( السبل الخسيسة لا تؤدي الى نتائج حميدة.. فالسبل هى البذور والنتائج هى الثمار).. مارتن لوثر كنج ٭ إن بذور الحضارة المادية لا تنتج ثماراً تمثل كل أبعاد حقيقة الوجود البشري، على الاقل من ناحية أنها لا تفي بمتطلبات ذلك الوجود الحيوية كلها، وأحياناً تصادم وتهدم معنى الانسان على الارض. لقد كانت تجربة مارتن لوثر وأنصاره عطاءً لا محدود لتاريخ الضمير الإنساني وإرادة الخير الحرة التي لا تتجزأ او تنحاز، لأنها إرادة مستمدة من قواعد الطبيعة التي تتمتع بالقوة الكافية لتجعل قوانينها تسير قطار الاحداث، وتحدد نتائجها بناءً على معطيات راسخة لا علاقة لها بكل ما يحدث الآن في عالمنا من خلط للاوراق وتزييف للحقائق وخداع للعقل وقتل الضمير. لقد ناضل العديد ممن خلدت أسماؤهم في تاريخ عالمنا لأجل كرامة الانسان، وتقديراً للخصائص التي أنعم بها الخالق عليه، لذا كان يجب ان تسقط كل المعايير الواهية التي لا تؤسس لمساواة بين جنسنا، طالما أن العقل هو العقل والروح هى الروح والجسد هو الجسد. وعلى مدى أكثر من خمسة عقود ظلت سياسة التفرقة بين أبناء السودان بخارطته المعهودة والمألوفة تعمل متواصلة ومتعمقة لإحداث شروخ تصعب معالجتها لكنها لا تستحيل. ومؤكداً أن وطننا هذا عانى من عدم وجود استراتيجية تملك أدوات فاعلة ومؤثرة في توحيد نبض المجتمع، والنظر إلى التباينات الموجودة فيه كميزة تناسب تعدد المجالات وتنوع الادوار على هذه الحياة، وبالتالي فإنها تعزز فرص نجاح المجتمع المعني، إذ تمكن من محاصرة أسباب نشوب الأزمات والصراعات التي تفتعل بناءً على المفاهيم القبلية البدائية التي تجاوزتها معظم شعوب العالم، وتركت تجاربها دروساً وعبراً عظيمة جداً كما في تجربة المعلم الانساني مارتن لوثر الذي أهدى الى الولاياتالمتحدة إمكانية أن تكون البلد الأول في العالم من حيث الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية، وأن تبرز قدرات الأقليات بشكل واضح في البناء الاقتصادي والاجتماعي.. الخ، فالأمثلة عديدة. والآن نحن نواجه قضية الاستفتاء تجاه اقليم كبير من اقاليم السودان، ولم نتمكن حقاً من توظيف التراث الانساني لأبناء هذا الجزء الحبيب من الوطن، بل والاكثر مدعاة للأسف أن بعض أبناء الوطن لا يعتقدون بوجود تراث يستحق أن يولي بعض الاعتبار، ويبنون على الواقع السياسي الذي عزل جميع أجزاء السودان عن بعضها منذ عهد الاستعمار، ونستشهد هنا بكلمات للمفكر الفرنسي جان بول سارتر وردت في (فكر لوموبا السياسي) يقول فيها: ( الاستعمار يوحد، ولكنه يقسم بالقدر نفسه، على الاقل. وهو لا يقسم بناءً على خطة مرسومة وسياسة ميكافيلية فحسب- فلو كان الامر كذلك لما كان خطيراً- وإنما يقسم عن طريق العمل الذي يفرضه، وعن طريق الفئات الاجتماعية التي يصنعها ويرتبها في مستويات بعضها فوق بعض). إن في أوساط المثقفين والمبدعين في بلدنا هذا شمالاً وجنوباً، ورغم رداءة الطقس الفكري سياسياً وثقافياً، أسماء يمكن الاعتماد عليها لوضع الأساس لعلاقة مستقرة بين أبناء هذا الوطن، لا تكترث بالفروقات الاقتصادية والشكلية الاخرى، بقدر ما تدعم وتعزز القيم الانسانية والوطنية، وتستلهم من تاريخ التقاء الثقافة الافروعربية في السودان أبعاداً حياتية جديدة تمكن شعبنا من أن يكون نموذجاً مشرفاً لكل أبناء المنطقة والقارة، وسيظل السودان بكل قاعدته البشرية رغم كل الأحزان.