(السيد أبيل ألير زعيم سوداني بارز إشتهر بغزارة الثقافة وعمق الفكر ونجاعته وفصاحة اللسان وسعة الإطلاع وتعدد الخبرات وقوة العارضة وهدؤ الطبع.. إبتسامته مشرقة وساحرة، وحديثه طلي وأسلوبه أخاذ). بهذه الكلمات قدم الاستاذ بشير محمد سعيد لشخصية مولانا بيل الير وهو يترجم كتابه الشهير (جنوب السودان.. التمادي في نقض المواثيق والعهود). رحت في الأيام الماضية أعيد قراءة هذا الكتاب لسببين أولهما فضول شخص يعتريني تجاهه الإلمام بالسيرة الذاتية لمعظم الشخصيات المؤثرة على إمتداد الحياة السياسية السودانية المعاصرة، ولاشك أن مولانا أبيل واحد من هؤلاء.. السبب الثاني أن الصراع في جنوب السودان يتطلب فهماً متعمقاً من كافة الجوانب، سواء من جانب رؤية أهل الشمال أو أهل الجنوب ، ومن المؤكد أن إبرام إتفاق السلام الشامل لم يسدل الستار على جوهر هذا الصراع ولم يجعله من التراث السياسي لأهل السودان، إذ أصبح الطريق وعراً وشائكاً أكثر من أى وقت مضى. وعلى الرغم من تنويه السيد ابيل في مقدمة الكتاب أن غرضه ليس تقديم سيرته الشخصية بقدر توقه إلى إستيعاب القارئ لخلفية الأحداث ذات الصلة بمضمون الكتاب... على الرغم من هذا إلا أنني توقفت طويلاً عند الجزء المتعلق بطفولة المؤلف ونشأته وبواكير صباه لإدراكي أن هذه المرحلة تمثل مفتاحاً لتفهم شخصية مولانا أبيل. عن هذه المرحلة يقول المؤلف (لقد كنت ولداً قروياً، وُلد وترعرع حتى سن المراهقة في ريف يفتقر إلى المدارس كما يفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات الطبية الحديثة. وُلدت في مستهل الثلاثينيات في أسرة مؤلفة من بنتين وثمانية أولاد أحدهم شخصي. وكنت التاسع في تسلسل الولادة، وكان لي ثلاث أخوات وأربعة إخوة من زوجة أبي الثانية. كنت الوحيد بين أشقائي العشرة الذي أُتيح له أن يذهب إلى المدرسة ويعتنق الديانة المسيحية كما أعتنقها أخي دنق من زوجة أبي الثانية). ويمضي السيد أبيل يحكي عن مدرسته الأولية والتي تبعد ميلين ونصف عن قريته مما يضطره للنهوض باكراً والسير هذه المسافة الطويلة على قدميه وهو طفل صغير في ممر ضيق تغطيه الحشائش ويتساقط عليه المطر ليصل إلى المدرسة في السابعة صباحاً. ثم يحكي عن إنتقاله إلى مدرسة (لوكا) المتوسطة ومنها إلى مدرسة (رومبيك) الثانوية في 1950م والتي كانت الثانوية الوحيدة في الجنوب بأكمله وكان من بين زملائه فيها جوزيف أودوهو ووليام دينق وجوزيف قرنق وهلري لوقالي وصموئيل أرو وجوزيف لاقو وغيرهم من قادة الجنوب. ثم يحكي عن إخفاق فصلهم بمدرسة رومبيك في إحراز النجاح المطلوب عند إمتحان الشهادة الثانوية في 1953م مما إضطره للإعادة في مدرسة وادي سيدنا الشهيرة بالشمال حيث حصل على درجة جيدة تؤهله لدراسة الطب أو القانون بجامعة الخرطوم فآثر القانون على الطب حيث يقول إنه كان ثاني سوداني جنوبي يدرس القانون بعد جوزيف قرنق وأول مواطن جنوبي يلتحق بسلك القضاء السوداني حيث أنفق ست سنوات من عمره وهو يجلس على منصة القضاء. غداً نواصل...