بقدر ما فزعت من الصور التي بثتها قناة الجزيرة الثلاثاء الماضي، وهي مشاهد القتل بدم بارد في حق أبرياء عُزل في نيجيريا ،الا أنني حمدت الله على نعمة التقانة التي أخرجت هذه الصور (عبر كاميرا موبايل ربما) وفضحت الجناة على مدى الفضاء الكوني كله. صور فظيعة وثقت لجرائم بشعة إبان تصدي القوات النظامية النيجيرية لجماعة(بوكو حرام) الإسلامية المتشددة قبل بضعة أشهر .. مشاهد مرعبة لبضعة رجال من المدنيين رثي الثياب ومرعوبين أحدهم معاق يتكئ على عكاز خشبي ،يطلب الجنود منهم الانكفاء على وجوههم في الأرض ويتقدم واحد من الجنود في استهتار بالغ ليفرغ زخات من بندقيته الآلية في ظهورهم ،بينما قائدهم يوصيه أن يصوب على صدر أحدهم لا رأسه إذ أعجبته قبعة أحد الضحايا ! ونتابع الكاميرا الخفية وهى توثق لقائد العملية من القوات النظامية، وهو على ما يبدو جنرال متكرش تنم ملامحه على الغلظة والدموية والغباء ،يجلس على كرسي وثير مع بعض أعوانه يرتشف الشراب الذي أمامه ويصدر في ذات الوقت أوامر القتل الهمجي والوحشي. وتمضي عين الكاميرا في فضح الدكتاتورية حيث توثق لقائد جماعة(بوكو حرام) وهو في الأسر في أتم صحة وعافية ويُستجوب من قبل رجال الأمن ، ثم تدعي تلك الأجهزة فيما بعد أنه قُتل خلال الاشتباكات وتبدو صورته مضرجاً في دمائه بوحشية بالغة. نعم التقانة هي أمضى سلاح يفضح الدكتاتورية والفساد والقهر والاستبداد، ففي السابق كانت مثل هذه الجرائم تتم في عتمة وظلام الأنظمة والأجهزة الشمولية ثم جاءت معطيات التقانة الحديثة مثل كاميرا الموبايل فأضاءت تلك العتمة وبددت الظلام وفضحت الجناة في العالم عبر الأثير الكوني كله. ذات الشى حدث في إيران إبان مظاهرات المعارضة التي طعنت في نزاهة وشرعية الانتخابات التي جاءت بأحمدي نجاد للسلطة في دورة ثانية ، فقد عمدت سلطات الأمن إلى قطع خدمات الانترنت، ولكن كاميرا موبايل يتيمة في أيدي أحد المتظاهرين فضحت القمع الذي مورس على المتظاهرين وبثته في جميع أنحاء العالم. مضى والى الأبد العصر الذي يتصور فيه الطغاة أن بمقدورهم التقوقع داخل ظلام دولهم وممارسة القتل والارهاب وهم يتوهمون أن ايديهم مطلقة لتلك الممارسات، وأن سحائب العتمة التي غطت بظلامها سؤاتهم يصعب إختراقها.. ذاك عهد مضى فالتقانة لها أعين صغيرة لا تنام.