يُحكى أن البروفيسور عبدالله الطيب، رحمه الله، قد أدهش العرب بلغته الرفيعة والرصينة في أحد المؤتمرات في إحدى الدول العربية، فالتفت أحد الحاضرين من العرب إلى جاره معلقاً: "أنظر إلى هذا الأسود، إنه يتحدث العربية بطلاقة كأنه ابن جلدتها!". نعم، قد نكون "مستعربين" أو حتى (متلبطين) في العرب، ولكننا الأفضل من كثير من العرب في التعامل مع لغة القرآن. أستثني من ذلك دولة اليمن الشقيق التي تتجلى فيها اللغة العربية الأصيلة حتى عند الشخص الأمي وحتى الطفل في الشارع ينطق الحروف بصورة صحيحة وسليمة فيقول (ثلاثة وإثنان) وليس (تلاتة وإتنين). لكن يُعاب على اليمنيين طريقة نُطق حرف (القاف) حيث ينطقونها – رسمياً وعلى كل المستويات – بالطريقة الدارجة العامية التي ينطقها بها الصعايدة المصريين. أما نحن فنخلط بين السين والثاء فجميعنا يقول السانوي بدلاً عن الثانوي! وكذلك نخلط بين (القاف) و(الغين) وذلك يشمل حتى المتعلمين وكثير من المثقفين وكذلك بين (الذال والزاي: ذ# ز) فنقول أستاز بدلاً عن أستاذ، وتحزير بدلاً عن تحذير!. وقد لاحظتُ أن هناك مفارقات في اللغة بين مختلف الدول العربية إلى درجة أن هناك مفردات تستخدم على عكس معانيها في دول أخرى!. وقبل أن أشير إلى أمثلة هنا أشير إلى أننا نتفرد ببعض المفردات التي تُعد حصرية على السودانيين مثل كلمة (زول). وهي كلمة يشاغلنا بها الإخوة العرب كلما التقينا بهم في المؤتمرات. والغريب أن أهل الشام يتفردون بكلمة (زلمة) لكن لا تميزهم وسط العرب مثلما تميزنا كلمة "زول"! وإذا أردنا تأصيل كلمة زول لغوياً فيمكن القول أنها من (الزوال) بمعنى أن الإنسان "زائل" والدائم هو الله سبحانه وتعالى. أذكر أنني كنتُ قبل عامين أتجول مع أولادي في سوق العتبة بالقاهرة وكان ابننا الأصغر (7 سنوات وقتها) يسير من خلفنا على مسافة فشاغله أحد الباعة المصريين مناديا له: يا باشا، لكنه لم يلتفت، ثم أردف: يا عمي، فلم يلتفت، ولكنه التفت بسرعة عندما قال له (يا زول) فضحك كل مَن كان حولنا. أما عندما كنا في زيارة إلى ليبيا فكان أولادي يضحكون جداً من استخدام الليبيين لكلمة (يتدهور) والتي يقصدون بها الخروج في مشوار خاصة التسوق فيقول أحدهم أنه ماشي (يتدهور) فقلنا لهم إنه فعلاً تدهور – تدهور اقتصادي. ومن المفارقات اللغوية أن أهل الشام يقولون (فوت) للشخص الضيف أو الزائر ويقصدون (اتفضل) – على عكس ما عندنا. ويقولون (بلّشت) للشروع في الشئ! أذكر أن القنصل الفلسطيني الذي كنتُ أشرف على رسالته للماجستير اتصل وقال لي أنه قد (بلَّش) الكتابة في البحث، فاستغربت وقلتُ له لماذا وما السبب في تركك للبحث؟ فأوضح لي بأن المقصود هو أنه قد بدأ الكتابة في البحث وليس العكس! أما إخواننا السعوديين والخليجيين والذين يضحكون علينا في برنامج "طاش ما طاش" فلهم أخطاء فظيعة في اللغة العربية نكتشفها من خلال كتابتهم لبحوثهم الأكاديمية التي نشرف عليها. فمثلاً يكتبون حرف (الضاد) مكان حرف (الظاء) في كثير من الكلمات حيث يكتبون (الضاهرة) بدلاً عن (الظاهرة). وكذلك نتعب في تصحيح الكثير من كلماتهم، فدائما يضعون همزة على (ألف التعريف) مثل: ألاسلام، وإلاعلام، وألشرق ألاوسط، وهكذا.. أما في المغرب العربي فالمفارقات كبيرة جداً في دلالات اللغة بيننا وبينهم إلى درجة أن المعنى أحيانا يكون العكس تماما للمقصود عندنا. وأذكر عندما شاركتُ في ندوة الربيع العربي التي نظمها في تونس مركز دراسات الوحدة العربية (بيروت) في فبراير الماضي وفي الطريق من المطار إلى حيث المقر وفي خلال (الونسة) استعرض لنا الوفد المغربي والجزائري كثيرا من الألفاظ التي تعبِّر عندنا عن استحسان بينما عندهم تعبر عن إساءة وربما تُدخِلك في مشكلة وتتعرض للضرب إذا قلتها لأحد مواطني دول المغرب العربي. ولكني للأسف نسيت الآن تلك العبارات (لقد هرمنا) ولكن مَن درسوا أو عملوا في تلك الدول يتذكرون الكثير الذي يمكن أن يتحفوننا به (يا دكتور عبدالله صالح أبوبكر). سودنة بائعات الشاي: يُقال أن هناك قرارا وشيكا من ولاية الخرطوم بتنظيم مهنة بيع الشاي بحصر البائعات في مِحال في شكل قهاوي مع إبعاد الأجنبيات أو غير السودانيات من المهنة. هذا قرار صائب ونتمنى تطبيقه بأسرع ما يكون. فمن جانب أن منظر بائعات الشاي بهذه الطريقة التقليدية السائدة الآن منظر غير حضاري – يشوه وجه العاصمة. والجانب الآخر المهم في القرار هو إبعاد غير السودانيات من المهنة. فالشاهد أن البلد امتلأت بالحبشيات وقد زاحمن وضايقن السودانيات في سبل كسب العيش (والفينا مكفينا)، فمع احترامنا لهن كضيوف إلا أن بت البلد أولى، خاصة في هذه الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها شعبنا. ونتمنى أن يمتد الأمر لسائقي الركشات وسائقي الشاحنات فهذه المهن استولى عليها الأجانب بينما أصبح شبابنا العاطل يهيم بوجهه في الطرقات في انتظار المغادرة إلى الخارج أو جازف بعضهم في البحث عن الذهب ومنهم من لقى حتفه في سبيل ذلك..!! 4