يتحفنا دائما الدكتور خالد محمد فرح ببحوثه الجيدة الشيقة في اللغة العربية بغوصه في أعماق اللغة خاصة الكلمات الدارجة- وكلمة دارجة هي ما درج الناس على استخدامه من كلام، فصيحا كان أم عاميا. أما كلمة (دارجية) وهي ربما تكون ، والله أعلم، سودانية المولد والنشأة والتي تستخدم بمعنى العاميّة، فأنا شخصيا لا أحبذها وأرى أن لفظة عامية في مقابل الفصحى هي الأفضل . والعامية هي إشارة إلى ما يستخدمه العوامّ أو العامة من الناس. وأذكر في هذا الموقف لفظ ( حوجة ) التي تعني ( الحاجة) لا توجد إلا عند السودانيين. فالسودانيون خاصتهم وعامتهم يقولون " نحن في أمسّ الحوجة" ليس على مستوى الكلام المنطوق ، إنما أيضا على مستوى المكتوب منه. ولم أجد للكلمة أصلا فيما وقع تحت يدي من معاجم، علّ غيري يجد ذلك. أما عن حرف الشين التي يستخدمها العرب، كما يرى الدكتور خالد، للنفي في عاميات الكثير من البلدان العربية، هذا الكلام جيد ولكني لاحظت أن حرف الشين في آخر اللفظ العاميّ إنما يعني عبارة " أيّ شيء". فمثلا في بلاد الشام والخليج وغيرها، يقولون " ليش؟" بمعنى لماذا؟ أي " لأيّ شيء؟" . ونحن السودانيين، نقول " ليه" كما يلفظها المصريون الذين منهم نستورد معظم ألفاظنا الحضرية بحكم القرب الجغرافي والتاريخ الاستعماري والتأثر بالسينما والمسلسلات . وعبارة " ما اعرفش إنما تعني " ما اعرف شي" ، أي لا أعرف شيئا وقد لاحظت في بعض دول الخليج، التي ما زلت أعيش فيها منذ أكثر من عقدين" أن عبارة " مافي" التي نعني بها لا يوجد، يستخدمون مكانها " ما شي" بفتح الشين وتسكين الياء مع حذف الهمزة في لفظة "شيء". فمثلا يسأل أحدهم " شي كتاب؟ " أي هل يوجد كتاب ؟ فيجيبه الآخر بالنفي " ما شي" أو الإيجاب " شي". ومن عجائب حرف الشين أنه بداية الشر والشيطان والمرأة البغيّ في دارج كلامنا العاميّ. وعجبت لأهل السودان حين يصفون الإدام المصنوع مما جفف من لحم، الذي هو القديد عند العرب، ب " ملاح الشرموط" . وقد كانت لي زميلة فلسطينية كنا نعمل سويا في مركز للبحوث والدراسات قالت لي " عندكم أكلة في السودان أسمها فيه قلة أدب" ونطقت القاف همزةً كما هي في نطقهم الدارج ونطق أهل مصر، فعرفت أنها إنما تعني " ملاح الشرموط " . ولاحظت مرة في المهرجان التراثي السنوي في مدينة دبي بالجناح السوداني حيث هناك معرض للمنتجات السودانية معروضة للبيع، لاحظت ضمن أسماء المعروضات عبارة "لحم ناشف" بدلا عن الكلمة الدارجة لدينا لهذا النوع من اللحم المجفف الذي هو على شكل شرائح. ذكر الدكتور خالد أنّ حرف الكاف تنطق( شينا) في دول الخليج وأشار إلى أن الأمر ليس جديدا إنما هو أمر قديم. وأشار إلى أن بعض العرب كانت تقرأ الآية الكريمة ( قد جعل ربك تحتك سريا ) بإبدال الكاف شينا ( قد جعل ربش تحتش سريا). والواقع أنّ الكاف لا تنطق ( شينا )بوصفها الحقيقي في علم الصوتياتphonetics. فحرف الشين كما عرّفه بعضهم يخرج من وسط اللسان ويستعرض وسط اللسان ويصطدم في رقة بغار الحنك الأعلى. ويحمل حرف الشين صفة أطلق عليها العلماء صفة التفشّي وهي صفة انفرد بها عن باقي الحروف المهموسة الرخوة. وقالوا إن الشين ينبغي المحافظة على جريان الصوت فيها وإلا اشتبهت بحرف الجيم. والملاحظ أن أهل الخليج ينطقون الكاف بين الشين والجيم كما في اللفظة الإنجليزية church أوفي الصوت الأول حين يُكتب بالفرنسية اسم دولة تشادTchad إذ إن ذلك الصوت لا يمكن التعبير عنه برمز صوتي واحد في الفرنسية حيث لا وجود له أصل الفرنسية. وحتى في الإنجليزية حين نريد أن نعبر صوتيا بالرمز عن ذلك الصوت وضعنا ما يدل على نطق الصوتين اللذين نعبر عنهما في العربية بالتاء والشين- وهذا قد يدخلني عميقا في الرموز الصوتية وهو ما لا أريده في هذا المقال وقد يأتي ذلك في ظرف آخر. وقيل إن ذلك- أي نطق الكاف بين الشين والجيم- هو لغة بني سعد وهي من القبائل العربية القديمة. ولكن يبقى الشين هو حرف الشهادتين اللتين بهما تميز المسلم عن غيره. وفي حديث قيل إنه موضوع نسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ، ذكر رواته أن بلالا رضوان الله عليه كان حين يؤذن يبدل الشين سينا في الشهادتين فقال الرسول إن سين بلال عند الله شين- فيما زعموا . ولكن ثبت أن بلال بن رباح الحبشي السوداني كان فصيحا ندي الصوت ولذلك اختاره الرسول ليكون مؤذنه الأول.