يعتبر توفير المياه النقية بالقرب من التجمعات السكنية على مستوى الريف من أهم العناصر اللازمة لتوفير حياة كريمة وآمنة لسكانه مما يساهم بدوره في رفع المستوى الصحي لهم ويخفض من حجم الاشتباكات القبلية بمواقع المياه كما يوفر فرص تنمية الموارد المحلية وتحجيم معدلات النزوح من تلك الأرياف للمدن . وتمثل المياه الجوفية لسكان الريف ضماناً أكبر بعد معاناتهم المتكررة من المياه السطحية والمتمثلة في مصادر متعددة كالرهود والوديان والحفائر والتى تعتبر من المصادر الملوثة بفعل انجراف الفضلات الآدمية وبقايا الحيوانات الميتة أثناء جريان الوديان المغذية لها، كما تتأثر بعوامل أخرى منها ارتفاع تكلفة تأهيلها وادارتها لتأثرها بعوامل التداخل والشد القبلي ،رغم أن الأولى لاتخلو من مشكلات لكنها أخف ضرراً من الثانية، ويواجه توفير المياه النقية من المصدرين تحديا كبيرا يواجه المسؤولين في القطاع، فاذا رجعنا الى تقرير الهيئة العامة للمياه السنوي لعام 2006 لمعرفة مستوى التغطية بمياه الشرب بالولايات الشمالية والجنوبية، فان امدادات المياه في المناطق الريفية بالولايات الشمالية لم تتجاوز التغطية القصوى فيه 79% مقابل 85 % في ولايات الخرطوم والجزيرة والشمالية لتصل الحد الأدنى 52،5% في ولايات دارفور الثلاث . أما ولايات جنوب السودان فقد زادت نسب التغطية من 48% الى 51،2% في نفس العام بتوفير مياه آمنة لعدد 162 ألف شخص في مناطق الدودة الغينية ويظل التحدى الأكبر متمثلاً في تشييد مصادر مياه نقية ومستمرة بتشييد مصادر مياه جديدة لعدد 210 آلاف شخص وتأهيل مصادر مياه قائمة لعدد 241 ألف شخص ، بجانب تشييد مصادر مياه جديدة لعدد 64 مدرسة، و36 وحدة صحية وتشييد مصادر مياه جديدة لعدد 100 ألف من المتأثرين بالكوارث، عليه يظل توفير مياه شرب نقية بالولاياتالجنوبية باعتبارها من الولايات المتأثرة بالحرب تحديا كبيرا يحتاج الى مواجهة في ظل وجود تحديات تواجه قطاع المياه ككل بالبلاد . فحسب مارصده الأستاذ الجامعي الفاضل عبد الرحمن أزرق في ورقة علمية قدمها بمنتدى مجلس الوزراء الدوري مطلع العام الفائت بعنوان : « معالجة مياه الشرب والامداد « ، ان هنالك معوقات تواجه قطاع مياه الشرب بالبلاد منها:عدم كفاية الميزانيات المرصودة للمياه لمقابلة المشاريع الضرورية لتوفير المياه الصالحة لشرب الانسان والحيوان بجانب نقص الكوادر الفنية المؤهلة في مجال خدمات المياه بالولايات وعدم توفر فرص التدريب الداخلي والخارجي للعاملين في مجال المياه لمواكبة الطفرة التكنولوجية يضاف لها استغلال الولايات للمبالغ المخصصة للمياه في أغراض أخرى وعدم الاستخدام الأمثل للورش بالولايات جعل هنالك صعوبة في عملية صيانة الآبار ومرافق المياه في تلك المناطق . لكن رغم تلك الصعوبات التى تواجه هذا القطاع فهنالك بادرة أمل تلوح في الأفق بعد ان أخذ هذا القطاع يسير بخطى حثيثة لتحقيق أهداف الألفية للتطوير « ام دي جي أس « والتى تستوجب أن تبلغ نسبة تغطية جميع الولايات بمياه شرب نقية بحلول العام 2015 حوالي 82 % ، فقد كشف