جلست ذات يوم أفكر في إعداد حلقة تلفزيونية جديدة لبرنامجي «أمريكا بعيون سودانية» والذي يبث على شاشات قناة النيل الأزرق. فكرة البرنامج تعتمد على إبراز تجربة المغترب السوداني الذي ترك وطنه خلفه منذ أعوام طويلة مضت وهو يعمل أو يدرس بالولايات المتحدةالأمريكية. من خلال البرنامج، نزور المغترب في ولايته، نقف على العمل الذي يقوم به، نزور مقره ونمارس معه مهنته يدا بيد.. ومن خلال الحلقات أيضا، نزور معالم المدينة الرئيسية ونقدم نبذة عنها.. معظم هذه الحلقات، والتي بدأت في العام 2007، كانت تتناول المغترب السوداني بصورة مشرفة يستحقها. فالشباب السوداني مثابر وصابر، يدرس ويعمل في ذات الوقت، يحقق نجاحاته ويقدم إنجازاته في المجالات المتنوعة والمختلفة.. ولكن، ليس كل النماذج بلا شك وردية،وليست كل التجارب التي عايشها السودانيون بأمريكا إيجابية. بل هنالك بعض من أمثلة هنا وهنالك تخبرنا عن أحوال لم تسر بالطريقة التي تسر المغترب الذي ترك أهله وأسرته بحثا عن بعض مقومات الحياة الكريمة. فهنالك قصص عن شباب حضروا إلى أمريكا لكي يصابوا في أماكن أعمالهم المختلفة برصاصات مقصودة او طائشة.. وليس هذا فحسب، بل أن هنالك شبابا لم يسيروا على الطريق المستقيم وأغواهم الشيطان دافعا إياهم لأن يسرقوا وينهبوا. وفي ذات يوم وأنا أضع خرطة الحلقة الجديدة، فكرت في تناول قصة سودانية تبرز عيوب الغربة وتناقش أسباب الإنحراف بين دروبها.. موضحة آثارها على الفرد وأسرته.. ثم نستخلص العبر التي تعلمها الشخص والدروس التي يريد أن ينقلها للآخرين من خلال معايشته.. وتحمست جدا للفكرة، بالرغم من تخوفي منها بداية، لكنني قدرت اننا بشر ليس في مصاف الملائكة وانه من واجبنا مناقشة الظواهر السالبة التي تظهر في حياة شبابنا المغترب.. وبدأت في تحقيق رغبتي لتصوير حلقتي، وقمت بالاتصال بأسرة أعرف معاناتها.. ولكن لم يكن لي ما أردت.. والسبب، أن ربّ الأسرة اخبرني بما معناه أنه لن يتمكن من الظهور وأسرته في التلفاز لمناقشة تجربتهم السالبة بالولايات المتحدة.. وبدأ نقاش طويل انتهى بان يحسم ربّ الأسرة الأمر بصورة حازمة وهو يقول «مستحيل!! حسه الناس يقولوا علينا شنو؟» . وبدأت أفكر في الأمر، إننا كمجتمع، نلوم الإعلام السوداني بانه ليس قريبا من الشارع بالصورة التي نرغب.. فهو لا يناقش القضايا الحيوية بصورة واضحة تمكننا من وضع ايدينا على مكمن الداء ومحاولة علاجه.. ولكن بعد تجربتي هذه بدأت أنا نفسي أسأل، هل نلوم الإعلام السوداني الذي لا يلف القضايا بوشاح من الشفافية؟ أم انه المجتمع الذي لا يعطي الإعلام فرصته الكاملة للقيام بدوره؟ وإن كانت هنالك حلقة تناقش قضية حساسة، هل سيتركز اهتمام المستمع أو القارئ أو المشاهد على القضية محل النقاش أم أن التركيز سيكون متمحورا في «شفتو ود ناس فلان قال شنو في الجريدة أو التلفزيون؟»..وكيف يمكن للمجتمع أن يرتقي إذا لم يتمكن الإعلام من مناقشة قضاياه المهمة بصورة حيوية؟