يومان وتدخل العملية الانتخابية مرحلة جديدة في مشوارها الممتد عبر مراحل مختلفة، وذلك بولوجها لمرحلة الحملة الانتخابية «السلاح المشروع للقوي السياسية لابراز عضلاتها امام الجماهير قبل التوجه لصناديق الاقتراع في ابريل المقبل، وتدخل معها الساحة السياسية مرحلة من الحراك الجماهيري بعد غياب امتد لأكثر من عشرين عاماً، فبعد حالة من هدوء النشاط الحزبي نسبياً خاصة لدي المرشحين لمناصب رئيس الجمهورية والاحزاب الكبري، يبدو ان الساحة السياسية موعودة بارتفاع جديد في درجات سخونة الجو السياسي الذي يتوقع له من خلال الحملات الانتخابية أن يشهد الكثير من الألعاب القانونية والخشنة التي تستوجب اشهار الكرت من قبل حكم الساحة الانتخابية. ومع اقتراب بدء الحملة الانتخابية المقرر لها السبت المقبل، تبرز الي السطح كثير من المخاوف لدي القوي السياسية المختلفة، فأحزاب المعارضة تتخوف من ان يقدم المؤتمر الوطني علي مضايقات لحملاتها الانتخابية فيما يتعلق باتاحة الحرية للمرشحين والاحزاب في ممارسة نشاطهم الانتخابي من خلال الحملات الجماهيرية التي ستنطلق في كل ارجاء البلاد، في وقت يبدو فيه ان المؤتمر الوطني يتخوف من ان تستغل الحملات الانتخابية من قبل أحزاب المعارضة لمحاكمته ونصب مشانق لقادته بنبش دفاتر الانقاذ منذ قدومها للسلطة عبر انقلاب 1989م، بالاضافة الي خوفه من ان تلعب المعارضة علي بعض الملفات الحساسة مثل قضية دارفور والمحكمة الجنائية الدولية التي ستكون بحسب كثيرين جزءا من سلاح الحملات الانتخابية لدي أحزاب المعارضة لمواجهة المؤتمر الوطني، الأمر الذي ربما يؤدي لحالة من الشد والجذب قد تعكر المناخ السياسي المضطرب اصلاً. ولكن الدكتور حسن الساعوري استاذ العلوم السياسية، قال ل«الصحافة» ان انتقاد الملفات الحساسة مثل «الجنائية، دارفور، الفساد» بموضوعية ليس مشكلة وقد يكون مقبولا اذا تم في اطار انتقاد أداء الجهاز التنفيذي والسياسي، ولكنه برأيه ان المشكلة تكمن في ممارسة الهجوم علي المستوي الشخصي والمهاترات، وقال الساعوري «ليست هناك مشكلة في الهجوم علي الاداء ولكن لو ذهب الهجوم للاستفزاز نكون «لا رحنا ولا جينا» لأن ممارسة الاستفزاز ستؤدي الي التعبئة الشعبية، وهي التي تؤدي الي العنف الانتخابي، وقال ان علي الاحزاب في الحملات الانتخابية ان تقدم أولاً برنامجها الانتخابي وتنتقد برامج الاحزاب الاخري، ومن ثم تنتقد الأداء العام، واضاف «انا لا اتوقع استفزازا كبيرا، لكنه اذا وقع سيكون مشكلة كبيرة وعواقبة ليست جيدة». ومن جهة اخري ، يبدو أن تخوف احزاب المعارضة من أن تواجه بتقييد أو مضايقات في حملاتها الانتخابية، أنه تخوف يتجاوزها في هم الشأن العام، بل يتعداها الي منظمات المجتمع المدني والمراقبين الدوليين للانتخابات، تخوف يبدو ان الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر الذي يراقب مركزه الانتخابات القادمه جاء يتأبطه في لقائه مع الرئيس البشير أول أمس، حيث قال كارتر للصحافيين انه تلقى ضمانات من البشير بأنه لن تكون هناك عوائق امام المرشحين في حملاتهم الانتخابية التي تبدأ السبت المقبل، موضحا ان البشير ابلغه ان قانون الامن لن يقف امام التجمعات والأنشطة السياسية، واضاف «طلبت من البشير اتاحة حرية تامة في دارفور خلال مرحلة الانتخابات لأن هناك حال طوارىء» ، مشيرا الى ان البشير تعهد بأن حالة الطوارىء لن تعرقل الحملة الانتخابية، وان الحريات ستكفل في حدود القانون». وكانت قوي المعارضة سبق لها وأن أبدت مخاوفها من وضع السلطات متاريس امام نشاطها السياسي، وقد أثارت غير القليل من الغبار حول اجازة قانون الاجراءات الجنائية، ووصفته بانه يصادر الحرية