ولد الدكتور «سامويل ميرت» بولاية مين الأمريكية عام «1822»، ودرس حتى تخرج من الجامعة طبيبا. لا أدري تحديدا متى قرر سامويل الرحول الى ولاية كليفورنيا، لكنه ارتحل الى مدينة سان فرانسيسكو وهنالك صار واحدا من أنجح أطبائها. و استطاع سامويل بعمله وجهده أن يجمع أموالا مكنته من شراء الكثير من قطع الأراضي بمدينة أوكلاند بذات الولاية، و ارتحل اليها تاركا سان فراسيسكو خلفه في عام «1863». وأحب سامويل مدينة أوكلاند ولم يعد يكتفي بمراقبة أوضاعها من مقعد المواطنة، فقرر أن يلج الى عالم سياستها ورشح نفسه فعلا لمنصب العمدة. وفاز سامويل في الانتخابات وصار عمدة مدينة أوكلاند الثالث عشر وكان ذلك في عام «1967». وفي ذات العام الذي تولى فيه سامويل مهام عمدة المدينة، بدأ يطمح في تحويل بعض من ممتلكاته الخاصة لتصير أراضي عامة يستمتع بها جميع أهل المدينة. فقام سامويل بالتبرع بحوالي 627 مترا مربعا من أراضيه التي تحيط بها المياه حتى تصير ملكا للمدينة وصار يطلق عليها «بحيرة ميرت». ولم يكتف سامويل بهذا، بل قام بدعم مشروعات لتعمير البحيرة والأراضي التي تحيطها، وأدخل عليها الكثير من الاصلاحات حتى صارت البحيرة لها أهمية تاريخية وذلك لأنها أضحت أول محمية رسمية للحيوانات يتم الاعلان عنها في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتحقق ذلك لسامويل في عام 1870م. واليوم، وبعد مرور أكثر من قرن على تبرع سامويل باراضيه، نجد أن بحيرة ميرت لا تزال مكانا يرتاده العامة. فالمنطقة، ان رأيتها، رائعة تحيط بها الأشجار والحدائق والمباني السكنية من كل جانب. يوجد حول البحيرة اليوم طريق مصفوف يمتد لأكثر من خمسة كيلومترات لراغبي المشي والجري. وهنالك أيضا «عقد الأنوار» والذي يحتوي على أكثر من ثلاثة آلاف لمبة. تمت انارة العقد لأول مرة في عام 1925 وحتى اضطرت المدينة الى اطفائه ابان الحرب العالمية الثانية. وبعد انتهاء الحرب، ظل سكان المدينة يحاربون لعشر سنوات كاملة من أجل اضاءة عقد الأنوار حتى كان لهم ما أرادوا وعادت الحياة في «أسلاك» الأنوار في عام 1985م. لقد قام سامويل بالتبرع بأراضيه الخاصة من أجل أن يخلق مساحة للعامة والفقراء من سكان مدينته حتى يروحوا عن أنفسهم. فتأتي الأسر الى الحديقة وتجلس على الأعشاب الخضراء وتتنفس الهواء العليل ناظرة الى المياه وهي تتهادى برفق من حولهم. ولكن الأهم، أن هذا الترويح عن النفس البرئ يكون مجانيا لهذه الأسر وبذلك يجد ربّ الأسرة المعدمة والغنية مكانا رائعا يذهب اليه مع أسرته. وراقبت منظر الجموع من حولي وهي تسترخى وتركض، تجلس وتمشي، تلعب وتتحدث وأنا أسترجع منظر الأراضي العامة المتقلصة بوطني. لا أحد يرفض العمار بطبيعة الحال ولكن بقاء حدائق واسعة حول النيل تكون مجانية للعامة هو حق لكل مواطن. المواطن العامل الذي يريد أن يصطحب أسرته بعد عناء يوم عمل طويل أو في يوم اجازته الى مكان جميل وبدون أن يغرم «دم قلبه». ان الترويح -المجاني- هو حق مكفول.. وللجميع!!