لعل من القضايا المهمة التي تشغل بال كثير من الطلاب موضوع الرسوم الدراسية. ولا بد من الاتفاق على ثلاثة أشياء. أولا أن الجامعة- في ضوء تأخر الدعم المالي الحكومي- تحتاج -كأية جامعة عالمية أخرى انحسر عنها دعم الدولة، لإيرادات الرسوم الدراسية من أولياء أمور الطلاب القادرين على دفعها من أجل تعليم أبنائهم، وهؤلاء مطالبون بدفعها بقدر يناسب دخلهم. ثانيا- إن لم يكن ولي الأمر قادرا على دفع الرسوم فلا ينبغي أبدا أن يُحرم ابنه من الدراسة- بل على الدولة أو حكومة ولايته أن تتولى دفع الرسوم الدراسية نيابة عنه. ثالثا، على الدولة والولاية أن تبرأ بأي التزام بدفع الرسوم الدراسية للجامعة. إن من المستغرب حقاً عزوف بعض القادرين على دعم تعليم أبنائهم في الجامعات الحكومية، عن دفع مبالغ تعتبر زهيدة مقارنة بأموال أكثر يمكن أن يدفعوها لأغراض أقل شأنا وخطرا. ويشكو أساتذة كثيرون من «سوق عكاظ» أو «ركن هايد بارك» الطلاب داخل حرم الجامعة الرئيس، وسط الكليات وأثناء اليوم الدراسي، لما يسببه من إزعاج للدراسة ورواد المكتبة المركزية. إن الضجيج والعجيج في حلقات النقاش والخطابة بمضخمات الصوت في وسط الجامعة، يذكرني بضوضاء «سوق الإثنين» في قريتي بشمال البلاد! إنه مشهد يصرف ويحول الانتباه عن النشاط الأكاديمي، فيؤثر سلباً على العملية التعليمية وهى أساس رسالة ودور الجامعة. ولقد تمنيت، وأنا ألحظ مرور اليوم العالمي لمكافحة الضوضاء «28 أبريل»، ألا يستدير الحول ويعود إلا وقد أقلع طلاب الجامعة عن نشاطهم الضوضائي في وسطها. ولكنك قد تسألني: أين سيمارسون نشاطهم الخطابي عندئذٍ؟ إن حل هذه المسألة يكمن في بناء دار للاتحاد بالقرب من وسط الجامعة. في الماضي كان جميع الطلاب، باستثناء عدد ضئيل جدا- يسكنون في داخليات الجامعة، ويجدون متسعاً من الوقت في المساء للذهاب لدار الاتحاد. وكل ذلك قد تبدل الآن، ولا يمكن أن نتوقع أن يأتي الطلاب من أطراف المدينة للدار في المساء، أو أن يجدوا الوقت للذهاب لها نهارا لممارسة النشاط غير الصفي، وهى بعيدة نسبيا عن أماكن الدراسة. وفي الجامعات الأوربية توجد دور الاتحاد بالقرب من أقسام الجامعة الأكاديمية، مما يشجع الطلاب على ارتيادها بين المحاضرات، وهي فترة تكون عادة ليست طويلة للحد الذي يمكن الطلاب من الهجرة إلى دار الاتحاد الرئيسة إن كانت بعيدة كما هو الواقع في جامعة الخرطوم. صحيح أن مشكلة طلاب مجامع الجامعة الفرعية ستظل قائمة أينما تأسست دار الاتحاد، ولن يحلها وجود دور اتحاد فرعية في المجامع الطرفية. ومع ذلك يمكن حل هذه المشكلة جزئيا بتكثيف نشاط دار الاتحاد في يومي العطلة الأسبوعية- الجمعة والسبت- مع توفير الترحيل إلى الدار لطلاب المجامع الطرفية كما كان يحدث في الماضي. ومن الأماكن المناسبة في رأيي لبناء دار جديدة للاتحاد موقع دار الأساتذة الحالي، مع إضافة أرض قيادة الحرس الجامعي جنوب دار الأساتذة، خاصة أن الجامعة تعتزم بناء دار جديدة للأساتذة في الموقع السابق لإدارة الخدمات، كما أن الحرس الجامعي يستحق مباني أفضل تليق بأهمية دوره في الجامعة . وربما يضاف حينئذٍ مبنى اتحاد الطلاب الحالي لداخلية النشر ليكون الاثنان معا مستشفى الخدمات الطبية والصحية الذي تحدثت عنه في الحلقة الحادية عشرة من هذه المقالات. ومن أهم واجبات الجامعة والاتحاد توفير وتنظيم شتى أنواع النشاط