تقرير التنمية البشرية للولايات الشمالية الذي اجيز من قبل مجلس الوزراء في جلسته نهاية الاسبوع الماضي أن نسبة السكان المستفيدين من مياه الشرب النقية في معظم الولايات الشمالية ارتفع الى 70 % ولاننسى الولاياتالجنوبية والتى ستحصد خلال ثمانية أشهر ابتداء من نهاية هذا الاسبوع مياها نقية من ثلاثين بئرا ستركب عليها محطات تنقية توفر المياه لما لايقل عن 250 ألف شخص بالولايات المختلفة في اطار منحة قدمتها جمهورية مصر العربية تنفيذاً للبروتكول الفني المشترك بينها وبين جمهورية السودان في اطار مشروعات التعاون الفني وكمرحلة أولى ، وسيتم تنفيذ هذه المحطات بواسطة شركة المجموعة السودانية المصرية للاستثماربتكلفة قدرها 5 آلاف دولار وسيمثل نهاية هذا الاسبوع بداية الانطلاقة الفعلية للعمل في ثلاث ولايات هي أعالى النيل وجونقلى وغرب بحر الغزال ويصل عدد المحطات التى ستشيد في كل : 4 - 6 - 5 على التوالي . المفوض الرسمي لشركة المجموعة السودانية المصرية الدكتور أمجد مصطفى العوضي تحدث ل « الصحافة » عن المشروع فقال : نشأت فكرة المشروع في اطار تنفيذ البروتكول الموقع بين الحكومة السودانية والحكومة المصرية في اطار المرحلة الأولى لمشروعات التعاون الفني بين البلدين ، مضيفاً : نحن كجهة تنفيذية بعد المنافسة تم اسناد المشروع لنا كمجموعة سودانية مصرية لتنفيذ المرحلة الأولى والمتمثلة في تشييد 30 محطة مياه شرب في الاقليمالجنوبي في الوقت نفسه تشييد معمل تحليل مركزي مصاحب لعملية انشاء المحطات وسيتم تثبيته في مدينة جوبا بعد اكمال تنفيذها ، ويذهب الى أن المشروع بتكلفة أجنبية تبلغ 5 ملايين دولار سينفذ على مرحلتين المرحلة الأولى كانت قبل حوالي شهر بتجهيز الآليات والمعدات والمقومات اللوجستية من صهاريج مياه وابراج حاملة ، بالاضافة الى طلمبات المياه والطلمبات الغاطسة بجانب مولدات الطاقة الكهربائية، روعي في ذلك استخدام مواصفات قياسية عالية بتقنية أمريكية وايطالية واروبية تتلاءم مع الخدمة المبتغاة من هذا المشروع والذي يهدف في مجمله كما قال توفير مياه نقية في المناطق التى سنشيد فيها هذه المشروعات كما تضمن هذه التقنية استمرارية الخدمة بعمر افتراضي يبلغ 25 عاماً ، وكما سيتم تدريب كوادر سودانية على ادارة وتشغيل وتفعيل هذه المحطات فيما بعد حيث ستحتاج ادارتها الى مالايقل عن 120 عاملا بمعدل 4 عمال للمحطة الواحدة، وحول الضمانات الأخرى لتشغيل المحطة يقول : في المرحلة الأولى من التشغيل سيتم ضمان تشغيلها لمدة عام من قبل الشركة المنفذة يشمل ذلك تغيير الزيوت والفلاتر وتغيير قطع الغيار بعد ذلك ستؤول عملية الادارة للجانب السوداني ممثلاً في وزارات البنى التحتية في اقليمجنوب السودان. ويذهب أمجد الى أن المشروع من بدايته سيعمل على تشغيل مابين 100 الى 150 عاملا سودانيا بجانب 35 عاملا مصريا لمدة 18 شهر ، أما عملية ادارة المحطات فهي شأن الحكومة السودانية فهذا المشروع منحة من الحكومة المصرية ، وبعد اكتمال العمل سيسلم للحكومة السودانية لتعمل على ادارته بواسطة كوادر