشراك الادارة الاهلية وهو نفسه الاتجاه الذي عبر عنه الامين العام للحركة الشعبية باقان اموم الذي اعتبر الاستفتاء حقا ديمقراطيا لشعب جنوب السودان وهو وحده من يقرر مصيره وحدة كانت ام انفصالا، واستبعد باقان اموم استباقية اعلان برلمان الجنوب للانفصال من داخل البرلمان، واضاف بان الحركة الشعبية ملتزمة باتفاقية السلام واجراء الاستفتاء في مواعيده المحددة سلفا ، ولكن في حالة المماطلة والتلاعب بمصير الجنوبيين فعندها سيكون لكل حادث حديث وسيتخذون مايرونه مناسبا من اجل الحفاظ علي حق شعب الجنوب ومؤكدا علي استمرار الاتصالات من اجل معالجة القضايا العالقة. موقف الحركة غير المعلن بالانفصال تواجهه مواقف اخري معلنة وساعية لتحقيق الوحدة وتعمل من اجل تحويل حق تقرير المصير والاستفتاء لتحقيق خيار الوحدة وعلي رأس هذه الفئة يأتي الموتمر الوطني الحزب الحاكم والمتحصل علي اعلي نسبة في الانتخابات السودانية، وقال رئيس الجمهورية المنتخب عمر البشير باننا سنسلم الوطن للاجيال القادمة كما ورثناه من الجدود دون ان ينقص شبرا ولم يتوقف الامر عند الحديث بل جاءت التوجيهات بضرورة العمل علي انجاز مشاريع التنمية بالجنوب ومد طرق وخطوط السكة الحديد مابين الشمال والجنوب من اجل الوصول للوحدة ولم يكن المؤتمر الوطني وحده هو من يرفع شعار الوحدة فمعظم القوي السياسية بالسودان ترفع هذا الشعار بل تقوم بانتقاد الشريكين في عملية سعيهما لتحقيق الوحدة وتتحدث عن صفقات مشبوهة من اجل فصل الجنوب عن الشمال وهو الحديث الذي تدعمه الكثير من الدلائل الواقعية المعاشة والتي تؤكد حتمية العلاقة مابين الشمال والجنوب ليس من نواحي اجتماعية فحسب بل من نواحي اقتصادية قد تجعل من الصعوبة بمكان حدوث انفصال من الجانبين وهو الحديث الذي تناوله سلفاكير بان المصالح مابين الشمال والجنوب ستظل موجودة حتي ولو انفصل الجنوب وستظل الروابط موجودة وهو الحديث الذي اعاده لاحقا الدكتور منصور خالد القيادي بالحركة الشعبية ومستشار رئيس الجمهورية وبالرغم من اشارته لان مقومات الوحدة التي تحدثت عنها الاتفاقية لم تطبق وخصوصا فيما يتعلق بمسألة التنمية في الجنوب، ولكنه عاد ليقول ان الحبل السري مابين الشمال والجنوب لن ينقطع وسيظل متصلا ، مشيرا لجانب اساسي يتعلق بمسألة الاقتصاد الذي وصفه بالتكاملي مابين الجانبين، ممايجعل التواصل مستمرا، واعتبر ان الاقتصاد واحد من مقومات التنمية فاذا كان التواصل مستمرا فلماذا الانفصال اصلا ؟؟ الاجابة علي تساؤل منصور خالد تأتي من اتجاه اخر تماما وهو يناقض توجهاته، منصور خالد بل كل توجهاته الداعية لتحقيق الوحدة فمن منبر السلام العادل تأتي دعوة اخري للانفصال يقودها المهندس الطيب مصطفي الذي يري في الجنوب والجنوبيين عائقا اساسيا في عملية تحقيق التنمية والاندماج داخل بقية اجزاء السودان العربي الاسلامي والشمالي الا ان عملية الوحدة في هذه الاتجاهات وتحقيق الاندماج ترتبط ارتباطا مباشرا بعملية الاستفتاء بالجنوب والذي يري الكثير من المحللين ان عملية انفصاله تعني بالضرورة تناثر حبيبات السبحة وزيادة المطالبات بحق انفصال ثاني وثالث وهو مايرتبط ارتباطا وثيقا بعمليتي المشورة الشعبية في كل من ابيي والنيل الازرق وهو مابدا واضحا في التصريحات التي ادلي بها الممثل الخاص للبعثة المشتركة للاتحاد الافريقي والامم المتحدة بدارفور يوناميد ابراهيم قمباري وفي تقريره المقدم لمجلس الامن قائلا بان الانفصال في الجنوب من شأنه ان يؤثر علي الاوضاع بدارفور محذرا مما اسماه التحالف مابين تلك الحركات والجماعات المتضررة في الجنوب من شأنه ان يشكل أزمة للحكومتين بالجنوب والشمال الامر الذي يتطلب من الحكومة اعلاء قيمة الوحدة والعمل علي انجازها انطلاقا من اهميتها في تحقيق الاستقرار باعتباره هدفا تسعي اليه كل القوي العالمية في المنطقة. نبض الشارع الجنوبي ينبي بقرب الانفصال ويجعله قريبا لحديث اخر لباقان اموم وقد يتقاطع مع قلوب اخري تنبض بامنيات الوحدة وبقاء الوطن كما تركه الاجداد بالشمال والجنوب معا وعبر عنه علي عبد اللطيف قبل تسعين عاما حينما جسد الوطنية السودانية في ابهي صورها في زمن يتمني الكثيرون ان يعود ليحمل الوطن نحو مرافئ الامان ويعطي العم جمعة اجابة شافية عن حيرته حول مستقبل جنسيته ولونها القادم الامر الذي سيتم رسمه بصورة جديدة بل وتتجاوز الجنسية نفسها لتحديد نمط جديد للعلاقات الانسانية في حالة الانفصال وهو مايتطلب البحث عن نادٍ جديد ليشجعه بديلا للهلال ومكان اخر لتناول القهوة بعيدا عن جلسة الحاجة مريم وقهوة مختلفة الطعم والنكهة وبلا لون وفق مايشتهي اخرون او يواصل في مسيرته اليومية يحتضن جنسيته الخضراء ويلونها ببقية الوان الراية الاخري ويهتف بالحان الزمن الجاي السودان الوطن الواحد ماقد كان وماسيكون والذي لم تتضح صورته بعد ليظل العم جمعة جالسا في انتظار ماتسفر عنه الايام التي تحدد مستقبل الوطن مابين الوحدة او الانفصال ومعها بالطبع تغيير يطال العبارة المرسومة في الجنسية نشهد ان جمعة ابن دينق كوة كان سوداني الجنسية بالميلاد في فترة ماقبل حق تقرير المصير