اللا صفي للطلاب، لاسيما النشاط الثقافي. وفي الدول المتقدمة حيث يحترم حق الإنسان في إبداء رأيه بحرية ومسؤولية، تكاد لا تخلو جامعة من جمعية للمناظرات الطالبية، ولعل أشهرها على الإطلاق جمعية مناظرات اتحاد طلاب جامعة أكسفورد البريطانية، وهي جمعية وقف على منصتها طلاب كثيرون من جميع أقطار الأرض أصبحوا في ما بعد قادة فكر ورأي وسياسة في بلادهم وخارجها. ومع أن جامعة الخرطوم كانت على وشك أن تبنى قاعة مناظرات كبرى للطلاب، إلا أن ذلك لم يتم، وليت هذا المشروع يصبح من أولويات الجامعة مرة أخرى. ويحتاج اتحاد الطلاب إلى أن يكثف أيضاً نشاطه وسط المجتمع، ويؤمل أن يكون لطلاب جامعة الخرطوم حضور أكبر في الفعاليات التي ينظمها الاتحاد العام للطلاب السودانيين. لقد افتقدتهم في المؤتمر العلمي السنوي الأول الذي نظمه الاتحاد العام للطلاب السودانيين بعنوان «الطالب الجامعي - الواقع والتحديات» في الفترة 9 - 10 فبراير 2010م، فقد كان مؤتمرا ناجحا، وكم أحزنني غياب جامعة الخرطوم خاصة في المعرض العلمي للطلاب الذي صاحب المؤتمر، وقدم فيه طلاب الجامعات أعمالا مبتكرة نالت إعجاب الجميع، وأدهش مستواها بعض ممثلي السلك الديبلوماسي الأجنبي. ولا ينبغي أبدا أن يغيب طلاب جامعة الخرطوم عن محافل إبداع الطلاب السودانيين وميادين تنافسهم العلمي. وفي هذا السياق أذكر الشبكة الطلابية للمشروعات والمنظمات الطوعية التي أنشأها أخيراً الاتحاد العام للطلاب السودانيين ودعا جميع الطلاب لعضويتها ونشاطها. ومع أن عمر هذه الشبكة لم يتجاوز عامين إلا أنها قدمت الكثير في مجال العمل الطوعي، وهو ميدان مفتوح لتنافس المتنافسين في عمل الخير وخدمة المجتمع. إن العمل الطوعي نشاط مهم له ألق وبريق في المجتمعات الطالبية العالمية، وليت الاتحاد يسعى لتوطين ثقافته وسط طلابه. إنني أعلم أن طلاباً كثيرين يهتمون بخدمة المجتمع، كما تشهد بذلك القوافل الصحية التي ينطلق بها طلاب كليات العلوم الطبية إلى كافة أرجاء الوطن، والجهود النبيلة الخيرة التي يبذلها الطلاب من أجل المجتمع في جمعيات مثل جمعيتي صناع الحياة وكفالة اليتيم، وهناك أيضاً تدافع الطلاب اللافت للنظر للتبرع في حملات التبرع بالدم. لكني أرى مجالا أوسع لنشاط من هذا النوع يمتد لمساعدة جميع شرائح المجتمع الضعيفة اقتصاديا والمرضى في المستشفيات وذوي الحاجات الخاصة، متجاوزا ما قد يكون مواقف سياسية لا تجدي نفعا لأحد. ولعلي اقترح أن يؤسس الاتحاد أمانة للعمل الطوعي في لجنته التنفيذية- ترعى هذا النشاط وتسعى لاستقطاب المال له من الخيرين خارج الجامعة، وتنسق في كل ذلك مع الشبكة الطلابية للمشروعات والمنظمات الطوعية، ومع اتحادات الطلاب المحلية والإقليمية والعالمية. لقد كان مشروع الطالب المنتج الذي وفر للطلاب أثناء دراستهم فرصا للعمل في مؤسسات حكومية وخاصة مشروعا ناجحاً، لقد نشأ هذا المشروع في كنف البروفيسور هاشم محمد الهادي، مدير الجامعة الأسبق، فلقي منه ومن أول رئيس لمجلس أمنائه البروفيسور مدثر التنقاري مدير الجامعة الأسبق، ومن راعي المشروع الشهيد الزبير محمد صالح- رحمه الله- دعما مكنه من التمدد في الجامعات السودانية، فأصبح مشروعاً قومياً يعود بفوائد تربوية ومادية على الطلاب، ويساعد في إصلاح بيئات الجامعات وتنمية البلاد. إن الطلاب مدعوون للمحافظة على هذا الإنجاز وتطويره. إنني أثق