واحد وأربعون عاما مرت على ذلك اليوم 25مايو 69 ،استأثرت منها الحقبة المايوية بستة عشر عاما مازال تأثيرها على حياتنا السياسية الى يومنا هذا . وقد تمايزت تلك السنوات المايوية على ماسبقها من سنوات الحكم العسكري الأول بأنها كانت تجسد نموذجاً سافراً لاستحواذ الفرد الواحد على كل مقاليد السلطة ، واتقانه للعبة المناورات والتوازنات السياسية مع كل القوى..يساراً ويميناً من اجل البقاء على قمة هرم السلطة ،بينما كان النظام العسكري الأول «نظام عبود ..نوفمبر 58 الى أكتوبر 64 » يستمد رؤيته السياسية من تفكير نمطي محافظ جمع بين مجموعة من كبار الجنرالات ، جاءوا من بيئات متقاربة ومتشابهة وينتمون الى عقيدة عسكرية وربما سياسية واحدة ، لذلك كان القرار السياسي في عهد عبود يأتي منسجماً ومتناغماً وبالتالي لم نشهد بروز القائد الأوحد كما حدث في مايو . ان تأثيرات الحقبة المايوية على ما أعقبها من حقب سياسية في تاريخنا المعاصر هو أمر بين وواضح اذا ما أمعنا النظر في المحطات السياسية لمايو :- تقويض الديمقراطية صباح 25 مايو 69 بمؤازرة ومساندة يسارية ...ضرب القوى الحزبية باعتقال قياداتها وايداعهم السجون واستشهاد الامام الهادي إمام الأنصار في الجزيرة أبا بعد أن التفت حوله وحول أنصاره قوى المعارضة التقليدية ... بدايات تململ وضجر النظام من نفوذ الحزب الشيوعي في السلطة والشارع مما أدى لابعاد ثلاثة من الملتزمين به من مجلس قيادة الثورة في 16 نوفمبر 70 ،وقاد كذلك لانقسام في الحزب الشيوعي...الصدام الدامي مع الحزب الشيوعي في يوليو 1971 والذي خسر فيه الحزب أبرز قادته وخسر معه جزءاً مقدراً من قدراته التنظيمية و تأثيره ومستقبله السياسي...التحول الحاد والانعطاف الدرامي من المعسكر الاشتراكي والتحول صوب الغرب الرأسمالي...انفاذ اتفاقية السلام بأديس أبابا ثم النكوص عنها ، مما عدّه أبيل ألير ذروة التمادي في نقض المواثيق والعهود...ابرام اتفاق سياسي مع قوى المعارضة الحزبية عاد بموجبه الصادق المهدي والاخوان المسلمون والذين شهدت فترة وفاقهم مع مايو وانخراطهم في النظام تنامي قدراتهم المالية والتنظيمية...انفاذ قوانين سبتمبر 83 والتي أثارت جدلاً وانقساماً سياسياً حاداً...انقلاب النميري على الاخوان المسلمين وانتزاعه لهم من السلطة الى المعتقلات والسجون.......كل هذه الانعطافات الحادة والمتناقضة نسج خيوطها المتنافرة عقل واحد لفرد واحد أتقن المناورة السياسية بحكم تراكم التجارب ، وأجاد قراءة الاطماع السياسية والتطلعات الشخصية في دواخله ولدى بعض غرمائه ، مما مكّنه من البقاء على خشبة «مسرح الرجل الواحد » طوال تلك السنوات . ولو تأملنا تلك المحطات المايوية بكل ما فيها من تناقض ، حتماً سنجد ارتباطاً عضوياً بما حدث فيها وما يشهده المسرح السياسي على أيامنا هذى ، اذ هناك حبال متينة يصعب الفكاك منها تربطنا بتلك الحقبة المايوية .