السياسية في احدي مواده التي تبيح للسلطات المحلية الغاء اي مسيرة او ندوة او نشاط اذا قدرت انه سيخل بالأمن والسلام حتى لو كان لديه تصديق من الجهات العليا، وهي المادة التي وصفتها المعارضة بانها مادة صادرت ما أتاحه الدستور في القوانين الاخري من حريات في قانون الاحزاب من حرية التعبير والتجمهر السلمي والتظاهر، وقانون الانتخابات، كما تتخوف المعارضة من أن يؤدي فرض حالة الطوارئ في دارفور من تقييد نشاطها الانتخابي هناك وبالتالي حملة مرشحيها للانتخابات. اذاً مؤشرات بداية الحملة الانتخابية السبت القادم تشير الي أنها ربما تعيد تكرار سيناريو الحملات الانتخابية السابقة خاصة في انتخابات «1986م» التي وصلت قمتها في تصفية الحسابات الشخصية من خلال الحملات الانتخابية، الأمر الذي يضع الحملة المرتقبة أمام تحدي تجاوز سلبيات الماضي. الدكتور حمد عمر الحاوي، قال ل«الصحافة» ان المؤتمر الوطني شكل نظام حكم حزب واحد مطلق لمدة «20» سنة بالتالي مسألة الانتقال من شمولية مطلقة لحرية مطلقة غير متوقع، وقال ان تمرين الحرية الأول «اجازة القوانين ومظاهرات الاثنين التي صاحبتها» فشلت فيه الانقاذ، مشيرا الي ان هواجس المعارضة في محلها من احتمال تقييد نشاطها الانتخابي لأن المؤتمر الوطني يريد ان يستمر في السلطة، لذا فان استخدام الاحزاب المعارضة للملفات الحساسة له مثل «دارفور والجنائية» سيتعامل معها بشكل حاسم، واضاف «ان المتنفذين في المؤتمر الوطني لم يسع صدرهم للآخر بعد، لذا عندما يتحدثون عن الديمقراطية لابد ان يدركوا ان هناك ثمنا يجب دفعه، وقال ان هواجس المؤتمر الوطني من الحملة الانتخابية ان تتناول الأحزاب فيها ملفاته الحساسة في محلها، ولكن هي طبيعة الديمقراطية». وكان السيد رئيس الجمهورية قد اصدر توجيها سابقاً لوزارة الداخلية بالسماح للقوي السياسية بممارسة نشاطها وفعالياتها السياسية بموجب اخطار فقط تقدمه لدائرة الاختصاص التي ستجري فيها الفعالية، وتعهد باتاحة الحرية للاحزاب السياسية بممارسة نشاطها السياسي، ولكن القوي المعارضة قالت ان ذلك التوجيه ضربت به الشرطة عرض الحائط عندما تصدت لمظاهرة الاثنين الشهيرة الشهر قبل الماضي، لتفتح الحملات الانتخابية المرتقبة الباب واسعاً لتكهنات حول مسارات الحملات الانتخابية، وطريقة ادارتها من قبل القوي السياسية، وهل ستتاح فيها الحرية كاملة للقوي السياسية بممارسة حملاتها الانتخابية أم أنها ستواجه بمعيقات تحد من حملاتها الانتخابية؟. المؤتمر الوطني من جهته تعهد أكثر من مرة باتاحة ممارسة الحرية الانتخابية كاملة للقوي السياسية وفقاً للقانون، ولكن السيد الصادق المهدي رئيس حزب الامة القومي قد اعتبر قانون الأمن الوطني الحالي من التشريعات الشمولية، لتقنينه الاعتقال التحفظي، والاحتجاز، ومصادرة الأموال، ويمنح رجال الأمن حصانة، وصفها بالأسلحة الفتاكة التي يمكن أن تستخدمها الحكومة ضد منافسيها في الانتخابات، وطالب بعد لقائه جيمي كارتر أول أمس، المرشحين بمن فيهم رئيس الجمهورية بعدم استغلال منصبه للدعاية، ودعا الى تكوين مجلس قومي تشترك فيه الأحزاب المتنافسة للاشراف على الاعلام القومي. وما بين تخوف المعارضة من تقييد نشاطها الانتخابي، وتخوف المؤتمر الوطني من انفلات الحملات الانتخابية، يبدو الخيط الفاصل بينهما رفيعاً من حيث الدرجة وان اختلف الاتجاه، أمر يضع النصوص القانونية المختلف عليها اصلاً بين الحاكمين والمعارضين، ويجعلها قابلة لتأويلات السلطة والمعارضة، فالي اين تتجه مآلات الشد والجذب المرتقب اثارتها في الساحة السياسية بين المؤتمر الوطني والاحزاب المعارضة في السباق الانتخابي، الايام القادمة ستكون حُبلى بالكثير!!.