سودانية والتى سيتم تدريبها من الجانب المصري لتقوم بهذا العمل وذلك بتعريفها على كيفية التعامل مع هذه المعدات بما يضمن الانسياب الأمثل لتنفيذ الخدمة بصورة تجعل المواطن يشعر بالتنمية وتساعده على الاستقرار ومن أجل ترسيخ مبدأ الوحدة الجاذبة. ويذهب أمجد الى القول بأن هذه المحطات سيستفيد منها مالايقل عن 5 - 10 آلاف نسمة في كل محطة أى مايعادل مابين 150 - 300 ألف للمحطات مجتمعة وهنالك امكانية للتوسع مستقبلاً، ويوضح أن هنالك جهودا سابقة لهذا العمل لتوفير مياه الشرب في الاقليمالجنوبي قامت بها المنظمات الأجنبية مثل الأممالمتحدة واليونسيف وأوكسفام والعون الاسلامي وماسيقومون به من عمل سيستهدف مناطق أخرى غير تلك المناطق التى استهدفت من قبل، أملاً في تحقيق فائدة قصوى من هذه المنحة، مشيراً الى أن هذه هي المرحلة الاولى وستكون هنالك مرحلة ثانية ونحن في انتظار المسؤولين وصانعي القرار لتحديد المناطق المستفيدة . وفي شرحه لخيار لمنحة الآبار الجوفية بدل محطات التنقية للمياه السطحية، يقول أمجد : لو كانت المناطق المستهدفة قريبة من النيل أو أى مصدر سطحي آخر لكانت هنالك امكانية عمل محطات تنقية لها لكنها تبعد مابين 70 الى 100 كيلو متر في هذه المناطق يشرب الناس من مياه الأمطار التى تتجمع في حفائر وهى ملوثة ولاتصلح للاستخدام الآدمي فالغرض الأساسي هو توطين هؤلاء، فالناس تبحث عن الماء والكلأ، ففى حالة وجود مصدر مياه ثابت سيساعد في زيادة التجمعات السكانية في هذه المناطق ومن ثم يحدث نوع من الاستقرار الذى سيساعد في توفير الخدمات الأخرى، فكما يقال الماء عصب الحياة كما ان المياه الجوفية تتناسب مع الاستهلاك الآدمي من حيث نسبة الأملاح والمعادن الاخرى، ويضيف : رغم ذلك سنعمل بواسطة المعمل المركزي على تحليلها كيميائياً والذي يشمل تحليل عكارة ومعادن وحموضة وقلويات في نفس الوقت تحليل بكترلوجي لضمان سلامة المياه المستخرجة من الفطريات والأشياء الضارة ، وهنالك ضمان آخر فقد تم اعداد الصهاريج بطريقة معينة تضمن المحافظة عليها من التلوث بالبكتريا وخلافه كما سنتلافى تلوثها بتدريب الكوادر العاملة على كيفية النظافة الدورية لهذه الصهاريج وكيفية صيانتها وسيكون ذلك لمدة عام حتى تتمكن من التشغيل الأمثل لهذه المحطات، وفيما يخص تلافى مشاكل قطوعات المياه لاختلاف المواقع في انخفاضها وارتفاعها يقول : رأعينا أن تكون الصهاريج في أبراج يصل طولها لستة أمتار لضمان وصول المياه لأكبر ارتفاعات كما راعينا في ذلك امكانية التوسع المستقبلي فقد تم اختيار الطلمبات بما يتناسب والطاقة الانتاجية للمحطات وحسب الخزان الجوفي والقدرة الانتاجية للبئر مع مراعاة الحد الأدني 10 أمتار في الساعة، كما أن الصهاريج سعتها 25 مترا ومع زيادة الاستهلاك يمكن استخدام الطلمبات لزيادة الانتاج وهذا يختلف من موقع لموقع حسب الخزان الجوفي للبئر. الخدمة مقدمة مجانياً لمواطن جنوب السودان لكن يمكن بعد ذلك ان تضع الجهات المشرفة مقابلا رمزيا لزوم تكاليف الصيانة والتشغيل بعد مرور فترة الضمان وهي عام كامل