٭ لم تعد عملية الاعتقال عملية خشنة يطرق فيها رواد الليل باب منزلك في عنف ثم يقتادونك في سيارتهم إلى الحبس كإجراء أمني وسياسي فحسب، لكنها تحولت إلى قضية ذات أبعاد انسانية واجتماعية تتداخل فيها العاطفة مع تقاطعات السياسة وخطوطها الحمراء!! ٭ كما لم يعد غريباً أن تخترق أصوات النساء الناعمة جدار السجون حيث حفظ التاريخ وسجل حالات نادرة في هذا الشأن في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري فظهرت أصوات احتجاجية ناعمة من أرملة زعيم الحزب الشيوعي السابق عبد الخالق محجوب نعمات مالك وأيضاً من أرملة القيادي بالحزب الشيوعي الشفيع أحمد الشيخ فاطمة أحمد ابراهيم بينما ظلت قرينة زعيم حزب المؤتمر الشعبي الشيخ حسن الترابي وصال المهدي هي الأكثر ظهوراً وبروزاً في وسائل الاعلام باعتبار ان بعلها أصبح أكثر القيادات السياسية تردداً على الزنازين وضيفاً على المعتقلات!!! فإذا كان التعاطف من قبل قيادات المعارضة تجاه المعتقلين ذا طابع سياسي بغرض تحقيق أجندة وأهداف سياسية فان أصوات أسر المعتقلين تحمل مضامينَ عاطفية باعتبار أن غياب رب الأسرة له ظلال وآثار سلبية تنعكس على استقرار الأسر والعائلات!!! ٭ وحتى لا تكون وكمن يلقي الكلام على عواهنه دعونا ندلف إلى الموضوع بشكل أعمق ونحكي كيف أن عبد الملك شقيق عبد الرؤوف أبو زيد محمد حمزة المحكوم في قضية مقتل الدبلوماسي الأمريكي وسائقه السوداني قد اتصل بيَّ هاتفياً ليعرض عليَّ الوضع الصحي والحالة المتدهورة لشقيقه الذي يعاني حسب حديثه من مرض الدوالي بالاضافة إلى آثار نفسية جراء ظروف الاعتقال نفسها بما فيها من تقييد للأرجل بالسلاسل الحديدية - حسب زعم عبد الملك - وكيف أنه دخل في اضراب عن الطعام مما يزيد الحالة سوء على سؤتها!!! ويعود عبد الملك ليعبر عن قلق الأسرة ومخاوفها من تدهور الحالة الصحية لابنهم!!! وهو ذات الانطباع الذي حدثني عنه صديق الأسرة - تحفظت على اسمه - حينما يصف على مسامعي الحالة النفسية الصعبة التي يمر بها والد عبد الرؤوف الشيخ أبوزيد محمد حمزة للدرجة التي تدفعه للقول بأن اعدام ابنه - لو تم - لكان «أريح» من هذا العذاب الذي يكابدونه بين الحين والآخر!!! ٭ وقريب من ذلك ما ظلت أسرة الدكتور الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي «ابان احتجازه» تردد بين الفينة والأخرى بشأن الظروف الصحية التي يعاني منها الشيخ الثمانيني والمتمثلة في أمراض ارتفاع ضغط الدم والسكري فعصام الدين نجل الترابي تحدث معي عن القلق الذي كان ينتاب ويساور الأسرة حيال صحة والدهم . ٭ الترابي لم يكن على اتصال مع النزلاء الآخرين ولم يحظ بزيارات عائلية متواصلة والاشخاص الوحيدين الذين كان يراهم هم أقرباؤه من الدرجة الأولى وبمواعيد وزمن زيارة محدد مُسبقاً.. وحتى هؤلاء كان يتحدث معهم في حضور ثلاثة أو أربعة من أفراد جهاز الأمن حسب افادة نجله عصام الدين. ٭ ومن قبل وحينما حبست الدكتورة مريم الصادق المهدي القيادية بحزب الأمة القومي على خلفية خروجها ضمن المتظاهرين في موكب الرفض لزيادة أسعار السكر قبل أعوام قليلة كان تدخل الرئيس البشير المباشر سبباً في اطلاق سراحها في بداية فترة الاعتقال نتيجة لظروف انسانية قدرتها السلطات وقتها متعلقة بحاجة أطفالها الصغار لوالدتهم.. والطريف ان مجالس المدينة همست حينها بأن أسرة المهدي استنجدت بالرئيس البشير للتدخل لفك الحبيبة مريم الصادق من محبسها بسجن النساء بأم درمان اضافة لالتماس قدمه ملك الأردن الذي تربطه علاقة وطيدة بآل المهدي لكن الأطرف هو أن مريم وبعد خروجها مباشرة أكدت أن هذا الأمر لم يحدث على الاطلاق!! ٭ ربما لا.. لكن الظروف الصحية والانسانية للمعتقلين ما ينعكس جراءها من قلق وتوتر يقع على أسرهم ينبغي ألاّ ينسينا - وبذات القدر - الاضرار النفسية التي تعاني منها أسر الضحايا أو المجني عليهم!!! وبالتأكيد فإن هذا هو ما دفع المحامي وجدي صالح عبده ليقول ليَّ بأن ذوي المجنى عليهم أو المتهمين يعانون على السواء مما يترتب على أي حادث جنائي فتظل الأسرتان هنا وهناك تعانيان من الناحية النفسية والاجتماعية مما ينعكس على استقرارها وتماسكها. والشاهد أن القانون في اساسه استنبط من القواعد الاجتماعية التي تحكم المجتمعات وهي موازنة ما بين الحفاظ على المجتمع والمحافظة على حقوق وسلامة اعضائه والمحافظة ايضاً على أمنه واستقراره وايجاد عقوبات يمكن أن تلبي هذه الغاية باعتبار ان الغرض من العقوبة ليس التشفي والانتقام إنما الاصلاح والتقويم والتهديب!!! ٭ وعوداً على بدء يجوز القول ان العدالة بالضرورة تقتضي معاملة السجناء - مهما ارتكبوا من جرائم - معاملة تليق بالانسان وفي هذا السياق فان وجدي صالح عبده محامي المحكومين في قضية مقتل الدبلوماسي الامريكي وسائقه السوداني يقول بضرورة مراعاة حقوق السجناء داخل السجون بما يتناسب والمعايير الدولية لذلك وقواعد الحد الأدنى لمعاملة المسجونين الصادرة عن الأممالمتحدة.. ونفس هذه الحقوق يجب توافرها اذا كان هناك اعتقال بواسطة الاجهزة الأمنية أو سلطات التحقيق والتحري ،فهنا يجب كفالة كافة الحقوق للمتهمين والمنصوص عليها أيضاً في الدستور وفي قوانين الاجراءات الجنائية والمعايير الدولية لحقوق الانسان في مراحل ما قبل المحاكمة!!