أن طلاب مشروع الطالب المنتج سيكونون عونا للاتحاد في سعيه الحالي لإصلاح البيئة الجامعية، فهم أصحاب خبرة في ذلك. وتهتم عمادة شؤون الطلاب والاتحاد بالنشاط الرياضي، وهذا حسن فهو صنو للنشاط الثقافي. لكن المشاهد يلحظ أحياناً في السنوات الأخيرة تعصباً وشططاً في أسلوب تشجيع بعض الطلاب لكلياتهم في مباريات كرة القدم، وهو أسلوب يصيب كثيرا من أعضاء الأسرة الجامعية بغير قليل من الخجل، والزائرين من خارج الجامعة بكثير من الدهشة والعجب. وليس غريباً أحيانا أن يقرر مشجعو فريق مهزوم إنهاء المباراة برمتها قبل موعدها، بل وأيضاً مطاردة حكامها. هذا النمط من السلوك لا يليق بطلاب في الجامعة. إن احتفالات التخرج من المناسبات الجامعية المهمة وقد قامت جامعة الخرطوم أخيراً بتنظيمها على مستوى الكليات على امتداد اسبوع كامل، يأتي في نهايته احتفال تخرج طلاب الدراسات العليا في جميع الكليات، ويحرص الطلاب خلال هذا الأسبوع على إقامة المعارض العلمية المختلفة التي يخف إلى مشاهدتها المواطنون من خارج الجامعة وطلاب مختلف الكليات. ومثل هذا التقليد الجميل موجود في كثير من الجامعات، ويستهدف تعريف المجتمع بالجامعة خلال أسبوع مفتوح للجميع، وهو حق للمجتمع على الجامعة. إن المطلوب أن تحافظ الجامعة على هذا التقليد. ومع أن كثيراً من الطلاب مازالوا يبدون حماساً أكبر لاحتفالات تخرج خاصة درجوا على إقامتها خارج الجامعة، إلا أنني لا أرى ما يمنع دعم إقامة هذه الاحتفالات أيضاً في أماكن مناسبة داخل الجامعة، لقطع الطريق أمام المتاجرين فيها من خارج الجامعة، وتمكين طلاب لا يستطيعون دفع رسوم المشاركة فيها من حضورها. وفي عالم اليوم لا يمكن أن تتطور الجامعة إن هى أغفلت رأي طلابها في نوع المعرفة التي يدرسونها، والطريقة التي يتلقونها بها والبيئة التي يتعلمون فيها. لذلك تهتم الجامعات المتطورة برأي الطلاب في مجمل العملية التعليمية، وتصمم استمارة تقويم أداء أساتذتها ليملأها الطالب، ويعقد الطلاب الحلقات الدراسية عن الإصلاح الأكاديمي وكافة مناحي الحياة الجامعية. وتحتاج جامعة الخرطوم- طلاباً وأساتذة وإدارة- للسير بقوة في هذا الطريق. واتوجه بتحية خاصة لكلية علوم الغابات لانتباهها لهذا الجانب والعمل به في تصميم مناهجها الجديدة. وأخيراً أود أن أنبه الطلاب والجامعة إلى أمرين مهمين. أولهما يتعلق بدورهما تجاه الطلاب ذوي الحاجات الخاصة، وهى شريحة يزيد عدد طلابها من عام لعام، ومنهم من انضم بعد تخرجه لعضوية هيئة التدريس وحصل على الدكتوراة. واقترح مرة أخرى، على اتحاد الطلاب تكوين أمانة بلجنته التنفيذية تتابع شؤون هؤلاء الطلاب وتذلل الصعوبات التي تعترض طريقهم. أما في ما يتعلق بالجامعة، فإننا نحمد لها أنها أنشأت إدارة لهؤلاء الطلاب، رئيسها بدرجة مساعد لعميد شؤون الطلاب، وبعد ذلك عينت في المنصب سيدة قديرة ابتكرت واجتهدت وأعطت الكثير هى الأستاذة أم كلثوم بركات.. ثم أني اقترح على الجامعة الاستفادة من خبرات الجامعات العالمية المرموقة في هذا المضمار، ويمكن أن يتحقق ذلك بتوأمة هذه الإدارة مع أخريات مشابهات لها في جامعات الدول الأخرى. والأمر الثاني، أوصي الاتحاد بمضاعفة جهوده في مجال تمتين علاقاته الطالبية الدولية، وتفعيل برامج التبادل الطالبي- إقليمياً وعالمياً، ولا أظن أني احتاج لتعداد فوائد مثل هذا السعي فالاتحاد أدرى بها.