في اليوم العاشر من شهر محرم أول أشهر السنة الهجرية من كل عام، يحتفل الشيعة بعاشوراء، ويظهرون وجها مميزا للإسلام. وجها يرى التعلق بالقيم الروحية في الانفعالات الوجدانية والطقوس لا في الشرائع والعبادات المألوفة التي تتخلل حياة المسلمين، فتأخذ أزقة المدن والقرى مكان المساجد والمعاهد الدينية.ويقدم الشيعة جماعات عرضا مهيبا لتدينهم وهويتهم، وبهذا المشهد المهيب الدال على تعلقهم بمعتقداتهم يحيي الشيعة ذكرى استشهاد أمامهم الحي أبدا في ذاكرتهم حفيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والمعروف عندهم باسم الإمام الحسين، وهو مناسبة لتقديم كفارة جماعية من خلال الندب وجلد الذات. وهي ممارسة شيعية لا نجد ما يوازيها في المذهب السني. وتكشف الشيعية عن نفسها في العديد من التجليات والتمظهرات اليومية، إلى جانب الراية السوداء المثلثة التي تعلوها الكف النافرة، فنساء الشيعة الورعات يؤثرن ارتداء الملابس السوداء، وكذلك الزعماء الدينيون يختارون اللون ذاته. والشيعة يسلبون أيديهم إلى أجنابهم عند الصلاة بعكس السنة الذين يشبكونها على صدورهم. وغالبا ما يتعرف عليهم من أسمائهم المستمدة من كنى وألقاب الأولياء الصالحين، فالشيعة الذين يعودون بنسبهم إلى الأئمة يحملون لقب السيد كدليل على النبالة، والسياد يعتمرون عاده عمامة سوداء. أما عن التمايز الفاقع ما بينهم وبين السنة فهو حب التصوير والتجسيم البصري في أشكال التدين الشعبي الشيعي، فالمذهب السني يميل إلى النفور من الفنون البصرية باعتبارها مغريات محتملة وان كانت غير صريحة لعبادة الأصنام. وعلى العكس من ذلك ينغمس التدين الشيعي في فن التصوير والتمثيل البصري، وهذه صفة مشتركة لهم مع الصوفية. ان العلماء الشيعة لا يتاغضون عن استخدام التمثيليات البصرية للائمة، وحتى الشيعة العاديين يتعلقون بها تعلقا شديدا، فصور علي والحسين ورسومات واقعة كربلاء تزين بيوتهم وحوانيتهم، والمصدر الأساسي لصورة علي كرم الله وجهه تأتت من انه بعد اغتياله شاهد رأسه أحد الرسامين فأخذ برسمه، وغدت هذه هي الصورة المتعارف عليها. والألوان المرتبطة بهم هي الاسود الذي يرمز ويعبر عن الأسى لمصير علي. والأحمر للتذكير باستشهاد الحسين. والأخضر لتشريف عترة النبي. ويؤمن الشيعة بأن للدين تجليات خارجية ظاهرة ومعانٍ داخلية باطنة، فالدين مكون من طبقات عدة للحقيقة المطلقة، وليس بالمقدور النفاذ إلى معاني الدين الباطنة إلى بعده الخفي والتأويل. والدين يشتمل على حقائق مصدرها العالم الآخر، ووحده النبي والائمة ومن حبي بالمعرفة الدينية قادرون على تأويل تلك الحقائق. واجتهدوا في علم التفسير في معانيه الضمنية والباطنة التي لا تدرك إلا بالتأويل. والتشديد على التأويل والحقائق الباطنة كان له الدور الأكبر في بلورة التدين الشيعي واحتلال الفلسفة وعلم الكلام، تلك المكانة المركزية في عقيدتهم. وظهر التصوف بين السنة كتعبير باطن عن الإيمان الإسلامي مقصور على فئة قليلة، وكان شبيها بعدة أوجه بالتدين الشيعي، وكذلك كثقل موازن لتقيد السنة الحرفي بأحكام الشرع ولاهوتهم المفرط في عقلانيته، وإن كان التصوف منتشرا في أوساط الشيعة أيضا. والحال أن ما بين التصوف والتشيع العديد من القواسم المشتركة من حيث الروح والمزاج، فعلى غرار الشيعة يؤمن المتصوفة بوجود معان ظاهرة وباطنة للقرآن والأحاديث الشريفة، وهم يجلون من يرون فيهم القدرة على إدراك اشد المعاني الباطنة. ومثل أئمة الشيعة تماما يحظى أولياء الصوفية بمكانة خاصة متأنية من معارفهم وقربهم إلى الله. والماهية الروحانية للأولياء تعتبر شأن مثيلتها عند الأئمة ينبوعا للبركات التي لا تنقطع عن الاتباع حتى بعد أن يغيب الموت هؤلاء الأولياء. إن المزارات الصوفية على غرار المزارات الشيعية، وهي أماكن يخالج المؤمنين تجاهها إحساس عميق بالهوى الروحي والتعلق العاطفي. إن الإمام الشيعي والولي الصوفي كلاهما إجلال وتعظيم بوصفهما وسيطا ما بين الإنسان وربه، وقادرا على التشفع للمرء كي يمن الله عليه بالشفاء والنعمة والغفران حتى ولو كان هذا المرء مهملا للفرائض الدينية اليومية إلى حد ما. ويشارك المتصوفة الشيعة حبهم لعلي وحبهم الأعظم لآل البيت بالنسبة للقسم الأكبر للمتصوفة. ويمثل علي الينبوع الأبرز للمعارف الروحية، فإنه في نظر المريد الصوفي الأول ومصدر الحكمة التي تشكل أساس التصوف، ومن هنا فإن جميع الطرق الصوفية ماعدا النقشبندية التي تعود إلى أبي بكر ترى في علي المنبع الرئيسي للحكمة الروحية الاستثنائية، فالكثير من السجايا التي تعزى إلى علي كالشهامة والبسالة والكرم والعدل وعظمه الروح هي من القيم التي يتعلق بها المتصوفة بوصفها الجوهر الحقيقي للتدين الإسلامي، وهذه النزعة هي أقوى ما تكون عند الصوفية الشيعية التي نجدها في الطريقة النعمتللهية الشهيرة في إيران، حيث تنحبك في عقيدتها الروحانية الصوفية والتدين الشيعي في نسيج واحد. وتولد عن تأثير الصوفية والفكر الإسلامي التسامح إزاء التشيع في العديد من المجتمعات السنية. فيما تؤطر الصوفية التدين الإسلامي، يلقى الشيعة قدرا من القبول الذي يضافر ما بين تعاليم الصوفية والفقه الشرعي السني مزيدا من صور التسامح مع الشيعة. والتصوف والتشيع لديهما الكثير مما يخشيانه معا، لاسيما في ذلك الخط الوهابي السني والسلفية، علما بأن الكثير من القوى التي تنهج الخط السني المتشدد ترفض التشيع وكذلك التصوف، وقد توصل التشيع والتصوف إلى بناء قضية جامعة بينهما.