اوراق متناثرة أن تموت ويعيش غيرُك!! غادة عبد العزيز خالد كتبت الصحافة السودانية عن جدل فقهي دار في خلال الأسابيع الماضية حول شرعية التبرع بأعضاء المتوفي لمريض يحتاج هذه الأعضاء. وبينما أنا أقرأ الخبر، سرح ذهني في تجربة أسرة سودانية رائعة إلتقيتها قبيل عامين. فلقد كنت أعد حلقة لبرنامجي بقناة النيل الأزرق والذي يتعرض لحياة السودانيين بأمريكا وتجاربهم المختلفة ونزور في ذات الوقت أهم المعالم التي تتضمنها المدينة التي تعيش بها الأسرة السودانية. كانت الحلقة تدور بمدينة لوس انجلوس وكنت ابحث عن أسرة تعيش هنالك. وأعانني الأصدقاء للإهتداء على أسرة الأستاذ الياس طلحة وزوجته الرائعة خلود وأبنائهم الثلاثة. وبعد الإنفاق على تسجيل الحلقة سافرت إلى لوس انجلوس وإلتقيت بهم وكانوا بالفعل نعم الأسرة ونعم الضيوف. في بداية الحلقة، تحدث الأستاذ الياس طلحة عن تجربته مع مرض أصاب قلبه الطيب. وتطور المرض حتى صار العلاج نفسه لا يجدي وبات يتحتم على قلب طلحة أن يتغير. ووضعت معلومات الأستاذ طلحة، مثلا العمر وفصيلة الدم، في مدونة طبية وصار الأستاذ طلحة ينتظر الفرج من ربه وان يعلمه الأطباء ان هنالك قلباً متاحاً له لكي يعيش. بالطبع كانت التجربة التي يعيش بها الأستاذ طلحة قاسية، فهو يعاني الآلام ويستلقي على فراش المرض بالمستشفى، لكن الألم كان ممتدا ليس لأسرته وزوجته الرائعة الصابرة خلود ولكن لعموم الجالية السودانية التي تعيش في لوس انجلوس والتي ما فتئت تزور وتعود الأستاذ طلحة حتى خاله الأطباء من الشخصيات الكبيرة المهمة بالبلاد. وفي يوم أتى فرج الله المنتظر، لقد توفي شاب صغير في التاسعة عشر من عمره وكان قد سجل الشاب نفسه في قائمة المتبرعين بالأعضاء. وبالولايات المتحدة حينما تذهب إلى إستخراج أو تجديد رخصة القيادة واحدة من الأسئلة هي:» هل ترغب أن تكون متبرعا بأعضائك؟» الإجابة بنعم تحتم وضع علامة قلب صغيرة على ركن برخصة القيادة. وهذا يجعل الطاقم الطبي الذي سيتابع الحالة يعرف انه إذا ما توفي هذا الشخص فهذا يعني ان إستخراج الأعضاء سيتم على عجالة لتحفظ ثم توضع معلوماته في ذات القائمة الطبية التي تسجل المنتظرين، وتتم هنالك عملية التوافق ما بين المطلوب والمتاح. وأما إذا ما تطابق أكثر من شخص في التفاصيل فالأولوية تكون للذي سجل في القائمة أولا. ووجد الأطباء أن قلب الشاب المتبرع بأعضائه يتوافق تماما مع قلب الأستاذ طلحة العليل. وسريعا تم تحديد موعد عملية نقل القلب الذي سيعطي الأستاذ طلحة أملا كبيرا في الحياة. وذكر الأستاذ طلحة في نهاية حكايته المحزنة المفرحة ان ثمانية وعشرين سودانيا تركوا المستشفى مباشرة بعد نهاية عملية نقل القلب وإتجهوا لزيارة مكتب ترخيصات القيادة وقاموا بتسجيل أنفسهم في قائمة المتبرعين بالأعضاء. إنه لا يزال من الصعب على ثقافتنا السودانية تقبل فكرة نقل الأعضاء. فالمتوفي في ديننا من الواجب إكرامه بدفنه حال وفاته ولا يفكرون كثيرا بعملية ان ينقل إلى المستشفى لنقل أعضائه ثم دفنه. كذلك التفكير في العملية نفسها،فيصعب على الإنسان احتساب نفسه وآخرته ويوصي بالتبرع بأعضائه في حياته. لكن تجربة مثل التي تعرض لها الأستاذ طلحة تعطي للنقاش وللتفكير في الأمر بعداً إنسانياً كبيراً. الصحافة