بعد أداء السيد رئيس الجمهورية القسم أمام الهيئة التشريعية القومية ابتدر سيادته مهامه الرئاسية بإعادة تعيين النائب الأول القائد سلفاكير ميارديت ونائب رئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان الذي كانت بعض الصحف في الاسابيع الماضية تنشر تسريبات وتكهنات مفادها أنه سيبتعد أو يبعد عن قصر الشعب الرئاسي، وتعهد إليه رئاسة المجلس الوطني ولكن المرسوم الرئاسي الأخير وضع حدا فاصلا لتلك الشائعات وأمنيات البعض والتسريبات التي كانت تطلقها بعض المصادر من وراء ستار. وتعيين النائب الأول فيه دعم للاتجاه الوحدوي الذي تتبناه الحكومة وفيه وفاء والتزام باتفاقية نيفاشا التي ستمتد فصولها حتى الإنتهاء من اجراء الاستفتاء في شهر يناير القادم من عام 1102م. أما تعيين عثمان فيرتبط أيضاً باتفاقية نيفاشا التي يلم بكل تفاصيلها وأسرارها وخفاياها أكثر من أي شخص آخر، ولعل في اعادة تعيينه وفاءً لعهد قديم منذ ان كانت الانقاذ نطفة في ضمير الغيب بين مكونات الحركة الاسلامية بشقيها المدني والعسكري وقد خاض السيد رئيس الجمهورية الانتخابات الأخيرة بصفته المدنية بعد تخليه عن القيادة العامة للقوات المسلحة وان نسبة ال 86% التي نالها من مجموع الناخبين قد حصل عليها من كافة فئات الشعب بمختلف مهنهم، وبالتالي فإنه أضحى رمزا لكافة الفئات وليس رمزا لفئة واحدة ولم يعد للتنظيم الاسلامي الذي يرأسه شقان مدني وعسكري وتلك مرحلة أضحت من آثار الماضي ومما هو جدير بالملاحظة ان اشراك العسكريين العاملين غير المتقاعدين ظل محدودا في الجهاز التنفيذي وضمت الحكومة التي كانت تسمى حكومة الوحدة الوطنية وزيرين فقط من العسكريين هما الفريق بكري حسن صالح وزير شؤون رئاسة الجمهورية والفريق عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع وهما صديقان حميمان أثيران للمشير البشير. وفي كل الاحوال فإن اعادة تعيين النائب الأول والنائب أمر لا تثريب عليه أملته ظروف موضوعية تتعلق باتفاقية السلام وغيرها من الأسباب ولكن دعونا نتحدث عن التشكيل الحكومي الأدنى منهما. وان لسان حال الجماهير يردد مقولة شيخ العرب ود أبسن عن مفتش مركز رفاعة عندما سأله عنه مدير مديرية النيل الازرق الكبرى (مش بطال عِلّ طوّل) وبنفس المستوى فان هناك اجماعا شعبيا على أن فترة كثير من شاغلي المناصب الوزارية والدستورية قد طالت اكثر من اللزوم وأضحت هذه الوظائف حكرا على أسماء ثابتة ووجوه محددة وأصيب الجميع جراء ذلك بالسأم والملل والضجر. والغريب ان بعضهم ينتقل من موقع لآخر كما ينتقل العصفور من فنن لفنن وان الكثيرين منهم لا علاقة لتخصصاتهم بمواقعهم التي يعتلونها وهذه العادة الانقاذية قديمة وليست جديدة ومن الأمثلة الدالة على ذلك ان هناك طبيب نساء وولادة هجر مهنته قبل أكثر من ثلاثين عاما وتفرغ للسياسة وفي العقد الأول من عمر الانقاذ عهدت اليه اخطر الملفات وعين وزيرا للاستثمار، وبجانب ذلك كان من الممسكين بملفات السلام وكان يتجول بين بعض العواصم الافريقية والأوروبية وهو يتأبط (حقيبته) الشهيرة ويفاوض هنا ويساوم هناك وعهد اليه ايضا منصب وزير ديوان الحكم الاتحادي وفي عهده تم تقسيم الولايات.. والخ. والنماذج كثيرة وهذا مجرد مثال. ان في التغيير وتجديد الدماء رحمة بالبلاد والعباد وحواء لم تعقم والسودان يعج بذوي الكفاءات العالية والمؤهلات الرفيعة والقدرات الهائلة على البذل والعطاء والخلق الرفيع والطهر والنزاهة والوطنية الصادقة ونكران الذات والتجرد، ولا تخلو مدينة دانية او قرية صغيرة نائية من عدد كبير من خريجي الجامعات وحملة الشهادات العليا في شتى التخصصات مع اكتسابهم في الداخل والخارج لخبرات تراكمية. ولابد من التغيير وتجديد الدماء ولا يمكن ان يستمر هؤلاء المستوزرون والتنفيذيون الى الأبد فقد تكلسوا في مواقعهم وأصيب أداؤهم بالجمود والرتابة ولا يمكن في كل تشكيل وزاري اعادة نفس الوجوه مع تغيير مواقعهم بنفس طريقة (لعبة السيجة) مع تركيب بعضهم (ماكينات) كبيرة ويتعامل بعضهم باستعلاء وفوقية ونرجسية باعتبارهم أبناء النظام المدللين. وفي عهد الحكم العسكري النوفمبري عقد لقاء جماهيري شهده اللواء محمد طلعت فريد الوزير وعضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة واستغل بعض غلاة المعارضين وقادة المظاهرات الموقف وأخذوا يهتفون (طلعت طلعت روح الشعب) وتجاوب معهم السيد طلعت واخذ يهز بعصاه محيياً الجماهير التي زاد حماسها وعلت هتافاتها طلعت طلعت روح الشعب ونبه الاستاذ محمد عامر بشير فوراوي مدير وزارة الاستعلامات والعمل السيد الوزير بأن من يهتفون لا يقصدون تحية شخصه الكريم ولكنهم يشعرون بأن أحوالهم قد ضاقت وروحهم قد طلعت وبمكر استغلوا اسمه وأخذوا يطلقون هتافات حمالة أوجه، وبنفس المستوى فإن الشعب قد ضاق ذرعاً باستمرار هذه الوجوه في كل التشكيلات الوزارية ولو اتيحت له فرصة مماثلة لردد «طلعت طلعت روح الشعب» والغريب العجيب ان بعضهم قد يمضي في الحكم سنوات طويلة في وظيفة محافظ أو والي او وزير او مستشار او.. الخ. وينال مكافأة مالية ضخمة ولكنه يشكو لطوب الأرض لأن التشكيل لم يشمله!!. لقد ترهل النظام بالوظائف الدستورية وغيرها بسبب الترضيات والموازنات وخلقت وظائف وهمية كثيرة بمخصصات ضخمة وشهد السودان وجود جيوش من المستشارين والخبراء الوطنيين وبالطبع قد تكون هناك حاجة لبعض الاستشارات من ذوي الاختصاص ولكن لا يمكن ان تصبح المسألة مجرد ترضيات كأن خزينة الدولة اصبحت تكية!! وهناك وزراء أمضوا سنوات طويلة في مواقعهم لكفاءتهم وحاجة النظام لهم مثل صفوت الشريف وزير الاعلام السابق في مصر وبنفس المستوى قد تكون هناك ضرورة لبقاء البعض في بعض المواقع لخبراتهم التراكمية وقدراتهم الذاتية شريطة ألا يتمدد الواحد منهم ويصبح كالاخطبوط بل عليه أداء مهام محددة ولكن الملاحظ ان البعض يتدخل في الذي يعنيه والذي لا يخصه، ويتجلى هذا واضحاً في التصريحات العشوائية المتناقضة التي تعج بها الساحة الانقاذية ويحلنا من هذه الأنانية والاحتكار (الحل بلة) والسودان ملك لكل السودانيين وهو ليس ضيعة خاصة بأحد!!.