ما هي الأرضية والقناعة التي دفعت الهيئة إلى رفض القرارات الأخيرة؟ لا توجد رؤية استراتيجية لزيادة الإنتاج ومعالجة الفقر والنظر في قضايا العطالة لذلك لا تدخل هذه المعالجات في إطار استراتيجي عام، فلا بد من زيادة الإنتاج ومعالجة الواقع، وهناك مخالفات تقع ولابد من وجود شفافية في معالجتها وتجفيفها، ولا يمكن الإصرار على ما يمثل استفزاز للناس، كما لا يجب أن يكون المنصب السياسي خصمًا على الأداء الاقتصادي. ورأينا حددناه في المؤتمر الصحفي ونحن نرى أن هذه القرارات يجب أن يُلتزم فيها منهج التدرج، ولا بد أن تبدأ الحكومة بنفسها في التقشف حتى يطمئن عامة الناس إلى أن التغيير بدأ من الرأس من متخذ القرار. بمعنى؟ يجب أن لا تمول السياسية بموازنات من الخزينة العامة لتحقق رضىً سياسياً وتصنع مشكلة اقتصادية في ذات الوقت. تطالبون بعدم الخروج الحاكم ومع ذلك تطالبون الشرطة بحماية المتظاهرين، ألا ترى أن في ذلك تناقض؟ لا، وفق الدستور وتقديم النصيحة والسياسة الشرعية وضوابط القانون نرى أنه يمكن أن يكون هناك تعبيراً، وللمجتمع الحق في التعبير عن رأيه بالوسائل المشروعة المتعارف عليها من دون أن يكون هناك تخريب أو خروج مسلح. إذًا العصيان المدنى والاحتجاج السلمي حق؟ الدستور والقانون نظم ذلك، إذا لم يكن هناك تخريب بلا عدوان مسلح ولا تهريب، والناس لديهم وسائل تُستَعمل من دون وقع مفاسد، فليس هناك ما يضير. الحاكم الذي يدخل في معاش الناس ويشق عليهم ألا يجوز الخروج عليه؟ لا يجوز الخروج بالسلاح لأنه سيؤدي لفتنة، الحاكم لديه سلاح وربما يكون هناك جماعات لديها أسلحة في النهاية وعوضًا عن معالجة المشكلة تتفاقم. بطريقة سليمة الخروج ليس حرامًا؟ كل شيء بطريقة سلمية لا غبار عليه. لفترة طويلة ظللتم تبررون للحكومة الكثير من القرارات، فلماذا تغير موقفكم الآن؟ الواقع أن بعض الصحفيين يتخيلون أن الهيئة غير الهيئة الموجودة في الواقع، وأننا نتبع للحكومة، نحن منظمة مجتمع مدني، في كل قضية أصدرنا بياناً، في قضية الحصانات قضايا الفساد، أيّ قضية نحن ننصح لأننا مسؤلون أمام الله، وهناك من اتهمنا وكتب أننا قلنا أنهُ لا يجوز الخروج لا سلمًا ولا غيره وهذا غير صحيح، نحن لم نبرر للحاكم، كل ما رأينا أنهُ خطأ نصحنا الحاكم فيه بالوسائل المشروعة. دومًا تطالبون الناس بالتوبة والرجوع لله حتى يزول البلاء، القرارات الأخيرة هل ترى أنها نوع من البلاء أم هي سياسات خاطئة ناتجة عن سوء تقدير؟ ما نسبه الإعلام إلى أن رئيس الهيئة محمد عثمان صالح طالب الناس بضرورة التوبة والرجوع لله ولم يذكر الحكومة، ما قاله قيل ضمن سياق عام بعد ذكر الأخطاء، والتوبة هي معالجة الخطط السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التوبة ليست بالمفهوم الدارجي الموجود في أذهان الناس، هي العودة لله بمعرفة مقاصد الشريعة الإسلامية والإنتاج من أبواب التوبة، الضبط السياسي والاقتصادي، الاستراتيجيات الضابطة، التوبة ليست قضية فردية. بعض العلماء يطالب الناس بالتوبة وأن غلاء الأسعار نتاج ذنوبهم " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ"؟ مثل هذه الآيات لا نستدل بها في سياق خاطئ، نعم لا بد من التوبة لكن لا نأتي بها في سياق أن يفعل الحاكم ما يريد، وأن لا يتوب الحاكم، ويتوب فقط بقية الناس ويبقى خطابنا كأننا نبرر، التوبة ذات مفهوم شامل، تشمل الإصلاح السياسي والاقتصادي، والتوبة إطار عام يحكم الجميع، ويجب أن لا يؤسس الناس العمل على رؤية فردية. مجددًا، هل ترى أن هذه القرارات نوع من البلاء أم سياسات قد تكون ناتجة من سوء تقدير؟ القضية بحاجة لتدقيق، الحياة كلها ابتلاء لكن يجب أن لا تأتي هذه الآيات والأحاديث في سياق التبرير، أن أخاطب الناس وأطالبهم بالتوبة في سياق تبرير الأخطاء، بل يجب أن يدعو الخطاب إلى أن يقوم كل إنسان بدوره، التوبة في سياق عام هي الإصلاح، للسياسيين ولعامة الناس. إذا ساهمت الزيادة في معاناة الناس وأدت إلى موتهم سواء بالفقر والجوع أو الموت نتيجة التظاهر إلا يعني ذلك أنها تقود للتهلكة، فلماذا لم تفتوا بتحريمها؟ الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق المصالح ودرء المفاسد وأيّ ضرر يقع على الناس نحن نعتقد أنهُ يجب أن يُزال، ولذلك نحن لا نبرر، وقلنا أنه يجب أن تخضع هذه الزيادات لدراسة وتعالج القضية من كل زواياها، والآن لدينا مذكرة ناصحة من هيئة العلماء واقتصاديين متخصصين يعملوا على مراجعتها وطرحها للدولة تشتمل على رؤية للمختصين واستدراكات وقلنا لا بد من المراجعة، ولا يعني أن الناس لم تخرج للشارع أن القضية انتهت، القضية في نهاية الأمر أننا مسؤولون أمام الله، ولو لم يخرج الناس فالله سبحانهُ وتعالى سيسألنا إذا وقع ضرر على الناس فلا بد من رفعه بدراسات علمية دقيقة. الحديث أن الله يسلط على الناس بذنوبها، تستخدمهُ الهيئة دومًا لتبرير أخطاء الحاكم، ما رأيك؟ في اعتقادي أننا نستعمل هذه النصوص في سياقات خاطئة، لا نستدل الاستدلال الصحيح، الدليل صحيح لكن الاستدلال خطأ، نحن نستدل حتى نبرر لأخطائنا، لأجل ذلك يأتي ويزاود علينا البعض "أنت عندك رأي في الدليل"، ليس لديّ رأي في الدليل، فقط الاستدلال خطأ. برغم سيطرة المادية على الغرب إلا أن العدل أساس الحكم، ألا ترى أن ذلك مقصد الشريعة؟ نعم، نحن نرى الآن القيم كالمحافظة على الوقت، حقوق الإنسان ولأجل ذلك يهاجر أهلنا للغرب، يجب أن لا نزاود، يغرق الناس في البحر ليصلوا للغرب، من مقاصد الشريعة الإسلامية العدل، وكما قال محمد عبده ولو لم يؤمنوا وجدت هناك إسلام ولم أجد مسلمين، وفي بلاد المسلمين وجدت المسلمين ولم أجد الإسلام، الحكمة ضالة المؤمن، من كافر أو مسلم. أقررتم العصيان المدني والاحتجاج السلمي، ألا ترى أن ذلك موقف متأخر من الهيئة التي استبقها الدستور في الإقرار بذلك كحق للمواطن؟ لا، موقف الهيئة منذ قضايا الربيع العربي إذا وقع ظلم فالأصل هي الأمة وليس الحاكم، فالأمة لها الحق في اتخاذ الأساليب والوسائل التي تعبر بها عن رأيها حتى لا يقع ظلم عليها ولا تقع مفاسد. لماذا لم يصدر من الهيئة ما يحرم استخدام الدولة للعنف.. كما حدث في سبتمبر 2013م؟ رأينا ولا نتراجع عنهُ: أيّ عنف غير مبرر لا يجوز شرعًا، أيّ عنف يتجاوز الحد يعتبر غير جائز، ويجب على مؤسساتنا العدلية النظر في مثل هذه القضايا حتى لا ننظر لها من منظور سياسي أو منظور خاص. كل هذه القضايا يمكن أن توضع أمام القانون. رفضتم القرارات الاقتصادية وما يترتب عليها من مشقة فهل عقدت الهيئة اجتماعًا مع أهل الاختصاص والخبراء ثم أصدرت بيانها؟ في الهيئة مجموعة من الاقتصاديين وتحدثوا في المؤتمر الصحفي، ولدينا خبير استراتيجي وعميد كلية الاقتصاد بجامعة أم درمان الإسلامية وعدد من الخبراء يقوموا على إعداد مذكرة شاملة في هذه القضية. ما هي بنود المذكرة التي تعتزمون رفعها لرئاسة الجمهورية؟ البنود تتناول رؤية حول المعالجة الاقتصادية لما وقع الآن، بعد أن تقدم للرئيس ستنشر. رشح أن من بنود المذكرة استدعاء وزير المالية ومراجعة القرارات الأخيرة؟ تواثقنا على عدم ذكر المحتويات لكن بصورة عامة تنظر في المشكلات الاقتصادية الماثلة الآن ورؤية الهيئة من خلال مختصين. التحليلات ترى أن القرارات الأخيرة تربط البلاد بمراكز ودوائر الرأسمال العالمي ألا ترى أن تلك تبعية مرفوضة لها تبعاتها القيمية، الأخلاقية والثقافية وربما الدينية؟ إذا كان الاستناج صحيح لا يجوز ذلك، فأول الشعارات التي طرحت والشعب وقف معها "نأكل مما نزرع" ونلبس مما نصنع" وحرية القرار، والسودان محاصر حتى هذه اللحظة لأنه اتجه لأن تكون له خصوصيته، نحن ضد التبعية السياسية، الاقتصادية، القانونية، يجب أن يكون لنا استقلالنا. أي قرارات تربطنا بآخرين حتى يملوا علينا أراءهم ويتم اقتيادنا لغير مسار الشريعة الإسلامية نحن ضد ذلك ومذكرتنا ستتناوله. لماذا لا تصدرون فتواكم وتظهرون إذا برزت أخبار الفساد وإهدار المال العام، والتي اعترفت بها الحكومة نفسها؟ موقفنا على مستويين، مستوى عندما نسأل نقدم الفتوى، وعندما ظهرت أخبار الفساد عقدنا ندوة ضخمة ومؤتمراً تحدثنا عن الفساد وكيفية معالجته وعن الحصانات، ليست لدينا مصلحة لنتصالح مع الفساد الشريعة الإسلامية لا تتصالح مع الفساد، الهيئة موقفها واضح. هل قامت الهيئة بمناصحة رئيس الجمهورية؟ أيّة فرصة وجدناها قدمنا مناصحتنا، من خلال المنابر العامة الدورية وأحيانًا من خلال المذكرات الدورية التي ندفع بها للرئيس. هل يتقبل؟ لا بد أن نشير للآتي نحن لا نستطيع أن نقول هناك قبولاً بالصورة التي ترضي العلماء، وقد يكون ذلك وفقًا لتقديرات سياسية لذلك ما زلنا حتى هذه اللحظة نرى أن هناك أشياء كثيرة كان يمكن أن تتحقق ولم تتحق. مثل ماذا؟ أن تجد في الشارع العام حديثاً عن الفساد يحدد الشخص والمكان ويكاد يكون إجماعاً، ومع ذلك لا توجد شفافية، لا بد أن تكون هناك شفافية في كل ما يحدث حتى يطمئن الشعب ويتجاوب مع الحاكم، لكن لا توجد شفافية، لا توجد قدوة لذلك نحاول أن نقدم رأينا بوضوح في مثل هذه القضايا. متى كانت آخر مرة تمت فيها مناصحتهُ؟ مناصحتنا تتم أحيانًا وفقًا للقاءات عامة، كأن يدعو الرئيس للقاء للعلماء ومن ضمنه يكون هناك بياناً لرأي الهيئة، وآخر مرة تمت كانت في الجلسة مع نائب الرئيس حول قضية الحديث في الأسواق والساحات العامة، هيئة العلماء حددت رؤيتها واستجابت الرئاسة لذلك.