بدأت القصة بالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم الذي دخل القرية عبر محطة الغناء بصوت ساحر وكلمات بذيئة، بلسان أحد شباب القرية الذي فقد عقله قبل خمس سنوات، وما حير سكان القرية أن صوت الشاب «حمد السمح» عندما صدح بالغناء «الساحر البذئ الكلمات» جاء مغايراً لصوته الأصلي الذي يعرفونه تماماً، لذلك أرجعوا الامر كله إلى الشيطان الذي يريد أن يفسد عليهم قريتهم، «قطع شك هذا هو صوت الشيطان ذاته»، ولعل الكاتب استند في ذلك إلى الخبر الماثور بأن الغناء البذئ هو قرآن الشيطان، «كان كل شئ في الوجود يصمت في تلك اللحظات في ذهول صاعق مرتجف من النشوة والخوف والدهشة التي لا قرار لها ولا سجوف»، أراد الكاتب في هذه الجزئية أن يؤصل لفكرته ويجعلها يقيناً بجملة «أحس به كل الوجود» - عبر الصوت الساحر الأخاذ الذي لم يكن هو صوت «حمد السمح» بل هو صوت الشيطان نفسه. لما اتكأ حمد في زاوية السوق يغني اضطرمت وجوه الفتيات اللاتي كُنّ في انتظار البص وتسللن هاربات... الرجال الذين كانوا في انتظار البص سمروا عيونهم في الارض ولكن كل ذرة فيهم كانت تشرب الصوت الساحر الغريب الوقع الذي يسكر كل شئ. في هذا المقطع أراد الكاتب أن يذهب بالقول إلى أن النار حفت بالشهوات والغناء بهذا الصوت الساحر من الأدوات التي يستخدمها الشيطان ليهيج بها الغرائز ويصيبهم بالنشوة، وربما اراد ان يقول ان الرجال والنساء يتشابهون في اصابتهم بالشهوة من جراء الصوت الساحر والكلمات الفاضحة، ولكن الرجال تتسمر عيونهم على الارض من الخجل لكن اقدامهم لا تراوح المكان، بينما الفتيات يمنعهن الحياء من الوقوف في ذات المكان ليستمعن على الرغم من النشوة التي تصيبهن مثلهن مثل الرجال تماماً «فالنساء شقائق الرجال وحياء الفتيات جعلهن ينزوين الى الشارع المقابل، بحيث لا تقع عيون الرجال عليهن، بينما يستمتعن بسماع الغناء»، ثم ذهب القاص إلى أن الاولاد تعرضوا للضرب بفعل ترديدهم لذات الكلمات البذيئة، وهو يؤكد بذلك ان الرجال هم الاكثر مجاهرة بالمعاصي بخلاف المرأة التي جُبلت على الحياء، وإن اجترحت المعاصي فإنها تقترفها في الخفاء. ثم ذهب الكاتب إلى أن الشيطان بعد أن أسمعهم صوته وسكتوا عليه، جاءت المعاصي تمشي على قدمين، فقد جاء «حمد السمح» الى القرية وهو سكران، ثم جاءت المصائب بعد ذلك تترى، بعد أن غنت احدى الفتيات في زواج «ود الكاهلي البياع»، ثم جاء القرار من كل أفراد القرية وغرغر داخل مخ كل واحد فيهم، وهو أن يسكت حمد السمح عن الغناء تماماً، ولكن بدلاً من أن يسكت حمد المجنون فقد نطق ود الزاكي العاقل «فالشيطان قفز على لسان ود الزاكي لينقذ حمد من القتل»، وأصر الكاتب على أن يتهم الشيطان بهذا الفعل الذي انطلق من لسان حمد إلى الفتاة ثم إلى لسان ود الزاكي عندما سكتت القرية عن النهي عن المنكر، وعندها قرر كل شخص في نفسه من افراد القرية أن يتخلص من «حمد السمح»، ولكن الشيطان كان أسرع منهم فعلاً، فقد أسرع بنقل الغناء من فرد الى آخر، ولعل الكاتب في هذه الجزئية استند إلى السيرة النبوية، عندما أشار الشيطان إلى قريش بأن يقتلوا النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بأن يختاروا فتى جلداً من كل قبيلة حتى يتفرق دمه بين القبائل، وهنا اتبع الشيطان ذات الطريق حتى لا يقتل «حمد السمح». ولم ينْهَهُنّ ثم ذهبت القصة بعد ذلك الى انتشار الأصوات المسكرة الحلاوة بأغنياتهم ذات الكلمات البذيئة، ثم انتشرت المفاسد واختفت النوارة، وخافت القرية من أن تكون النوارة قد خطفت. وهذا المشهد يشبه مشهد قصة هابيل وقابيل، فبعد أن قتل قابيل هابيل وتزوج أخته، كانت ذرية قابيل وخاصة نسائهم جميلات جداً بخلاف ذرية هابيل، فأوعز الشيطان إلى رجل بالعزف على الناي إلى النساء اللاتي كُن في مخادعهن ولم يكُن يخرجن، فعندما عزف الرجل على الناي خرجت النساء الجميلات من ذرية قابيل ورآهن الرجال من ذرية هابيل، وفتنوا بهن فشربوا الخمر ثم واقعوهن. ولعله ذات المدخل الذي اعتمدته القصة. ثم ذهبت القصة إلى أن الإعلام السالب هو الذي أثار القضية، فأنسى القرية النوارة المخطوفة، ثم أجج فيهم رغباتهم المكبوتة بهذا الغناء الفاحش «هل تشعر الآن برغبة غامضة في الغناء»، ثم تنتهي القصة بصمت «حمد السمح» وعودة صوته الحقيقي له، ثم يختفي الغناء تماماً عن القرية وكأنما الشيطان قد قرر الرحيل من القرية، ولكن لعلَّ ذلك لم يعجب بعض شياطين الإنس، حيث حاولوا باستماتة حث حمد على العودة للغناء وضربه، ثم تبدأ موجة الضرب في القرية، ثم تنتهي القصة نهاية مراوغة، حيث جلب شياطين الإنس مجانين من القرى المجاورة وأخذوا يقضون الليل وهم يسقونهم الخمر في محاولة منهم لاستدرار الغناء الفاحش، ولكن دون جدوى. ولعلَّ الكاتب يشير بذلك إلى أن شياطين الإنس تبقى هي الأكثر خطراً على الإنسان.