أعرف أنني في النهاية سأنتهي إلى حديث مقتضب ومبتسر عن الموضوعية إبتساراً مخلاً سيقلقلها قلقلةً ويخلخلها خلخلةً لدرجة تجعل من الموضوعية نفسها غير موضوعية، والسبب ببساطة لأنني لا أعرف بالضبط ما هو الموضوع حتى أتحدث عنه بموضوعية رغم أني ظللت أمارس العصف الذهني على مدى أسبوع كامل دون جدوى، بل لم أجد بين كل من إستفسرتهم أو من حاولت أن أستدرجهم لادانتنا من يرسيني على بر حول أصل وفصل الموضوع، وإنما للمفارقة صاروا حيارى مثلي بعد أن حاروا جواباً وبدلاً من أن يجيبوا أصبحوا يرددون السؤال «الموضوع شنو والحكاية إيه»، سبعة أيام مضت واليوم ثامنها منذ أن مورست علينا الرقابة خلال يومين متتاليين وعلى صحيفتين فقط من جملة ما يربو على الخمسين صحيفة مختلفة التخصص منها حوالي عشرين صحيفة سياسية إن كان للموضوع علاقة بالسياسة، ثمانية أيام ولم ندري حتى الآن وربما لن ندري أبداً، لماذا نحن فقط من كل هذا الكم من الصحف الزميلة، ما الذي إنفردنا بنشره ولم تنشره الصحف الأخرى، وما الذي جاء في الصحيفة من صفحتها الأولى وإلى الأخيرة مما يمكن عدّه في خانة العداء للدولة أو العبث بأمنها ومصالحها العليا وتخريب علاقاتها الدولية والأخوية والدعوة لتفتتها وتشرذمها ولم تجيء به الصحف الاخرى، وما هو الرأي السياسي الغريب والشاذ الذي ورد فيها وليس له شبيه أو قريب في غيرها، مع أن الحملات الانتخابية التي طالت حتى أجهزة الاعلام الحكومية لم تترك زيادة لمستزيد، هل مثلاً لأن صحافييها كأشخاص مصنفين في خانة غير المرضى عنهم إن لم نقل المغضوب عليهم، وهل مثلاً لأن لهم إنتماءات سياسية غير مستساغة، هب أن ذلك صحيح رغم أن الانتماء السياسي ليس فيه ما يعيب، ولنفترض أنهم مسيسون حتى المشاش مع عدم صحة ذلك، فهل يحاسبون على هذا الانتماء الشخصي أم على ما تنشره الصحيفة، وهل يحاسب الصحافيون على قناعاتهم واعتقاداتهم الخاصة التي بداخل عقولهم ام على موادهم التي ينشرونها على الملأ، فالصحيفة هي الاخبار والتقارير والتحقيقات والحوارات والمنوعات والفنون والرياضة والآراء، وهي ليست بأية حال من أحوال فلان أو علان أو فلتكان، هي ستة عشر صفحة أو اثنتي عشر أو ثماني بحسب الحال مطبوعة على ورق الجورنال ومنشورة للغاشي والماشي وليست منشوراً سرياً، قد يقول قائل لا هذا ولا ذاك بل لأنها صحيفة «ناشز» خارجة عن الطوع ومطلوبة للخضوع في بيت الطاعة ليتم تطويعها، ونقول لمثل هذا القائل ليست ناشز بل هي صحيفة غير قابلة للتطويع صحافيوها أحرار كاملي الاستقلال ليس لأحد عليهم سلطان ولا حتى مجلس إدارتها الذي يدفع لهم رواتبهم، وليس أدل على ذلك من «الغيظ» الذي سببته لأحد منسوبي الحزب الحاكم وأحد مرشحيه ممن فازوا باحدى الدوائر القومية له علاقة خاصة برئيس مجلس إدارتها كان يحرضه على الصحيفة بأنها لم تقف معه في حملته الانتخابية وكانت أقل الصحف نشراً لأخبار حملته، ولكنه يا فخرنا به كان يرد بلسان الحال والمقال هم أحرار ولا سلطة لنا عليهم إلا ما تواضعنا عليه من أهداف وسياسات عامة، ليس ذلك فحسب بل أن أحد أعضاء مجلس إدارتها ظل يتعرض للمضايقات والتضييق لأكثر من عام ولم تنشر الصحيفة إلى يومنا هذا ولا حرفاً واحداً مما لاقاه من عنت ومشقة وتضييق كما لم يعاتبها هو حتى هذه اللحظة ويا فخرنا به أيضاً ولا بنصف كلمة، هذه هي الصحيفة التي نعرفها ولا يعرفها من تتملكهم الهواجس ويتوجسون منها خيفةً، يقف على رأسها مهنيون يمكن لأيٍ منهم أن يلقى دروس المهنية لمن يعوزها أو يطلبها... كان ذلك من حيث الموضوع أما من حيث الموضوعية وحين يكون الموضوع نفسه غير ذي موضوع فلن نزيد عن أن نقول في مثل هذا المقام سوى أن عدم الموضوعية أحياناً يكون هو الموضوعية ذاتها، فاذا كان الموضوع الاصل غير موضوعي فانه لن ينجب إلا تفرعات غير موضوعية بحسب تموضع الموضوع من مطلوبات الموضوعية «وسخلي سلخ سخلك فهل سخلك يقدر يسلخ سخلي زي ما سخلي سلخ سخلك»...